القول في تأويل قوله تعالى ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون .
يقول تعالى ذكره ولا سبيل أيضا على النفر الذين إذا ما جاءوك لتحملهم يسألونك الحُمْلان ليبلغوا إلى مغزاهم لجهاد أعداء الله معك يا محمد ، قلت لهم : لا أجد حمولة أحملكم عليها تَوَلّوْا يقول : أدبروا عنك ، وأعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَنا وهم يبكون من حزن على أنهم لا يجدون ما ينفقون ويتحملون به للجهاد في سبيل الله .
وذكر بعضهم أن هذه الآية نزلت في نفر من مُزينة . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أجدُ ما أحْمِلكُمْ عَلَيْهِ قال : هم من مُزَينة .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قال : هم بنو مقرّن من مزينة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن ابن جريج ، قراءة عن مجاهد في قوله : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ . . . إلى قوله : حزَنَا أن لا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ قال : هم بنو مقرن من مزينة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قال : هم بنو مُقَرّن من مزينة .
قال : حدثنا أبي ، عن أبي جعفر ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، عن عروة ، عن ابن مغفل المزني ، وكان أحد النفر الذين أنزلت فيهم : وَلا على الّذِينَ إذَا أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ . . . الآية .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن ابن جريج عن مجاهد ، في قوله : تَوَلّوْا وأعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَنا قال : منهم ابن مُقَرّن . وقال سفيان : قال الناس : منهم عِرْباض بن سارية .
وقال آخرون : بل نزلت في عِرْباض بن سارية . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن ثور بن يزيد ، عن خالد بن مَعْدان ، عن عبد الرحمن بن عمرو والسّلَمِي ، وحُجْر بن حُجْر الكَلاعي ، قالا : دخلنا على عِرْباض بن سارية ، وهو الذي أنزل فيه : وَلا على الّذِينَ إذَا أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ . . . الآية .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا الوليد ، قال : حدثنا ثور ، عن خالد ، عن عبد الرحمن بن عمرو ، وحجر بن حجر بنحوه .
وقال آخرون : بل نزلت في نفر سبعة من قبائل شتى . ذكر من قال ذلك :
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب وغيره ، قال جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه ، فقال : «لا أجِدُ ما أحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ » فأنزل الله : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ . . . الآية ، قال : هم سبعة نفر من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير ، ومن بنى واقف : حِرْميّ بن عمرو ، ومن بني مازن بن النجار : عبد الرحمن بن كعب ، يكنى أبا ليلى ، ومن بني المُعلّى : سَلْمان بن صخر ، ومن بني حارثة : عبد الرحمن بن يزيد أبو عبلة ، وهو الذي تصدّق بعرضه فقبله الله منه ، ومن بني سَلِمة : عمرو بن غنمة ، وعبد الله بن عمرو المزني .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قوله : وَلا على الّذِينَ إذَا ما أتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ إلى قوله : حَزَنا وهم البكاءون كانوا سبعة ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { ولا على الذين إذا ما أتوك } الآية ، اختلف فيمن نزلت هذه الآية فقيل نزلت في عرباض بن سارية ، وقيل نزلت في عبد الله بن مغفل ، وقيل في عائذ بن عمرو ، وقيل في أبي موسى الأشعري ورهطه ، وقيل في بني مقرن ، وعلى هذا جمهور المفسرين ، وقيل نزلت في سبعة نفر من بطون شتى ، فهم البكاؤون وهم سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف ، وحرمي بن عمرو من بني واقف ، وأبو ليلى عبد الرحمن من بني مازن بن النجار ، وسليمان بن صخر من بني المعلى ، وأبو ُرَعْيلة عبد الرحمن بن زيد من بني حارثة وهو الذي تصدق بعرضه فقبل الله منه ، وعمرو بن غنمة من بني سلمة ، وعائد بن عمرو المزني ، وقيل عبد الله بن عمرو المزني قال هذا كله محمد بن كعب القرظي ، وقال مجاهد : البكاؤون هم بنو مكدر من مزينة .
ومعنى قوله : { لتحملهم } أي على ظهر يركب ويحمل عليه الأثاث ، وقال بعض الناس : إنما استحملوه النعال ، ذكره النقاش عن الحسن بن صالح ، وهذا بعيد شاذ ، والعامل في { إذا } يحتمل أن يكون { قلت } ، ويكون قوله { تولوا } مقطوعاً .
ويحتمل أن يكون العامل { تولوا } ويكون تقدير الكلام فقلت ، أو يكون قوله { قلت لا أجد ما أحملكم عليه } بمنزلة وجدوك في هذه المحال .
وفي الكلام اختصار وإيجاز ولا يدل ظاهر الكلام على ما اختصر منه ، وقال الجرجاني في النظم له إن قوله { قلت } في حكم المعطوف تقديره وقلت ، و { حزناً } نصب على المصدر ، وقرأ معقل بن هارون «لنحملهم » بنون الجماعة .
عطف على { الضعفاء والمرضى } [ التوبة : 91 ] وإعادة حرف النفي بعد العاطف للنكتة المتقدّمة هنالك .
والحَمل يطلق على إعطاء ما يُحمل عليه ، أي إذا أتوك لتعطيهم الحُمولة ، أي ما يركبونه ويحملون عليه سلاحهم ومُؤَنهم من الإبل .
وجملة : { فلت لا أجد } إلخ إمّا حال من ضمير المخاطب في { أتوك } وإمّا بدل اشتمال من فعل { أتوك } لأن إتيانهم لأجل الحمل يشتمل على إجابة ، وعلى منع .
وجملة { تولوا } جواب { إذا } والمجموع صلة الذين .
والتولّي الرجوع . وقد تقدّم عند قوله تعالى : { ما ولاهم عن قبلتهم } [ البقرة : 142 ] وقوله : { وإذا تولى سعى في الأرض } في سورة البقرة ( 205 ) .
والفيض والفيضان : خروج الماء ونحوه من قراره ووعائه ، ويسند إلى المائع حقيقة . وكثيراً ما يسند إلى وعاء المائع ، فيقال : فاض الوادي ، وفاض الإناء . ومنه فاضت العين دمعاً وهو أبلغ من فاض دمعها ، لأنّ العين جعلت كأنّها كلّها دمع فائض ، فقوله : تفيض من الدمع } جرى على هذا الأسلوب .
و { من } لبيان ما منه الفيض . والمجرور بها في معنى التمييز . وقد تقدّم في قوله تعالى : { ترى أعينهم تفيض من الدمع } في سورة المائدة ( 83 ) .
و{ حَزَناً } نصب على المفعول لأجله ، و { أن لا يجدوا ما يُنفقون } مجرور بلام جرّ محذوف أي حزنوا لأنهم لا يجدون ما ينفقون .
والآية نزلت في نفر من الأنصار سبعة وقيل : فيهم من غير الأنصار واختلف أيضاً في أسمائهم بما لا حاجة إلى ذكره ولُقّبوا بالبكّائين لأنّهم بكَوا لمّا لم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الحُملان حزناً على حرمانهم من الجهاد . وقيل : نزلت في أبي موسى الأشعري ورهط من الأشعريين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك يستحملونه فلم يجد لهم حمولة وصادفوا ساعة غضب من النبي صلى الله عليه وسلم فحلف أن لا يحملهم ثم جاءه نهب إبل فدعاهم وحملهم وقالوا : استغفلْنا رسولَ الله يمينَه لا نفلح أبداً ، فرجعوا وأخبروه فقال : « ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم وإنّي والله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلاّ كفَّرت عن يميني وفعلتُ الذي هو خير » والظاهر أنّ هؤلاء غير المعنيين في هذه الآية لأنّ الأشعريين قد حملهم النبي عليه الصلاة والسلام وعن مجاهد أنّهم بنو مقرّن من مزينة ، وهم الذين قيل : إنّه نزل فيهم قوله تعالى : { ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر } [ التوبة : 99 ] الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.