جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ أَيُّ ٱلۡحِزۡبَيۡنِ أَحۡصَىٰ لِمَا لَبِثُوٓاْ أَمَدٗا} (12)

وقوله : ثُمّ بَعَثْناهُمْ لنَعْلَمَ أيّ الحِزْبَيْنِ أحْصَى يقول : ثم بعثنا هؤلاء الفتية الذين أوَوْا إلى الكهف بعد ما ضربنا على آذانهم فيه سنين عددا من رقدتهم ، لينظر عبادي فيعلموا بالبحث ، أيّ الطائفتين اللتين اختلفتا في قدر مبلغ مُكْث الفتية في كهفهم رقودا أحْصَى لِمَا لَبِثُوا أمَدا يقول : أصوب لقدر لبثهم فيه أمدا ويعني بالأمد : الغاية ، كما قال النابغة :

إلاّ لمِثْلِكَ أوْ مَنْ أنْتَ سابِقُهُ *** سَبْقَ الجَوَادِ إذا اسْتَوْلَى على الأمَدِ

وذُكر أن الذين اختلفوا في ذلك من أمورهم ، قوم من قوم الفتية ، فقال بعضهم : كان الحزبان جميعا كافرين . وقال بعضهم : بل كان أحدهما مسلما ، والاَخر كافرا . ذكر من قال : كان الحزبان من قوم الفتية :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أيّ الحِزْبينِ من قوم الفتية .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .

حدثني القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ثُمّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أيّ الحِزْبَيْنِ أحْصَى لِما لَبِثُوا أمَدا يقول : ما كان لواحد من الفريقين علم ، لا لكفارهم ولا لمؤمنيهم .

وأما قوله : أمَدا فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : معناه : بعيدا . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله لِمَا لَبِثُوا أمَدا يقول : بعيدا .

وقال آخرون : معناه : عددا . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد أمَدا قال : عددا .

حدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

وفي نصب قوله أمَدا وجهان : أحدهما أن يكون منصوبا على التفسير من قوله أحْصَى كأنه قيل : أيّ الحزبين أصوب عددا لقدر لبثهم .

وهذا هو أولى الوجهين في ذلك بالصواب ، لأن تفسير أهل التفسير بذلك جاء .

والاَخر : أن يكون منصوبا بوقوع قوله لَبِثُوا عليه ، كأنه قال : أيّ الحزبين أحصى للبثهم غاية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ثُمَّ بَعَثۡنَٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ أَيُّ ٱلۡحِزۡبَيۡنِ أَحۡصَىٰ لِمَا لَبِثُوٓاْ أَمَدٗا} (12)

و «البعث » التحريك بعد سكون ، وهذا مطرد مع لفظة البعث حيث وقعت ، وقد يكون السكون في الشخص أو عن الأمر المبعوث فيه وإن كان الشخص متحركاً ، وقوله { لنعلم } عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود ، وهذا على نحو كلام العرب أي لنعلم ذلك موجوداً ، وإلا فقد كان الله تعالى علم { أي الحزبين } أحصى الأمد وقرأ الزهري «ليعلم » بالياء ، و «الحزبان » الفريقان ، والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفتية ، إذ ظنوا لبثهم قليلاً ، والحزب الثاني هم أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم حين كان عندهم التاريخ بأمر الفتية ، وهذا قول الجمهور من المفسرين ، وقالت فرقة : هما حزبان من الكافرين اختلفا في مدة أصحاب الكهف ، وقالت فرقة : هما حزبان من المؤمنين ، وهذا لا يرتبط من ألفاظ الآية ، وأما قوله { أحصى } فالظاهر الجيد فيه أنه فعل ماض ، و { أمداً } منصوب به على المفعول ، و «الأمد » الغاية ، وتأتي عبارة عن المدة من حيث للمدة غاية هي أمدها على الحقيقة ، وقال الزجاج : { أحصى } هو أفعل ، و { أمداً } على هذا نصب على التفسير ، ويلحق هذا القول من الاختلال أن أفعل لا يكون من فعل رباعي إلا في الشاذ ، و { أحصى } فعل رباعي ، ويحتج لقول أبي إسحاق بأن أفعل من الرباعي قد كثر ، كقولك ما أعطاه للمال ، وآتاه للخير ، وقال النبي عليه السلام في صفه جهنم :

«هي أسود من القار »{[7755]} وقال في صفة حوضه عليه السلام «ماؤه أبيض من اللبن »{[7756]} وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «فهو لما سواها أضيع » وهذه كلها أفعل من الرباعي{[7757]} ، وقال مجاهد : { أمداً } معناه عدداً ، وهذا تفسير بالمعنى على جهة التقريب ، وقال الطبري : نصب { أمداً } ب { لبثوا } ، وهذا غير متجه .


[7755]:أخرجه مالك في الموطأ، (جهنم) – (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي).
[7756]:أخرجه البخاري في الرقاق، والترمذي في التفسير، وابن ماجه في الزهد. ولفظه كما رواه البخاري، عن عبد الله بن عمرو، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبدا).
[7757]:من المعروف أن (أبيض وأسود) ليسا مبنيين من الرباعي، وقد وضح أبو حيان آراء بعض العلماء في بناء أفعل للتعجب والتفضيل، وطبقها على [أحصى] في هذه الآية، ويمكن الرجوع إلى ذلك في (البحر المحيط 6- 104).