بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَٰتُ قِصَاصٞۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (194)

فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى دخلوا مكة ، وطافوا بالبيت ، ونحروا الهدي ، وأقاموا بمكة ثلاثة أيام ثم انصرفوا فنزلت هذه الآية : { الشهر الحرام بالشهر الحرام } ، يعني الشهر الحرام الذي دخلت فيه الحرم بالشهر الحرام الذي صدوكم عنه العام الأول وهو ذو القعدة { والحرمات قِصَاصٌ } أي ما اقتصصت لكم في ذي القعدة كما صدوكم .

ويقال : إذا قاتلوكم في الشهر الحرام فقاتلوهم في الشهر الحرام { والحرمات قِصَاصٌ } ، يعني قتالكم يكون لِقتالهم قصاصاً ، فكما تركوا الحرمة فأنتم تتركون أيضاً ذلك .

ويقال : إن سبب نزول هذه الآية أن المشركين سألوا المسلمين فقالوا : في أي شهر يحرم عليكم القتال ؟ وأرادوا أن يقفوا على ذلك ، حتى يقاتلوهم في الشهر الذي حرم القتال على المؤمنين ، فنزل قوله : { وَلاَ تقاتلوهم عِندَ المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فِيهِ } ، أي في وقت قاتلكم المشركون حل لكم قتالهم . ثم قال تعالى : { فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ } ، أي قاتلكم في الشهر الحرام { فاعتدوا عَلَيْهِ } ، أي قاتلوهم فيه وإنما سمي الثاني اعتداء ، لأنه مجازاة الاعتداء فسمي بمثل اسمه . وهذا كقوله عز وجل : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ للصابرين } [ النحل : 126 ] ؛ ثم صارت هذه الآية حكماً في جميع الجنايات . إن من جنى على إنسان أو في ماله ، فله أن يجازيه بمثل ذلك بظاهر هذه الآية : { فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ } . ثم قال { واتقوا الله } عن الاعتداء قبل أن يعتدوا عليكم { واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين } ، يعني يعين من اتقى الاعتداء .