غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡـٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلۡمَطۡلُوبُ} (73)

65

ثم ضرب للأصنام مثلا فقال { يا أيها الناس ضرب مثل } إنما قال بلفظ الماضي لأنه معلوم من قبل لكل ذي عقل . والمثل بمعنى المثل استعاروه لجملة من الكلام مستغربة مستفصحة متلقاة بالرضا والقبول أهل للتسيير والإرسال وذلك أنهم جعلوا مضربها مثلاً لموردها ، ثم استعاروا هذا المستعار للقصة أو الحالة أو الصفة المستغربة لتماثلها في الغرابة وهذا هو الذي قصد في الآية : { فاستمعوا له } أي تدبروه وحق له ذلك فإن السماع المجرد لا نفع له . قال جار الله : محل { ولو اجتمعوا له } نصب على الحال كأنه قال مستحيل أن يخلقوا الذباب مشروطاً عليهم اجتماعهم جميعاً فكيف لو انفردوا ؟ وأقول : الظاهر أن " لو " هذه للمبالغة وجوابه محذوف لدلالة ما تقدم عليه تقديره ، ولو اجتمعوا لخلق الذباب لن يخلقوه أيضا ، وليس من شرط كل جملة أن يكون لها محل . ثم زاد لعجزهم وضعفهم تأكيداً بقوله { وإن يسلبهم الذباب } الآية . بمعنى أترك أمر الحلق والإيجاد وتكلم فيما هو أسهل من ذلك ، إن هذا الحيوان الضعيف الذي لا قدرة لهم على خلقه لو سلب منهم شيئاً لم يقدروا أيضاً على استخلاص ذلك الشيء منه . عن ابن عباس أنهم كانوا يطلون الأصنام بالزعفران ورؤوسها بالعسل ويغلقون عليها الأبواب فيدخل الذباب من الكوى فيأكله . وقيل : سمي الذباب ذباباً كلما ذب آب . ثم عجب من ضعف الأصنام والذباب بقوله { ضعف الطالب والمطلوب } فالصنم كالطالب من حيث إنه يطلب خلق الذباب أو يطلب استنفاذ ما سلبه منه . وقيل : الطالب عابد الصنم والمطلوب هو الصنم أو عبادته ، ويجوز أن يكون الطالب هو السالب والمطلوب المسلوب منه .

/خ78