تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل  
{ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَٰتُ قِصَاصٞۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (194)

{ الشهر الحرام بالشهر الحرام } ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ساروا إلى مكة محرمين بعمرة ، ومن كان معه عام الحديبية ، لست سنين من هجرته إلى المدينة ، فصدهم مشركو مكة ، وأهدى أربعين بدنة ، ويقال : مائة بدنة ، فردوه وحبسوه شهرين لا يصل إلى البيت ، وكانت بيعة الرضوان عامئذ ، فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على أن ينحر الهدي مكانه في أرض الحرم ويرجع فلا يدخل مكة ، فإذا كان العام المقبل خرجت قريش من مكة ، وأخلوا له مكة ثلاثة أيام ليس مع المسلمين سلاح إلا في غمده ، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم توجه من فوره ذلك إلى خيبر ، فافتتحها في المحرم ، ثم رجع إلى المدينة ، فلما كان العام المقبل ، وأحرم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعمرة في ذي القعدة وأهدوا .

ثم أقبلوا من المدينة ، فأخلى لهم المشركون مكة ثلاثة أيام ، وأدخلهم الله عز وجل مكة ، فقضوا عمرتهم ونحروا البدن ، فأنزل الله عز وجل : { الشهر الحرام } الذي دخلتم فيه مكة هذا العام { بالشهر الحرام } ، يعني الذي صدوكم فيه العام الأول ، { والحرمات قصاص } ، يعني اقتصصت لك منهم في الشهر الحرام ، يعني في ذي القعدة كما صدوكم في الشهر الحرام ، وذلك أنهم فرحوا وافتخروا حين صدوا النبي صلى الله عليه وسلم عن المسجد الحرام ، فأدخله الله عز وجل من قابل ، ثم قال سبحانه : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه } ، وذلك أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أهلوا إلى مكة محرمين بعمرة ، فخافوا ألا يفي لهم المشركون بدخول المسجد الحرام ، وأن يقاتلوهم عنده ، فأنزل الله عز وجل : { فمن اعتدى عليكم } فقاتلكم في الحرم ، { فاعتدوا عليه } ، يقول : فقاتلوهم فيه ، { بمثل ما اعتدى عليكم } فيه ، { واتقوا الله } يعني المؤمنين ، ولا تبدءوهم بالقتال في الحرم ، فإن بدأ المشركون فقاتلوهم ، { واعلموا أن الله } في النصر { مع المتقين } الشرك ، فخبرهم أنه ناصرهم .