وقوله : خاشِعَةً أبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلّةٌ يقول : تغشاهم ذلة من عذاب الله وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ يقول : وقد كانوا في الدينا يدعونهم إلى السجود له ، وهم سالمون ، لا يمنعهم من ذلك مانع ، ولا يحول بينه وبينهم حائل . وقد قيل : السجود في هذا الموضع : الصلاة المكتوبة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم التيميّ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ قال : إلى الصلاة المكتوبة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن سعيد بن جبير وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ قال : يَسْمَعُ المناديَ إلى الصلاة المكتوبة فلا يجيبه .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن إبراهيم التيميّ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ قال : الصلاة المكتوبة .
وبنحو الذي قلنا في قوله وَيُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ . . . الاَية ، قال أهل التأويل ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُمْ سالِمُون قال : هم الكفار كانوا يدعون في الدنيا وهم آمنون ، فاليوم يدعوهم وهم خائفون ، ثم أخبر الله سبحانه أنه حال بين أهل الشرك وبين طاعته في الدنيا والاَخرة ، فأما في الدنيا فإنه قال ما كانُوا يسْتَطيعُون السّمْعَ ومَا كانُوا يُبْصِرُونَ وأما في الاَخرة فإنه قال : فَلا يَسْتَطِيعُونَ خاشِعَة أبْصَارُهُمْ .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَيُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ذلكم والله يوم القيامة . ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «يُؤْذَنُ للْمُؤْمِنينَ يَوْمَ القِيامَةِ في السّجُودِ ، فَيَسْجُدُ المُؤْمِنُونَ ، وَبَينَ كُلّ مُؤْمِنَيْنِ مُنافقٌ ، فَيَقْسُو ظَهْرُ المُنافِقِ عَنْ السّجُودِ ، ويَجْعَلُ اللّهُ سُجُودَ المُؤْمِنينَ عَلَيْهِمْ تَوْبِيخا وَذُلاّ وَصَغارا ، وَنَدَامَةً وَحَسْرَةً » .
وقوله : وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ أي في الدنيا وَهُمْ سالِمُونَ : أي في الدنيا .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني أنه يُؤْذَن للمؤمنين يوم القيامة في السجود بين كل مؤمنين منافق ، يسجد المؤمنون ، ولا يستطيع المنافق أن يسجد وأحسبه قال : تقسو ظهورهم ، ويكون سجود المؤمنين توبيخا عليهم ، قال : وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إلى السّجُودِ وَهُم سالِمُونَ .
و : { خاشعة } نصب على الحال وجوارحهم كلها خاشعة ، أي ذليلة ولكنه خص الأبصار بالذكر لأن الخشوع فيها أبين منه في كل جارحة . وقوله تعالى : { ترهقهم ذلة } أي تزعج نفوسهم وتظهر عليهم ظهوراً يخزيهم ، وقوله تعالى : { وقد كانوا يدعون إلى السجود } يريد في دار الدنيا وهم سالمون مما نال عظام ظهورهم من الاتصال والعتو ، وقال بعض المتأولين : { السجود } هنا عبارة عن جميع الطاعات ، وخص { السجود } بالذكر من حيث هو عظم الطاعات ، ومن حيث به وقع امتحانهم في الآخرة ، وقال إبراهيم التيمي{[11264]} والشعبي : أراد ب { السجود } الصلوات المكتوبة ، وقال ابن جبير : المعنى كانوا يسمعون النداء للصلاة : وحي على الفلاح فلا يجيبون ، وفلج الربيع بن خيثم{[11265]} : فكان يهادي بين رجلين إلى المسجد ، فقيل له : إنك لمعذور ، فقال : من سمع حي على الفلاح ، فليجب ولو حبواً ، وقيل لابن المسيب : إن طارقاً يريد قتلك فاجلس في بيتك ، فقال : أسمع حي على الفلاح فلا أجيب ؟ والله لا فعلت . وهذا كله قريب بعضه من بعض .
وخشوع الأبصار : هيئة النظر بالعين بذلة وخَوف ، استعير له وصف { خاشعة } لأن الخاشع يكون مطأطئا مختفياً .
و { ترهقهم } : تحل بهم وتقترب منهم بحرص على التمكن منهم ، رَهِقَ من باب فَرِح قال تعالى : { تَرْهَقُها قَتَرة } [ عبس : 41 ] .
وجملة { ترهقهم ذلة } حال ثانية من ضمير { يستطيعون .
وجملة وقد كانوا يُدْعَوْن إلى السجود وهم سالمون } معترضة بين ما قبلها وما تفرع عنها ، أي كانوا في الدّنيا يُدعون إلى السجود لله وحده وهم سالمون من مثل الحالة التي هم عليها في يوم الحشر . والواو للحال وللاعتراض .
وجملة { وهم سالمون } حال من ضمير { يُدعون } أي وهم قادرون لا علة تعوقهم عنه في أجسادهم . والسلامة : انتفاء العلل والأمراض بخلاف حالهم يوم القيامة فإنهم مُلْجَأُون لعدم السجود .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.