الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{الٓمٓ} (1)

مقدمة السورة:

روي أنَّها أربعة عشر ألف حرف ، وخمس مائة وخمسة وعشرون حرفاً ، وثلاثة الآف وأربعمائة وثمانين كلمة ، ومائتا آية .

فضلها :

روي عن ابن عباس قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( من قرأ السورة التي يُذكر فيها آل عمران يوم الجمعة صلى اللّه عليه وملائكتهُ حتى تغيب الشمس ) .

زرّ بن حُبيش عن أُبي بن كعب قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : ( من قرأ سورة آل عمران أُعطي بكلَّ آية منها أماناً على جسر جهنَّم ) .

رويعن أبي إسحاق عن سليم بن حنظلة ، قال : قال عبد اللّه بن مسعود : ( من قرأ آل عمران فهو غني ) .

يحيى بن نعيم عن أبيه عن أبي المعرش عن عمر قال : سمعتُ رسول اللّه صلَّى اللّه عليه وسلَّم يقول : ( تعلَّموا البقرة وآل عمران فإنهما الزهراوان ، وإنهما يأتيان يوم القيامة في صورة ملكين شفعاء له جزاءً حتى يدخلاه الجنَّة ) .

إبراهيم بن أبي يحيى عن أبي الحُرين عن أبي عبد اللّه الشامَّي ، قال : ( من قرأ سورة البقرة وآل عمران في ليلة الجمعة يبدل له يوم القيامة جناحات يطير بهما على الصراط ) .

أخبرنا محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر الزبير ، ومحمد بن مروان عن الكلبي ، وعبد اللّه بن أبي جعفر الرازي عن أبيه عن الربيع بن أنس ، قالوا : نزلت هذه في وفد نجران ، وكانوا ستين راكباً قدموا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلَّم وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم ، وفي الاربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم العاقب ، وهو أميرهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدَّرون عن رأيه ، واسمهُ عبد المسيح . والسيَّد ( عالمهم ) وصاحب رحلهم واسمه ( الأيْهم ويقال : شرحبيل ) وأبو حارثة بن علقمة الذي يعتبر حبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم ، وكان قد شرف فيهم ودرَّس كهنتهم من حسن عمله في دينهم ، وكانت ملوك الروم قد شرّفوه ( وموّلوه وبنو له ) الكنائس لعلمه واجتهاده .

فقدموا على رسول اللّه المدينة ودخلوا مسجدهُ حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرة وأردية مكفوفة بالحديد ، في جمال رجال بلحرث بن كعب ، يقول بعض مَن رآهم من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلَّم : ما رأينا وفداً مثلهم !

وقد حانت صلاتهم فقاموا وصلَّوا في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلَّم وصلَّوا الى المشرق .

فكلَّم السيد والعاقب رسوال اللّه . فقال رسوال اللّه صلى اللّه عليه وسلَّم : أسلمنا . قالا : قد أسلمنا قبلك ، قال : كذبتما ؛ يمنعكما من الإسلام ( ادَّعاءكما ) لله ولداً ، وعبادتكما الصليب ، وأكلكما الخنزير .

قالا : إن لم يكن ولد لله فمن ( أبيه ) وخاصموه جميعاً في عيسى عليه السلام ، فقال لهما النبي صلى اللّه عليه وسلم : ( إنّه لا يكون ولد إلاّ وشبه أباه . قالوا : بلى ، قال : ألستم ) تعلمون أن ربَّنا حيٌ لا يموت وإنَّ عيسى يأتي عليه الفناء ؟ قالوا : بلى . قال : ألستم تعلمون أنَّ ربَّنا قيّم على كل شيء يحفظه ويرزقه ؟ قالوا : بلى . قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً ؟ قالوا : لا . قال : ألستم تعلمون إن اللّه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ؟ قالوا : بلى .

قال : فهل يعلم عيسى من ذلك إلاّ ما عُلَّم ؟

قالوا : لا .

قال : فإنّ ربَّنا صوَّر عيسى في الرحم كيف شاء وربّنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث ؟ قالوا : بلى قال : ألستم تعلمون إنّ عيسى حملتهُ أمهُ كما تحمل المرأة ، ثم وضعتهُ كما تضع المرأة حملها ، ثم غذي كما يغذى الصبي ، وكان يُطعم ويشرب ويُحدث ، قالوا : بلى . قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم ؟ فسكتوا .

فأنزل اللّه تعالى فيهم صدر سورة آل عمران الى بضع وثمانين آية منها .

فقال عزَّ من قائل : { الم } قرأ ابن جعفر بن زبير القعقاع المدني { ا ل م } مفصولاً ، ومثلها جميع حروف التهجَّي المُفتح بها السور .

وقرأ ابن جعفر الرواسي والاعشى والهرحمي : { الم اللَّهُ } مقطوعاً والباقون موصولاً مفتوح الميم .

فمن فتح الميم ووصل فله وجهان :

قال البصريون : لإلتقاء الساكنين حركت إلى أخف الحركات .

وقال الكوفيون : كانت ساكنة ؛ لأن حروف الهجاء مبنية على الوقف فلمّا تلقاها ألف الوصل وأدرجت الألف فقلبت حركتها وهي الفتحة الى الميم .

ومن قطع فلهُ وجهان :

أحدهما : نية الوقف ثم قطع الهمزة للإبتداء ، كقول الشاعر :

لتسمعنَّ وشيكاً في ديارهم *** اللّه أكبر يا ثاراث عثمانا

والثاني : أن يكون أجراه على لغة من يقطع ألف الوصل .

كقول الشاعر :

إذا جاوز الأثنين سرَّ *** فإنه بنت وتكثير الوشاة قمينُ

ومن فصل وقطع فللتفخيم والتعظيم تعالى { اللَّهِ } ابتداء وما بعده خبر ، { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } نعت له .