{ قَدْ كَانَ } ولم يقل كانت ؛ لأنّ ( آية ) تأنيهثا غير حقيقي ، وقيل : ردّها ] الى البيان أي : قد كان لكم بيان فذهبَ الى المعنى وترك اللفظ كقول امرؤ القيس :
برهرهة رأدة رخصة *** كخر عوبة البانة المنقطر
ولم يقل المنقطرة ؛ لأنَّه ذهب الى القضيب ، وقال الفراء : ذكَّره ؛ لأنَّه فرق بينهما بالصفة فلما حالت الصفة بين الفعل والاسم المؤنث ذكَّر الفعل وأنَّثه :
إنَّ أمرؤاً غرَّه منكره واحدة بعدي *** وبعدك في الدنيا لمغرورُ
وكل ما جاء في القرآن من هذا النحو ، فهذا وجهه ، فمعنى الآية { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ } : أي عبرة ودلالة على صدق ما أقول لكم ستغلبون .
{ فِي فِئَتَيْنِ } : فرقتين وجماعتين وأصلها في الحرب من بعضهم بقى الى بعض . { الْتَقَتَا } يوم بدر .
{ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } : طاعة لله وهم رسول اللّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم وأصحابه ، وقد كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، على عدَّة أصحاب طالوت الَّذين جازوا معه النهر وما جازَ معه إلاّ مؤمن ، سبعة وسبعون رجلاً من المهاجرين ومئتان وستة وثلاثون رجلاً من الأنصار .
وكان صاحب راية النبي صلى الله عليه وسلم والمبارزين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة ، وكانت الإبل في جيش النبي صلى الله عليه وسلم سبعين بعيراً والخيل فرسين : فرس للمقداد بن عمر الكندي ، وفَرسْ لمرثد بن أبي فهد العنزي ، وكان معهم من السلاح : ستة أدرع وثمانية سيوف وجميع من أستشهد من المسلمين يوم بدر أربعة عشر رجلاً من المهاجرين وثمانية من الأنصار .
{ وَأُخْرَى } وفرقة أخرى { كَافِرَةٌ } : وهم مشركو مكّة ورأسهم عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلاً مقاتلاً وكانت خيلهم مائة فرس ، وكان حرب بدر مشهد شهده رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، وكان سبب ذلك أعين بن سفين ، واختلف القرَّاء في هذه الآية ، قرأها منهم { فِئَةٌ } بالرفع على معنى منهما فئة أو إحداهما فئة .
وقرأ الزهري بالخفض على البدل من الفئتين .
وقرأ ابن السميقع : فما ، على المدح .
وقرأ مجاهد : تقاتل بالياء ردَّه الى القوم وجهان على لفظه ، وقرأ الباقون بالتاء .
{ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ } قرأ أبو رجاء وأبو الحرث والحسن ، وأبو جعفر ، وشيبة ونافع ويعقوب وأيوب بالتاء وإختاره أبو حاتم ، الباقون بالياء ، والباقون ممن قرأ بالتاء بمعناه ترونَ يا معشر اليهود والكفار أهل مكَّة مثلي المسلمين .
ومن قرأ بالياء فأختلف في وجهه فجعل بعضهم الخطاب للمسلمين ، ثم له تأويلان أحدهما : ما يرى المسلمون المشركين مثلهم في العدد ، ثم ظهر العدد القليل على العدد الكثير بخمس أمثال فتلك الآية فإن قيل كذا جاز أن يقول مثليهم وهم قد كانوا ثلاثة أمثالهم ، فالجواب أن يقول : هذا مثل وعندك عبدٌ محتاج إليه وإلى مثله ، إحتاج الى مثلَيه فأنت محتاج الى ثلاثة ، ويقول : معي ألف وأحتاج الى مثليه فأنت محتاجٌ الى ثلاثة آلاف ، فإذا نويت أن يكون الألف داخلاً في المثل كان المثل والاثنان ثلاثة .
قاله الفرَّاء : التأويل الآخر أن معناه يرى المسلمون المشركين مثلي عدد أنفسهم قللهم اللّه في أعينهم حتى رأتها ستمائة وستة وعشرون ، وكانوا ثلاثة أمثالهم تسعمائة وخمسين ، ثم قلّلهم في أعينهم في حالة أخرى حتى رأتها مثل عدد أنفسهم .
قال ابن مسعود : في هذه الآية نظرنا الى المشركين فرأيناهم يضاعفون علينا ، ثم نظرنا إليهم فما رأيناهم يزيدون علينا ولا واحداً ، ثم قللهم اللّه في أعينهم حتى رأتهم عدداً يسيراً أقل عدداً من أنفسهم .
وقال ابن مسعود أيضاً : لقد قلَّلوا في أعُيننا يوم بدر حتى قلت لرجُل الى جنبي : تراهم سبعين ؟ قال : أراهم مائة . قال : فأسرنا رجلاً منهم فقلنا : كم كنتم ؟ قال : ألفاً ، وقال بعضهم : الروية راجعة الى المشركين يعني : يرى المشركون المؤمنين مثليهم قلَّلهم اللّه في أعينهم قبل القتال يعني في أعين المشركين ليجترؤا عليهم ولا ينصرفوا ، فلمّا أخذوا في القتال كثّرهم في أعينهم ليجبنوا وقلّلهم في أعين المؤمنين ليجتروا فذلك قوله :
{ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً } [ الأنفال : 44 ] الآية .
محمَّد أبي الفرات عن سعيد ابن أبي آوس في قوله : { يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ } قال : كان المشركون يرون المسلمين مثليهم فلمَّا أسروهم سألهم المشركون كم كنتم ؟ قالوا : ثلاثمائة وبضعة عشرة ، قالوا : ما كنَّا نراكم إلاّ تضاعفون علينا ، قال : وذلك ممَّا نصر به المسلمون .
وقرأ السلمي { يَرَوْنَهُمْ } بضم الياء على مالم يسمي فاعله وإنْ شئت على معنى الظن .
{ رَأْيَ الْعَيْنِ } أي في رأي العين نصب ونزع حرف الصفة وإن شئت على المصدر أي ترونهم رأي العين ، أي : في نظر العين يقال : رأيت الشيء رأياً ورؤية ورؤيا ثلاث مصادر إلاّ أنَّ الرؤيا أكثر ما يستعمل في المنام ليفهم في رأى العين بمعنى النظر إذا ذكر .
فلما رأى لا قوم من ساعة *** من الرأي ما أبصروه وما أكتمن
{ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ } : يقوي { وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذلِكَ } : التي ذكرت { لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ } : لذوي العقول ، وقيل : لمن أبصر الجمعين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.