الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡـٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ} (73)

{ يأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ } معنى ضرب : جعل ، كقولهم : ضرب السلطان البعث على الناس ، وضرب الجزية على أهل الذمّة أي جعل ذلك عليهم ، ومنه قوله

{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ } [ البقرة : 61 ] والمثل حالة ثابتة تشبه بالأُولى في الذكر الذي صار كالعلم ، وأصله الشبه ، ومعنى الآية : جعل لي المشركون الأصنام شركائي فعبدوها معي .

{ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ } حالها وصفتها التي بيّنت وشبّهتها بها ، ثم بيّن ذلك فقال عزَّ من قائل { إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ } قراءة العامة بالتاء ، وروى زيد عن يعقوب يدعون بالياء { لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً } في صغره وقلّته لأنّها لا تقدر على ذلك { وَلَوِ اجْتَمَعُواْ لَهُ } لخلقه ، والذباب واحد وجمعها القليل أذبنة والكثير ذبّان ، مثل غراب وأغربة وغربان { وَإِن يَسْلُبْهُمُ } يعني الأصنام ، أخبر عنها بفعل ما يعقل ، وقد مضت هذه المسألة ، يقول : وإن يسلبهم { الذُّبَابُ شَيْئاً } مما عليهم { لاَّ } يقدرون أن { يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ } .

قال ابن عباس : الطالب الذباب والمطلوب الصنم ، وذلك أن الكفّار كانوا يلطّخون أصنامهم بالعسل في كلّ سنة ثم يغلقون عليها أبواب البيوت فيدخل الذبّان في الكوى فيأكل ذلك العسل وينقيها منه فإذا رأوا ذلك قالوا : أكلت آلهتنا العسل .

الضحّاك : يعني العابد والمعبود .

ابن زيد وابن كيسان : كانوا يحلّون الأصنام باليواقيت واللآلي وأنواع الجواهر ويطيّبونها بألوان الطيب ، فربما يسقط واحد منها أو يأخذها طائر أو ذباب فلا تقدر الآلهة على استردادها ، فالطالب على هذا التأويل الصنم والمطلوب الذباب والطائر .