جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ} (187)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } .

يعني بذلك تعالى ذكره : واذكر أيضا من هؤلاء اليهود وغيرهم من أهل الكتاب منهم يا محمد إذ أخذ الله ميثاقهم ، ليبيننّ للناس أمرك الذي أخذ ميثاقهم على بيانه للناس في كتابهم الذي في أيديهم ، وهو التوراة والإنجيل ، وأنك لله رسول مرسل بالحقّ ، ولا يكتمونه ، { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } يقول : فتركوا أمر الله وضيعوه ، ونقضوا ميثاقه الذي أخذ عليهم بذلك ، فكتموا أمرك ، وكذبوا بك ، { واشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنا قَلِيلاً } يقول : وابتاعوا بكتمانهم ما أخذ عليهم الميثاق أن لا يكتموه من أمر نبوّتك ، عوضا منه ، خسيسا قليلاً من عرض الدنيا . ثم ذمّ جلّ ثناؤه شراءهم ما اشتروا به من ذلك ، فقال : { فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ } .

واختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الاَية ، فقال بعضهم : عني بها اليهود خاصة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة أنه حدثه ، عن ابن عباس : «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَيُبَيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ } إلى قوله : { عَذَابٌ ألِيمٌ } يعني : فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، مثله .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَيُبَيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُمُونَه فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهورِهِمْ » كان أمرهم أن يتبعوا النبيّ الأميّ الذي يؤمن بالله وكلماته ، وقال : { اتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ } . فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم قال : { أوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإيّايَ فارْهَبُونِ } عاهدهم على ذلك ، فقال حين بعث محمدا : صدّقوه ، وتلقون الذي أحببتم عندي .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَيُبَيّنُنّهُ للنّاسِ » . . الاَية ، قال : إن الله أخذ ميثاق اليهود ليبيننه للناس محمدا صلى الله عليه وسلم ، ولا يكتمونه ، فنبذوه وراء ظهورهم ، واشتروا به ثمنا قليلاً .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي الجحاف ، عن مسلم البطين ، قال : سأل الحجاج بن يوسف جلساءه عن هذه الاَية : { وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُؤتُوا الكِتابَ } فقام رجل إلى سعيد بن جبير فسأله ، فقال : وإذ أخذ الله ميثاق أهل الكتاب يهود ، «لَيُبَيّنُنّهُ للنّاسِ » محمدا صلى الله عليه وسلم ولا يكتمونه ، فنبذوه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ ليُبَيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ » قال : وكان فيه إن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده ، وإن محمدا يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

وقال آخرون : عني بذلك كلّ من أوتي علما بأمر الدين . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَيُبَيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ » . . . الاَية ، هذا ميثاق أخذ الله على أهل العلم ، فمن علم شيئا فليعلمه وإياكم ، وكتمان العلم ، فإن كتمان العلم هلكة ، ولا يتكلفنّ رجل ما لا علم له به ، فيخرج من دين الله ، فيكون من المتكلفين ، كان يقال : مثل علم لا يقال به : كمثل كنز لا ينفق منه ، ومثل حكمة لا تخرج كمثل صنم قائم لا يأكل ولا يشرب . وكان يقال : طوبى لعالم ناطق ، وطوبى لمستمع واع . هذا رجل علم علما فعلمه وبذله ودعا إليه ، ورجل سمع خيرا فحفظه ووعاه ، وانتفع به .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي عبيدة ، قال : جاء رجل إلى قوم في المسجد وفيه عبد الله بن مسعود فقال : إن أخاكم كعبا يقرئكم السلام ، ويبشركم أن هذه الاَية ليس فيكم : «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَيُبَيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ » فقال له عبد الله : وأنت فأقرئه السلام ، وأخبره أنها نزلت وهو يهودي .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة بنحوه ، عن عبد الله وكعب .

وقال آخرون : معنى ذلك : وإذ أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن سفيان ، قال : ثني يحيى بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرءون : «وَإذْ أخَذَ رَبّكَ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ مِيثاقَهُمْ » قال : من النبيين على قومهم .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا قبيصة ، قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد ، قال : قلت لابن عباس : إن أصحاب عبد الله يقرءون { وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ } : «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ النّبِيّين » قال : فقال : أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم . وأما قوله : «لَيُبَيّنُنّهُ للنّاسِ » . فإنه كما :

حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : ثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن ذكوان ، قال : حدثنا أبو نعامة السعدي ، قال : كان الحسن يفسر قوله : «وَإذْ أخَذَ اللّهُ مِيثاقَ الّذِينَ أُوتُوا الكِتابَ لَيُبَيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ » ليتكلمن بالحق وليصدقنه بالعمل .

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعضهم : { لَتُبَيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ } بالتاء ، وهي قراءة عُظْم قراء أهل المدينة والكوفة على وجه المخاطب ، بمعنى : قال لهم : لتبيننه للناس ولا تكتمونه وقرأ ذلك آخرون : «لَيُبَيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ » بالياء جميعا على وجه الخبر عن الغائب ، لأنهم في قوت إخبار الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك عنهم كانوا غير موجودين ، فصار الخبر عنهم كالخبر عن الغائب . والقول في ذلك عندنا : أنهما قراءتان صحيحة وجوههما ، مستفيضتان في قراءة الإسلام ، غير مختلفتي المعاني ، فبأيتهما قرأ القارىء فقد أصاب الحق والصواب في ذلك . غير أن الأمر في ذلك وإن كان كذلك ، فإن أحب القراءتين إليّ أن أقرأ بها : «لَيُبَيّنُنّهُ للنّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ » بالياء جميعا استدلالاً بقوله : { فَنَبَذُوهُ } أنه إذا كان قد خرج مخرج الخبر عن الغائب على سبيل قوله : { فَنَبَذُوهُ } حتى يكون متسقا كله على معنى واحد ومثال واحد ، ولو كان الأول بمعنى الخطاب لكان أن يقال : فنبذتموه وراء ظهوركم ، أولى من أن يقال : فنبذوه وراء ظهورهم .

وأما قوله : { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } فإنه مثل لتضييعهم القيام بالميثاق ، وتركهم العمل به .

وقد بينا المعنى الذي من أجله قبل ذلك كذلك فيما مضى من كتابنا هذا ، فكرهنا إعادته .

وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا يحيى بن أيوب البجلي ، عن الشعبي في قوله : { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } قال : إنهم قد كانوا يقرءونه إنما نبذوا العمل به .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } قال : نبذوا الميثاق .

حدثني محمد بن سنان ، قال : حدثنا عثمان بن عمر ، قال : حدثنا مالك بن مغول ، قال : نبئت عن الشعبي في هذه الاَية : { فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ } قال : قذفوه بين أيديهم ، وتركوا العمل به .

وأما قوله : { وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنا قَلِيلاً } فإن معناه ما قلنا من أخذهم ما أخذوا على كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب . كما :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنا قَلِيلاً } أخذوا طمعا ، وكتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله : { فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ } يقول : فبئس الشراء يشترون في تضييعهم الميثاق وتبديلهم الكتاب . كما :

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ } قال : تبديل اليهود التوراة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ} (187)

معطوف على قوله : { ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } [ آل عمران : 186 ] فإنّ تكذيب الرسول من أكبر الأذى للمسلمين وإنّ الطعن في كلامه وأحكام شريعته من ذلك كقولهم : { إن الله فقير ونحن أغنياء } [ آل عمران : 181 ] . والقولُ في معنى أخذ الله تقدّم في قوله : { وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } [ البقرة : 34 ] ونحوه .

و { الذين أوتوا الكتاب } هم اليهود ، وهذا الميثاق أخذ على سلفهم من عهد رسولهم وأنبياِئهم ، وكان فيه ما يدلّ على عمومه لعلماء أمّتهم في سائر أجيالهم إلى أن يجيء رسول .

وجملة { لتبيننه للناس } بيان للميثاق ، فهي حكاية اليمين حين اقترحت عليهم ، ولذلك جاءت بصيغة خطابهم بالمحلوف عليه كما قرأ بذلك الجمهور ، وقرأه ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم : ليُبيّننّه بياء الغيبة على طريقة الحكاية بالمعنى ، حيث كان المأخوذ عليهم هذا العهد غائبين في وقت الإخبار عنهم . وللعرب في مثل هذه الحكايات وجوه : باعتبار كلام الحاكي ، وكلام المحكي عنه ، فقد يكون فيه وجهان كالمحكي بالقول في نحو : أقسَم زيد لا يفعلُ كذا ، وأقسم لا أفعل كذا ، وقد يكون فيه ثلاثة أوجه : كما في قوله تعالى : { قالوا تقاسموا باللَّه لنبيتنه وأهله } [ النمل : 49 ] قرىء بالنون والتاء الفوقية والياء التحتية لنبيّتنّه لتبيّتنّه ليبيّتنّه ، إذا جعل تقاسموا فعلاً ماضياً فإذا جعل أمراً جاز وجهان : في لنبيّتنّه النون والتاء الفوقية . والقول في تصريف وإعراب { لتبيّننّه } كالقول في { لتبلونّ } المتقدّم قريباً .

وقد أخذ عليهم الميثاق بأمرين : هما بيان الكتاب أي عدم إجمال معانيه أو تحريف تأويله ، وعدمُ كتمانه إي إخفاء شيء منه . فقوله : { ولا تكتمونه } عطف على لتبيننه للناس ولم يقرن بنون التوكيد لأنّها لا تقارن الفعل المنفي لتنافي مقتضاهما .

وقوله : { فنبذوه } عُطف بالفاء الدالّة على التعقيب للإشارة إلى مسارعتهم إلى ذلك ، والذين نبذوه هم علماء اليهود في عصورهم الأخيرة القريبة من عهد الرسالة المحمّدية ، فالتعقيب الذي بين أخذ الميثاق عليهم وبين نبذهم إيّاه منظور فيه إلى مبادرتهم بالنبذ عقب الوقت الذي تحقّق فيه أثر أخذِ الميثاق ، وهو وقت تأهّل كلّ واحد من علمائهم لتبيين الكتاب وإعلانه فهو إذا أنس من نفسه المقدرة على فهم الكتاب والتصرّف في معانيه بادر باتّخاذ تلك المقدرة وسيلة لسوء التأويل والتحريف والكتمان . ويجوز أن تكون الفاء مستعملة في لازم التعقيب ، وهو شدّة المسارعة لذلك عند اقتضاء الحال إيّاه والاهتمام به وصرف الفكرة فيه . ويجوز أن يكون التعقيب بحسب الحوادث التي أساؤوا فيها التأويل واشتروا بها الثمن القليل ، لأنّ الميثاق لمّا كان عامّاً كانت كلّ جزئية مأخوذاً عليها الميثاق ، فالجزئية التي لم يعملوا فيها بالميثاق يكون فيها تعقيب ميثاقها بالنبذ والاشتراء .

والنبذ : الطرح والإلقاء ، وهو هنا مستعار لعدم العمل بالعهد تشبيهاً للعهد بالشيء المنبوذ في عدم الانتفاع به .

ووراء الظُّهور هنا تمثيل للإضاعة والإهمال ، لأنّ شأن الشيء المهتمّ به المتنافس فيه أن يجعل نصب العين ويحرس ويشاهد . قال تعالى : { فإنك بأعيننا } [ الطور : 48 ] . وشأن الشيء المرغوب عنه أن يستدبر ولا يلتفت إليه ، وفي هذا التمثيل ترشيح لاستعارة النبذ لإخلاف العهد .

والضميران : المنصوب والمجرور ، يجوز عودهما إلى الميثاق أي استخفّوا بعهد الله وعوّضوه بثمن قليل ، وذلك يتضمّن أنّهم أهملوا ما واثقوا عليه من تبيين الكتاب وعدم كتمانه ، ويجوز عودهما إلى الكتاب أي أهملوا الكتاب ولم يعتنوا به ، والمراد إهمال أحكامه وتعويض إقامتها بنفع قليل ، وذلك يدلّ على نوعي الإهمال ، وهما إهمال آياته وإهمال معانيه .

والاشتراء هنا مجاز في المبادلة والثمن القليل ، وهو ما يأخذونه من الرُّشَى والجوائز من أهل الأهواء والظلم من الرؤساء والعامّة على تأييد المظالم والمفاسد بالتأويلات الباطلة ، وتأويل كلّ حكم فيه ضرب على أيْدي الجبابرة والظلمة بما يُطلق أيديهم في ظلم الرعيّة من ضروب التأويلات الباطلة ، وتحذيرات الذين يصدعون بتغيير المنكر . وهذه الآية وإن كانت في أهل الكتاب إلاّ أنّ حكمها يشمل من يرتكب مثل صنيعهم من المسلمين لاتّحَاد جنس الحكم والعلّة فيه .