الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ٱلشَّهۡرُ ٱلۡحَرَامُ بِٱلشَّهۡرِ ٱلۡحَرَامِ وَٱلۡحُرُمَٰتُ قِصَاصٞۚ فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ} (194)

قوله : ( الشَّهْرُ الحَرَامُ بِالشَّهْرِ ) [ 193 ] .

هو ذو القعدة وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صده( {[6215]} ) المشركون عام الحديبية في ذي القعدة وهو محرم بعمرة ، وذلك في سنة ستن هجرته( {[6216]} ) ، فرجع الحديبية ونحر ( ثَم ) هديه وحلقوا وقصروا ثَم ، وصالحهم في تلك السنة على أن يعود من العام المقبل ، وهو سنة سبع من هجرته . فخرج النبي معتمراً في العام المقبل ، وأخلى له المشركون مكة ، فأتم عمرته ، وأقام ثلاثة أيام ، فقال الله له وللمسلمين : هذا الشهر الحرام الذي قضيتم فيه عمرتكم عِوَضٌ عن ذلك الشهر( {[6217]} ) الذي صدكم فيه المشركون( {[6218]} ) .

( وَالحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ) [ 193 ] : بعضها قصاص( {[6219]} ) لبعض ؛ شهر حرام بشهر حرام .

وإنما جمع في قوله : ( وَالحُرُمَاتُ ) وليس ثم الأشهر بدل من شهر لأنه أراد الشهر الحرام ، والبلد الحرام ، وحرمة الحرم ، فصارت حرمات/ قضاء الوقوف بها/ في عام سبع عوض من حرمات ، صدوا عنها في عام ست( {[6220]} ) .

وقال ابن عباس : " معناه : أن الله أطلق للمسلمين أن( {[6221]} ) يقتصوا ممن اعتدى عليهم " ( {[6222]} ) .

فتقديره : والحرمات منكم –إذا تعدي عليكم فيها- قصاص .

وكان( {[6223]} ) الإنسان حراماً ضربُه وشتمه وجَرحُه وغير ذلك ، فأبيح لهم القصاص .

قال : ثُمَّ نسخ ذلك ، وصير( {[6224]} ) الحكم إلى السلطان ، فليس لأحد أن يقتص( {[6225]} ) دون أن يرفع إلى السلطان " ( {[6226]} ) .

قوله : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) الآية [ 193 ] .

قال ابن عباس : " أمروا/في/أول الإسلام أن ينتقموا ممن آذاهم مثل ما صنع بهم ، ثم نسخ ذلك ، فرد الأمر إلى السلطان " ( {[6227]} ) .

وقال أكثر أهل التفسير : " الآية في القتال : أي : فمن قاتلكم في الشهر الحرام فقاتلوه بدلالة ما قبله من الأمر بالقتال ، والنهي عنه في المسجد الحرام ، وهو نظير قوله : ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) . والآية منسوخة بالأمر بالقتال في الحرم وإن لم يبدأوا ، بقوله : ( فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ) ، وبقوله : ( وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً )( {[6228]} ) .

وبهذه( {[6229]} ) الآية ونظيرها أجاز الشافعي( {[6230]} ) أن يأخذ الرجل من مال من خانه بقدر ما خانه من غير رأيه . وقاله أصحاب الرأي( {[6231]} ) . ولم يجزه مالك( {[6232]} ) .


[6215]:- في ق: ضده. وهو تصحيف.
[6216]:- في ع2: هجرته. وفي ع3: الهجرة.
[6217]:- في ع2، ع3: الشهر الحرام.
[6218]:- انظر: سيرة ابن هشام 3/333، وأسباب النزول 53-54، ولباب النقول 36-37.
[6219]:- قوله: "بعضها قصاص" ساقط من ع3. وفي ح: أي بعضها قصاص.
[6220]:- في ق: سنة. وهو تصحيف.
[6221]:- في ع2، ع3: المسلمين.
[6222]:- انظر: جامع البيان 3/580.
[6223]:- في ع2، ع3: كل.
[6224]:- في ع3: سير. وهو تحريف.
[6225]:- في ق: يقتصوا.
[6226]:- انظر: الإيضاح لناسخ القرآن: 138، ونواسخ القرآن 76.
[6227]:- انظر: المصدر السابق.
[6228]:- انظر: جامع البيان 3/580-581، والإيضاح لناسخ القرآن 133.
[6229]:- في ع1، ح، ق: لهذه.
[6230]:- انظر: أحكام الشافعي 2/105.
[6231]:- انظر: أحكام الجصاص 1/262.
[6232]:- انظر: أحكام ابن العربي 1/111-112، ففيه بسط لهذه المسألة.