الآية 73 وقوله تعالى : { يأيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له }قد ذكرنا معنى ضرب الأمثال والحاجة إليها . وذلك أن العقول يجوز أن يعترضها{[13235]} ما يستر عليها سبيل الحق ، ويحجب عنها إدراك الحق . فضرب الأمثال ليرفع عنها ذلك الحجاب والستر لتدرك العقول سبيل الحق . وإلا لم يجز ألا تدرك العقول لما جعلت العقول ( ممن يدرك ){[13236]} الحق . لكن يمنع عن درك الحق وسبيله ما ذكرنا من اعتراض السواتر والحجب ، فيستكشف ذلك بما ذكرنا من الأمثال . ثم في هذا المثل وجهان : أحدهما : يخبر عن تسفيه أحلامهم في عبادتهم من لا يقدر على خلق أضعف خلق ، وهو ما ذكر : { لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له }وتركهم عبادة من هو خالقهم وخالق جميع الخلائق .
والثاني : يخبر عن قطع ما يأملون ، ويطمعون من عبادتهم الأصنام حين{[13237]} قال : { وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه }ويتركون عبادة من يؤمل منه ، ويطمع كل خير ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فاستمعوا له }قال بعضهم : أجيبوا له . وقال بعضهم : استمعوا له استماع من ينظر ، ويأمل الحق ، ويقبله ( لا استماع ){[13238]} من لا ينظر إلى الحق ، ولا يقبله ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { إن الذين تدعون من دون الله }وقال بعضهم : { تدعون }أي تعبدون{ من دون الله } . وقال ( بعضهم ){[13239]} : { إن الذين تدعون من دون الله }( لا ){[13240]} على الدعاء ، أي تسمونهم آلهة من دون الله .
وقد كان منهم الأمران جميعا : العبادة للأصنام من دون الله ، وتسميتهم آلهة من دون الله .
وقوله تعالى : { لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له } فيه ما ذكرنا من تسفيه أحلامهم في عبادتهم من لا يملك خلق أضعف خلق الله وعجزهم عما يأملون من النفع وعن دفع من يروم بهم الضرر والسلب ما ذكر منها .
ثم اختلف في قوله : { ضعف الطالب والمطلوب }قال بعضهم : الطالب الصنم ، والمطلوب ، هو الذباب لكن على هذا التأويل يضمر فيه : لو ، أي ضعف الصنم ، لو كان طالبا . وقال بعضهم : الطالب هو الذباب ، والمطلوب ، هو الصنم . فإن قيل : وصفهما جميعا بالضعف : الذباب والصنم جميعا على تأويلهم ؛ أعني هؤلاء .
فالصنم ضعيف عاجز عما وصف . وأما الذباب فهو ليس بضعيف لأنه غلب ذلك الصنم ، وإن كان طالبا أو مطلوبا . فكيف وصفه بالضعف ، وهو{[13241]} الغالب عليه في الحالين ؟
لكنه كأنه ( أرجع قوله ){[13242]} { ضعف الطالب والمطلوب }إلى العابد والمعبود ، كأنه قال : ضعف العابد عما يأمل ، ويطمع من عبادته إياه ، وضعف المعبود عن إيفاء ما يؤمل ، ويطمع منه . فهذا كأنه أشبه وأقرب إليه من التأويل الأول ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.