جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (286)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ لاَ يُكَلّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }

يعني بذلك جلّ ثناؤه : { لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ وُسْعَها } فيتعبدها إلا بما يسعها ، فلا يضيق عليها ، ولا يجهدها . وقد بينا فيما مضى قبل أن الوسع اسم من قول القائل : وسعني هذا الأمر مثل الجُهْد والوُجْد من جهدني هذا الأمر ووجدت منه . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس قوله : { لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ وُسْعَها } قال : هم المؤمنون ، وسع الله عليهم أمر دينهم ، فقال الله جل ثناؤه : { وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ } وقال : { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ } وَقالَ : { اتّقُوا اللّهَ ما اسْتَطَعْتُمْ } .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن الزهري ، عن عبد الله بن عباس ، قال : لما نزلت ضجّ المؤمنون منها ضجة وقالوا : يا رسول الله هذا ، نتوب من عمل اليد والرجل واللسان ، كيف نتوب من الوسوسة ، كيف نمتنع منها ؟ فجاء جبريل صلى الله عليه وسلم بهذه الآية : { لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ وُسْعَها } إنكم لا تستطيعون أن تمتنعوا من الوسوسة .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ وُسْعَها } وسعها : طاقتها ، وكان حديث النفس مما لا يطيقون .

القول في تأويل قوله تعالى : { لَهَا ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ } .

يعني بقوله جل ثناؤه لها : للنفس التي أخبر أنه لا يكلفها إلا وسعها ، يقول : لكل نفس ما اجترحت وعملت من خير¹ وعليها : يعني وعلى كل نفس ما اكتسبت : ما عملت من شرّ . كما :

حدثنا بشر بن يزيد ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : { لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ وُسْعَها لَهَا ما كَسَبَتْ } أي من خير { وَعَلَيْها ما اكْتَسْبَتْ } أي من شرّ ، أو قال : من سوء .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { لَهَا مَا كَسَبَتْ } يقول : ما عملت من خير ، { وَعَلَيْها ما اكْتَسَبَتْ } يقول : وعليها ما عملت من شرّ .

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن قتادة ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن الزهري ، عن عبد الله بن عباس : { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } عمل اليد والرجل واللسان .

فتأويل الآية إذا : لا يكلف الله نفسا إلا ما يسعها ، فلا يجهدها ، ولا يضيق عليها في أمر دينها ، فيؤاخذها بهمة إن همت ، ولا بوسوسة إن عرضت لها ، ولا بخطرة إن خطرت بقلبها .

القول في تأويل قوله تعالى : { رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطأْنا } .

( وهذا تعليم من الله عزّ وجلّ عباده المؤمنين دعاءه كيف يدعونه ، وما يقولون في دعائهم إياه . ومعناه : قولوا : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا شيئا فرضت علينا عمله فلم نعمله ، أو أخطأنا في فعل شيء نهيتنا عن فعله ففعلناه ، على غير قصد منا إلى معصيتك ، ولكن على جهالة منا به وخطأ . ) كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } إن نسينا شيئا مما افترضته علينا ، أو أخطأنا شيئا مما حرّمته علينا .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : { رَبّنا لا تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } قال : بلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ تَجَاوَزَ لِهَذِهِ الأُمّةِ عَنْ نِسْيانِها وَما حَدّثَتْ بِهِ أنْفُسَهَا » .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، قال : زعم السدي أن هذه الآية حين نزلت : { رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } قال له جبريل صلى الله عليه وسلم فقل ذلك يا محمد .

إن قال لنا قائل : وهل يجوز أن يؤاخذ الله عزّ وجلّ عباده بما نسوا أو أخطئوا فيسألوه أن لا يؤاخذهم بذلك ؟ قيل : إن النسيان على وجهين : أحدهما : على وجه التضييع من العبد والتفريط¹ والاَخر : على وجه عجز الناسي عن حفظ ما استحفظ ، ووكل به وضعف عقله عن احتماله ، فأما الذي يكون من العبد على وجه التضييع منه والتفريط ، فهو ترك منا لما أمر بفعله ، فذلك الذي يرغب العبد إلى الله عزّ وجلّ في تركه مؤاخذته به ، وهو النسيان الذي عاقب الله عزّ وجل به آدم صلوات الله عليه ، فأخرجه من الجنة ، فقال في ذلك : { وَلَقَدْ عَهِدْنا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما } وهو النسيان الذي قال جلّ ثناؤه : { فالْيَوْمُ نَنْسَاهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } فرغبة العبد إلى الله عزّ وجلّ بقوله : { رَبّنا لا تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } فيما كان من نسيان منه لما أمر بفعله على هذا الوجه الذي وصفنا ما لم يكن تركه ما ترك من ذلك تفريطا منه فيه وتضييعا ، كفرا بالله عزّ وجلّ ، فإن ذلك إذا كان كفرا بالله فإن الرغبة إلى الله في تركه المؤاخذة به غير جائزة ، لأن الله عزّ وجلّ قد أخبر عباده أنه لا يغفر لهم الشرك به ، فمسألته فعل ما قد أعلمهم أنه لا يفعله خطأ ، وإنما يكون مسألته المغفرة فيما كان من مثل نسيانه القرآن بعد حفظه بتشاغله عنه ، وعن قراءته ، ومثل نسيانه صلاة أو صياما ، باشتغاله عنهما بغيرهما حتى ضيعهما . وأما الذي العبد به غير مؤاخذ لعجز بنيته عن حفظه ، وقلة احتمال عقله ما وكل بمراعاته ، فإن ذلك من العبد غير معصية ، وهو به غير آثم ، فذلك الذي لا وجه لمسألة العبد ربه أن يغفره له ، لأنه مسألة منه له أن يغفر له ما ليس له بذنب ، وذلك مثل الأمر يغلب عليه ، وهو حريص على تذكره وحفظه ، كالرجل يحرص على حفظ القرآن بجدّ منه ، فيقرؤه ، ثم ينساه بغير تشاغل منه بغيره عنه ، ولكن بعجز بنيته عن حفظه وقلة احتمال عقله ، ذكر ما أودع قلبه منه ، وما أشبه ذلك من النسيان ، فإن ذلك مما لا يجوز مسألة الربّ مغفرته ، لأنه لا ذنب للعبد فيه ، فيغفر له باكتسابه . وكذلك للخطأ وجهان : أحدهما : من وجه ما نهي عنه العبد فيأتيه بقصد منه وإرادة ، فذلك خطأ منه ، وهو به مأخوذ ، يقال منه : خَطىء فلان وأخطأ فيما أتى من الفعل ، وأثم إذا أتى ما يتأثم فيه وركبه ، ومنه قول الشاعر :

النّاس يَلْحَوْنَ الأميرَ إذَا هُمُ *** خَطِئُوا الصّوَابَ وَلا يُلامُ المُرْشَدُ

يعني : أخطأوا الصواب . وهذا الوجه الذي يرغب العبد إلى ربه في صفح ما كان منه من إثم عنه ، إلا ما كان من ذلك كفرا . والاَخر منهما : ما كان عنه على وجه الجهل به والظنّ منه ، بأن له فعله ، كالذي يأكل في شهر رمضان ليلاً ، وهو يحسب أن الفجر لم يطلع ، أو يؤخر صلاة في يوم غيم وهو ينتظر بتأخيره إياها دخول وقتها فيخرج وقتها وهو يرى أن وقتها لم يدخل ، فإن ذلك من الخطأ الموضوع عن العبد الذي وضع الله عزّ وجلّ عن عباده الإثم فيه ، فلا وجه لمسألة العبد ربه أن يؤاخذه به ، وقد زعم قوم أن مسألة العبد ربه أن لا يؤاخذه بما نسي أو أخطأ ، إنما هو فعل منه لما أمره به ربه تبارك وتعالى ، أو لما ندبه إليه من التذلل له والخضوع بالمسألة ، فأما على وجه مسألته الصفح ، فما لا وجه له عندهم وللبيان عن هؤلاء كتاب سنأتي فيه إن شاء الله على ما فيه الكفاية لمن وفق لفهمه .

القول في تأويل قوله تعالى : { رَبّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : قولوا : ربنا لا تحمل علينا إصرا : يعني بالإصر : العهد ، كما قال جل ثناؤه : { قال أأقْرَرْتُمْ وأخَذْتُمْ عَلى ذَلِكُمْ إصْرِي } . وإنما عنى بقوله : { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا } : ولا تحمل علينا عهدا ، فنعجز عن القيام به ولا نستطيعه ، { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا } يعني على اليهود والنصارى الذين كلفوا أعمالاً وأخذت عهودهم ومواثيقهم على القيام بها ، فلم يقوموا بها ، فعوجلوا بالعقوبة . فعلم الله عزّ وجلّ أمة محمد صلى الله عليه وسلم الرغبة إليه بمسألته أن لا يحملهم من عهوده ومواثيقه على أعمال إن ضيعوها أو أخطأوا فيها أو نسوها مثل الذي حمل من قبلهم ، فيحلّ بهم بخطئهم فيه وتضييعهم إياه مثل الذي أحلّ بمن قبلهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : { لاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا } قال : لا تحمل عليها عهدا وميثاقا ، { كَمَا حَمَلْتَهُ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } يقول : كما غلظ على من قبلنا .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن موسى بن قيس الحضرمي ، عن مجاهد في قوله : { وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا } قال : عهدا .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { إصْرا } قال : عهدا .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس في قوله : { إصْرا } يقول : عهدا .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { رَبّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ عَلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا } والإصر : العهد الذي كان على من قبلنا من اليهود .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قوله : { وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا } قال : عهدا لا نطيقه ، ولا نستطيع القيام به ، { كَمَا حَمَلْتَهُ عَلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } اليهود والنصارى ، فلم يقوموا به فأهلكتهم .

حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك : { إصْرا } قال : المواثيق .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : الإصر : العهد¹ { وأخَذْتُمْ عَلى ذَلِكُمْ إصْرِي } قال : عهدي .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَأخَذْتُمْ عَلى ذَلِكُمْ إصْرِي } قال : عهدي .

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تحمل علينا ذنوبا وإثما كما حملت ذلك على من قبلنا من الأمم ، فتمسخنا قردة وخنازير كما مسختهم . ذكر من قال ذلك :

حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، قال : حدثنا بقية بن الوليد ، عن عليّ بن هارون ، عن ابن جريج ، عن عطاء بن أبي رباح في قوله : { وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا } قال : لا تمسخنا قردة وخنازير .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { رَبّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا } لا تحمل علينا ذنبا ليس فيه توبة ولا كفارة .

وقال آخرون : معنى الإصر بكسر الألف : الثقل . ذكر من قال ذلك :

حدثت عن عمار ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : { رَبّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا كَمَا حَمَلْتَهُ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا } يقول : التشديد الذي شددته على من قبلنا من أهل الكتاب .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سألته ، يعني مالكا ، عن قوله : { وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا } قال : الإصر : الأمر الغليظ .

فأما الأصر بفتح الألف : فهو ما عطف الرجل على غيره من رحم أو قرابة ، يقال : أصرتني رحم بيني وبين فلان عليه ، بمعنى : عطفتني عليه ، وما يأصرني عليه : أي ما يعطفني عليه ، وبيني وبينه أصر رحم يأصرني عليه أصرا : يعني به : عاطفة رحم تعطفني عليه .

( القول في تأويل قوله تعالى : { رَبّنَا وَلاَ تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ } .

يعني بذلك جل ثناؤه : وقولوا أيضا : ربنا لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القيام به لثقل حمله علينا . وكذلك كانت جماعة أهل التأويل يتأوّلونه . ) ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { رَبّنا ولا تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ } تشديد يشدّد به كما شدّد على من كان قبلكم .

حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك قوله : { وَلا تُحَمّلْنَا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ } قال : لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { رَبّنَا وَلا تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بهِ } لا تفترض علينا من الدين ما لا طاقة لنا به ، فنعجز عنه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { وَلا تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لنا بِهِ } مسخ القردة والخنازير .

حدثني سلام بن سالم الخزاعي ، قال : حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد التنوخي ، قال : حدثنا محمد بن شعيب بن سابور ، عن سالم بن شابور في قوله : { رَبّنا وَلا تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ } قال : الغلمة .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { رَبّنا وَلا تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ } من التغليظ والأغلال التي كانت عليهم من التحريم .

وإنما قلنا : إن تأويل ذلك : ولا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القيام به على نحو الذي قلنا في ذلك ، لأنه عقيب مسألة المؤمنين ربهم أن لا يؤاخذهم إن نسوا أو أخْطَأُوا ، وأن لا يحمل عليهم إصرا كما حمله على الذين من قبلهم ، فكان إلحاق ذلك بمعنى ما قبله من مسألتهم في الدين أولى مما خالف ذلك المعنى .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا } .

وفي هذا أيضا من قول الله عزّ وجلّ خبرا عن المؤمنين من مسألتهم إياه ذلك الدلالة الواضحة أنهم سألوه تيسير فرائضه عليهم بقوله : { وَلا تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ } لأنهم عقبوا ذلك بقولهم : { وَاعْفُ عَنّا } مسألة منهم ربهم أن يعفو لهم عن تقصير إن كان منهم في بعض ما أمرهم به من فرائضه ، فيصفح لهم عنه ، ولا يعاقبهم عليه ، وإن خفّ ما كلفهم من فرائضه على أبدانهم .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَاعْفُ عَنّا } قال : اعف عنا إن قصرنا عن شيء من أمرك مما أمرتنا به . وكذلك قوله : { وَاغْفِرْ لَنا } يعني : واستر علينا زلة إن أتيناها فيما بيننا وبينك ، فلا تكشفها ولا تفضحنا بإظهارها . وقد دللنا على معنى المغفرة فيما مضى قبل .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد { وَاغْفِرْ لَنا } إن انتهكنا شيئا مما نهيتنا عنه .

القول في تأويل قوله تعالى : { وَارْحَمْنَا } .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : تغمدنا منك برحمة تنجينا بها من عقابك ، فإنه ليس بناج من عقابك أحد إلا برحمتك إياه دون عمله ، وليست أعمالنا منجيتنا إن أنت لم ترحمنا ، فوفقنا لما يرضيك عنا . ) كما :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَارْحَمْنَا } قال : يقول : لا ننال العمل بما أمرتنا به ، ولا نترك ما نهيتنا عنه إلا برحمتك ، قال : ولم ينج أحد إلا برحمتك .

القول في تأويل قوله تعالى : { أنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا على القَوْمِ الكافِرِينَ } .

يعني بقوله جل ثناؤه : { أنْتَ مَوْلاَنَا } أنت ولينا بنصرك دون من عاداك وكفر بك ، لأنا مؤمنون بك ومطيعوك فيما أمرتنا ونهيتنا ، فأنت وليّ من أطاعك ، وعدوّ من كفر بك فعصاك ، فانصرنا لأنا حزبك ، على القوم الكافرين الذي جحدوا وحدانيتك ، وعبدوا الاَلهة والأنداد دونك ، وأطاعوا في معصيتك الشيطان . والمولى في هذا الموضع المفعل من وَلَى فلان أمر فلان فهو يليه ولاية ، وهو وليه ومولاه ، وإنما صارت الياء من ولى ألفا لانفتاح اللام قبلها التي هي عين الاسم .

وقد ذكر أن الله عزّ وجلّ لما أنزل هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، استجاب الله له في ذلك كله . ذكر الأخبار التي جاءت بذلك :

حدثني المثنى بن إبراهيم ومحمد بن خلف قالا : حدثنا آدم ، قال : حدثنا ورقاء ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : قال لما نزلت هذه الآية : { آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبّهِ } قال : قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما انتهى إلى قوله : { غُفْرَانَكَ رَبّنَا } قال الله عز وجل : «قد غفرت لكم » ، فلما قرأ : { رَبّنا لاَ تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } قال الله عز وجل : «لا أحملكم » فلما قرأ : { وَاغْفِرْ لَنا } قال الله تبارك وتعالى : «قد غفرت لكم » ، فلما قرأ : { وَارْحَمْنا } قال الله عز وجل : «قد رحمتكم » ، فلما قرأ : { وَانْصُرْنا على القَوْمِ الكافِرِينَ } قال الله عز وجل : «قد نصرتكم عليهم » .

حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، قال : أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا محمد قل : { رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أوْ أخْطَأْنا } فقالها ، فقال جبريل : قد فعل ، وقال له جبريل : قل { رَبّنَا لاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ عَلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا } فقالها ، فقال جبريل : قد فعل ، فقال : قل { رَبّنَا وَلا تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ } ، فقالها : فقال جبريل صلى الله عليه وسلم : قد فعل ، فقال : قل { وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ } . فقالها ، فقال جبريل : قد فعل .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، قال : زعم السدي أن هذه الآية حين نزلت : { رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطأْنا } فقال له جبريل : فعل ذلك يا محمد ، { رَبّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ عَلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبّنَا وَلا تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا على القَوْمِ الكافِرِينَ } فقال له جبريل في كل ذلك : فعل ذلك يا محمد .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا سفيان ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن آدم بن سليمان مولى خالد ، قال : سمعت سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : أنزل الله عز وجل : { آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبّهِ } إلى قوله : { رَبّنَا لا تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } ، فقرأ : { رَبّنا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } قال : فقال : قد فعلت ، { رَبّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } فقال : قد فعلت ، { رَبّنا وَلاَ تُحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ } قال : قد فعلت ، { وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا على القَوْمِ الكافِرِينَ } قال : قد فعلت .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن مصعب بن ثابت ، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : أنزل الله عز وجل : { رَبّنا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } قال أبي : قال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ نَعَمْ » .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو حميد ، عن سفيان ، عن آدم بن سليمان ، عن سعيد بن جبير : { لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ وُسْعَها لَهَا ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } قال : ويقول قد فعلت ، { رَبّنا وَلا تَحْمِل عَلَيْنا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا } قال : ويقول قد فعلت . فأعطيت هذه الأمة خواتيم سورة البقرة ، ولم تعطها الأمم قبلها .

حدثنا علي بن حرب الموصلي ، قال : حدثنا ابن فضيل ، قال : حدثنا عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل { آمَنَ الرّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبّهِ } إلى قوله : { غُفْرَانَكَ رَبنا } قال : قد غفرت لكم ، { لا يُكَلّفُ اللّهُ نَفْسا إلاّ وُسْعَها } إلى قوله : { لا تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } قال : لا أؤاخذكم ، { رَبّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ على الّذِينَ مِنْ قَبْلَنا } قال : لا أحمل عليكم ، إلى قوله : { وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا } إلى آخر السورة ، قال : قد عفوت عنكم ، وغفرت لكم ، ورحمتكم ، ونصرتكم على القوم الكافرين .

وروي عن الضحاك بن مزاحم أن إجابة الله للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { رَبّنا لا تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا } كان جبريل عليه السلام يقول له سلها ، فسألها نبيّ الله ربه جل ثناءه ، فأعطاه إياها ، فكانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة .

حدثني المثنى بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق : أن معاذا كان إذا فرغ من هذه السورة : { وَانْصُرْنا على القَوْمِ الكافِرِينَ } قال : آمين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (286)

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ( 286 )

قوله تعالى : { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } خبر جزم نص على أنه لا يكلف العباد من وقت نزوله الآية عبادة من أعمال القلوب والجوارح إلا وهي في وسع المكلف ، وفي مقتضى إدراكه وبنيته ، وبهذا انكشفت الكربة عن المسلمين في تأولهم أمر الخواطر ، وتأول من ينكر جواز تكليف ما لا يطاق هذه الآية بمعنى أنه لا يكلف ولا كلف وليس ذلك بنص في الآية ولا أيضاً يدفعه اللفظ ، ولذلك ساغ الخلاف( {[2869]} ) .

وهذا المعنى الذي ذكرناه في هذه الآية يجري مع معنى قوله تعالى { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [ البقرة : 185 ] وقوله تعالى : { ما جعل عليكم في الدين من حرج } [ الحج : 78 ] وقوله : { فاتقوا الله ما استطعتم }( {[2870]} ) [ التغابن : 16 ] .

واختلف الناس في جواز تكليف ما لا يطاق في الأحكام التي هي في الدنيا بعد اتفاقهم . على أنه ليس واقعاً الآن في الشرع ، وأن هذه الآية آذنت بعدمه ، فقال أبو الحسن الأشعري وجماعة من المتكلمين تكليف ما لا يطاق جائز عقلاً ولا يحرم ذلك شيئاً من عقائد الشرع ، ويكون ذلك أمارة على تعذيب المكلف وقطعاً به( {[2871]} ) .

قال القاضي أبو محمد : وينظر إلى هذا تكليف المصور أن يعقد شعيرة حسب الحديث( {[2872]} ) .

واختلف القائلون بجوازه( {[2873]} ) هل وقع في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ فقالت فرقة وقع في نازلة أبي لهب( {[2874]} ) لأنه حكم عليه بتب اليدين وصلي النار ، وذلك مؤذن بأنه لا يؤمن ، وتكليف الشرع له الإيمان راتب( {[2875]} ) ، فكأنه كلف أن يؤمن وأن يكون في إيمانه أنه لا يؤمن لأنه إذا آمن فلا محالة أنه يؤمن بسورة { تبت يدا أبي لهب }( {[2876]} ) [ المسد : 1 ] ، وقالت فرقة لم يقع قط ، وقوله تعالى : { سيصلى ناراً }( {[2877]} ) [ المسد : 3 ] إنما معناه إن وافى على كفره .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وما لا يطاق ينقسم أقساماً : فمنه المحال عقلاً كالجمع بين الضدين ، ومنه المحال عادة ، كرفع الإنسان جبلاً ، ومنه ما لا يطاق من حيث هو مهلك كالاحتراق بالنار ونحوه ، ومنه ما لا يطاق للاشتغال بغيره ، وهذا إنما يقال فيه ما لا يطاق على تجوز كثير( {[2878]} ) ، و { يكلف } يتعدى إلى مفعولين أحدهما محذوف تقديره «عبادة » أو شيئاً( {[2879]} ) ، وقرأ ابن أبي عبلة «إلا وَسِعها » بفتح الواو وكسر السين ، وهذا فيه تجوز لأنه مقلوب ، وكان وجه اللفظ إلا وسعته ، كما قال { وسع كرسيه السموات والأرض }( {[2880]} ) [ البقرة : 255 ] وكما قال { وسع كل شيء علماً }( {[2881]} ) [ طه : 98 ] ولكن يجيء هذا من باب أدخلت القلنسوة في رأسي ، وفمي في الحجر .

وقوله تعالى : { لها ما كسبت } يريد من الحسنات ، { وعليها ما اكتسبت } يريد من السيئات ، قاله السدي وجماعة من المفسرين ، لا خلاف في ذلك ، والخواطر ونحوها ليس من كسب الإنسان .

وجاءت العبارة في الحسنات ب { لها } من حيث هي مما يفرح الإنسان بكسبه ويسر بها فتضاف إلى ملكه ، وجاءت في السيئات ب { عليها } ، من حيث هي أوزار وأثقال ومتحملات صعبة ، وهذا كما تقول لي مال وعلي دين ، وكما قال المتصدق باللقطة : اللهم عن فلان فإن أبى فلي وعليَّ ، وكرر فعل الكسب فخالف بين التصريف حسناً لنمط الكلام . كما قال { فمهل الكافرين أمهلهم رويداً } [ الطلاق : 17 ] هذا وجه ، والذي يظهر لي في هذا أن الحسنات هي مما يكسب دون تكلف ، إذ كاسبها على جادة أمر الله ورسم شرعه ، والسيئات تكتسب ببناء المبالغة إذ كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهي الله تعالى ويتخطاه إليها ، فيحسن في الآية مجيء التصريفين إحرازاً لهذا المعنى ، وقال المهدوي وغيره : وقيل معنى الآية لا يؤاخذ أحد بذنب أحد .

قال القاضي أبو محمد : وهذا صحيح في نفسه ، لكن من غير هذه الآية .

وقوله تعالى : { ربنا لا تؤاخذنا } معناه قولوا في دعائكم .

واختلف الناس في معنى قوله { نسينا أو أخطأنا } فذهب الطبري وغيره إلى أنه النسيان بمعنى الترك ، أي إن تركنا شيئاً من طاعتك وأنه الخطأ المقصود . قالوا وأما النسيان الذي يغلب المرء والخطأ الذي هو عن اجتهاد فهو موضع عن المرء ، فليس بمأمور في الدعاء بأن لا يؤاخذ به ، وذهب كثير من العلماء إلى أن الدعاء في هذه الآية إنما هو في النسيان الغالب والخطأ غير المقصود ، وهذا هو الصحيح عندي . قال قتادة في تفسير الآية بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الله تجاوز لأمتي عن نسيانها وخطأها . وقال السدي نزلت هذه الآية فقالوها ؛ قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم : قد فعل الله ذلك يا محمد .

قال القاضي أبو محمد : فظاهر قوليهما ما صححته ، وذلك أن المؤمنين لما كشف عنهم ما خافوه في قوله تعالى : { يحاسبكم به الله } [ البقرة : 284 ] أمروا بالدعاء في دفع ذلك النوع الذي ليس من طاقة الإنسان دفعه ، وذلك في النسيان والخطأ ، «والإصر » الثقل وما لا يطاق على أتم أنواعه ، وهذه الآية على هذا القول تقضي بجواز تكليف ما لا يطاق ، ولذلك أمر المؤمنون بالدعاء في أن لا يقع هذا الجائز الصعب . ومذهب الطبري والزجاج أن تكليف ما لا يطاق غير جائز( {[2882]} ) ، فالنسيان عندهم المتروك من الطاعات . والخطأ هو المقصود من العصيان ، والإصر هي العبادات الثقيلة كتكاليف بني إسرائيل من قتل أنفسهم وقرض أبدانهم ومعاقباتهم على معاصيهم في أبدانهم حسبما كان يكتب على أبوابهم وتحميلهم العهود الصعبة . وما لا طاقة للمرء به هو عندهم على تجوز ، كما تقول لا طاقة لي على خصومة فلان ، ولغير ذلك من الأمر تستصعبه وإن كنت في الحقيقة تطيقه أو يكون ذلك { ما لا طاقة لنا به } من حيث هو مهلك لنا كعذاب جهنم وغيره( {[2883]} ) .

وأما لفظة «أخطأ » فقد تجيء في القصد ومع الاجتهاد ، قال قتادة : الإصر العهد والميثاق الغليظ( {[2884]} ) . وقاله مجاهد وابن عباس والسدي وابن جريج والربيع وابن زيد وقال عطاء : الإصر المسخ قردة وخنازير . وقال ابن زيد أيضاً : الإصر الذنب لا كفارة فيه ولا توبة منه . وقال مالك رحمه الله : الإصر : الأمر الغليظ الصعب .

قال القاضي أبو محمد : والآصرة في اللغة : الأمر الرابط من ذمام أوقرابة أو عهد ونحوه ، فهذه العبارات كلها تنحو نحوه ، والإصار الحبل الذي تربط به الأحمال ونحوها ، والِقُّد يضم عضدي الرجل( {[2885]} ) يقال أصر يأصر والإصر بكسر الهمزة من ذلك ، وفي هذا نظر( {[2886]} ) . وروي عن عاصم أنه قرأ أُصراً بضم الهمزة ، ولا خلاف أن الذين من قبلنا يراد به اليهود . قال الضحاك : والنصارى ، وأما عبارات المفسرين في قوله : { ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به } فقال قتادة لا تشدد علينا كما شددت على من كان قبلنا . وقال الضحاك : لا تحملنا من الأعمال ما لا نطيق ، وقال نحوه ابن زيد ، وقال ابن جريج : لا تمسخنا قردة وخنازير( {[2887]} ) ، وقال سلام بن سابور : الذي لا طاقة لنا به الُغَلَمة( {[2888]} ) ، وحكاه النقاش عن مجاهد وعطاء وعن مكحول ، وروي أن أبا الدرداء كان يقول في دعائه : وأعوذ بك في غلمة ليس لها عدة ، وقال السدي : هو التغليظ والأغلال التي كانت على بني إسرائيل من التحريم ، ثم قال تعالى فيما أمر المؤمنين بقوله : { واعف عنا } أي فيما واقعناه وانكشف { واغفر لنا } أي استر علينا ما علمت منا { وارحمنا } أي تفضل مبتدئاً برحمة منك لنا .

قال القاضي أبو محمد : فهي مناح للدعاء متباينة وإن كان الغرض المراد بكل واحد منها واحداً وهو دخول الجنة و { أنت مولانا } مدح في ضمنه تقرب إليه وشكر على نعمه ، ومولى هو من ولي فهو مفعل أي موضع الولاية ، ثم ختمت الدعوة( {[2889]} ) بطلب النصر على الكافرين الذي هو ملاك قيام الشرع وعلو الكلمة ووجود السبيل إلى أنواع الطاعات .

وروي أن جبريل عليه السلام أتى محمداً صلى الله عليه وسلم فقال : { قل ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ، فقالها ، فقال جبريل قد فعل ، فقال : قل كذا وكذا فيقولها فيقول جبريل : قد فعل إلى آخر السورة ، وتظاهرت بهذا المعنى أحاديث ، وروي عن معاذ بن جبل أنه كان إذا فرغ من قراءة هذه السورة قال آمين( {[2890]} ) .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : هذا يظن به أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن كان ذلك فكمال ، وإن كان بقياس على سورة الحمد من حيث هناك دعاء وهنا دعاء فحسن ، وروى أبو مسعود عقبة بن عمرو( {[2891]} ) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه ، »( {[2892]} ) يعني من قيام الليل ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ما أظن أحداً عقل وأدرك الإسلام ينام حتى يقرأهما . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يؤتهن أحد قبلي »( {[2893]} ) .


[2869]:- في جواز تكليف ما لا يطاق وعدم جوازه، لأن الآية لا تنص على عدم الجواز ولا تدفعه.
[2870]:- الآيات بترتيبها – من الآية (185) من سورة البقرة، ومن الآية (78) من سورة الحج، ومن الآية (16) من سورة التغابن، وهذه الآيات كلها تدل على رفع الحرج والعسر عن هذه الأمة.
[2871]:- في "شرح المحلى على جمع الجوامع" أن فائدة التعليق بالمحال اختيار المكلفين، هل يأخذون في المقدمات والأسباب فيترتب عليها الثواب، أولا – فالعقاب، وناقشه الكمال ابن أبي شريف بأن ظهور الحكمة والمصلحة للعقل في أفعال الله تعالى غير لازم.
[2872]:- في حديث أبي هريرة الذي رواه الشيخان: (فلْيخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة). وهذا في تهديد المصورين. والذي في البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل). وفي رواية: (كلف أن يعقد شعيرة)، والحديث رواه البخاري، والإمام أحمد، والترمذي في كتاب "الرؤيا" وليس فيه تكليف مالا يطاق، لأن هذا يكون يوم القيامة، وتأمل فإن الكلام فيه تخليط، والله أعلم.
[2873]:- هذا يتعارض مع قوله سابقا: «بعد اتفاقهم على أنه ليس واقعا في الشرع»، تأمل، ولعل هناك فرقة حكت الإجماع على عدم الوقوع، وفرقة حكت الخلاف في الوقوع وعدمه، فأشار إلى فرقة الاتفاق بقوله: «بعد اتفاقهم على أنه ليس واقعا»، وأشار إلى فرقة الخلاف بقوله: «واختلف القائلون بالجواز»، الخ. والله أعلم.
[2874]:- يأتي قريبا إن شاء الله حكاية الإجماع على عدم وقوع الممتنع لتعلق علم الله بعدم وقوعه، كما يأتي أن ذلك من باب الممكن الذي عرض له ما يمنعه لا من باب المحال.
[2875]:- أي قائم وثابت.
[2876]:- في هذا التصديق تناقض حيث اشتمل على إثبات التصديق في شيء ونفيه في كل شيء فهو من الممتنع لذاته، وأُجيب بأن من أنزل الله فيه أنه لا يؤمن لم يقصد إبلاغه ذلك، أي أنه لا يؤمن حتى يكلف تصديق النبي صلى الله عليه وسلم فيه دفعاً للتناقض، وإنما قصد إبلاغ ذلك إلى غيره، وإعلام النبي صلى الله عليه وسلم به لليأس من إيمانه، وعليه فتكليفه الإيمان من التكليف بالممتنع لغيره لا لذاته، والله أعلم. فإن قيل: فهل يكون الفعل مقدوراً للعبد في حال عدم مشيئة الله له أن يفعله ؟ قيل: إن أُريد بكونه مقدورا سلامة آلة العبد التي يتمكن بها من الفعل، وصحة أعضائه، ووجود قواه، وتمكينه من أسباب الفعل، وتهيئة طريق فعله، وفتح الطريق له – فنعم. هو مقدور بهذا الاعتبار. وإن أريد بكونه مقدورا القدرة المقارنة للفعل، وهي الموجبة له، التي إذا وجدت لم يتخلف عنها الفعل فليس مقدورا بهذا الاعتبار، وترجمة هذا الكلام أن القدرة نوعان: قدرة مصححة وهي قدرة الأسباب والشروط، وسلامة الآلة، وهي مناط التكليف – وهذه متقدمة على الفعل غير موجبة له. وقدرة مقارنة للفعل، مستلزمة له، لا يتخلف الفعل عنها. وهذه ليست شرطا في التكليف، ولا يتوقف صحته عليها. فإيمان من لم يشأ الله إيمانه، وطاعة من لم يشأ الله طاعته مقدور بالاعتبار الأول، غير مقدور بالاعتبار الثاني، وبهذا البيان تزول الشبهة إن شاء الله في التكليف بما لا يطاق، والله سبحانه وتعالى أعلم.
[2877]:- من الآية (3) من سورة المسد.
[2878]:- ما لا يطاق على ضربين – أحدهما: مالا يطاق للعجز عنه، والآخر: لا يطاق للاشتغال عنه بغيره، كما يقال: لا يطيق التصرف لاشتغاله بالكتابة، وما أشبه ذلك، وهذا سبيل الكافر، فإنه لا يطيق الإيمان له لأنه عاجز عن الإيمان، بل لاشتغاله عنه بضده الذي هو الكفر، فهذا يجوز تكليفه ما لا يطاق، وأما العاجز فما ورد في الشريعة تكليفه، ولو ورد لكان صوابا لأن الله تعالى له أن يفعل في ملكه ما يريد، وقد أثنى سبحانه على من سأله ألا يكلفه مالا طاقة له به، ولعل ما أشار إليه المؤلف رحمه الله يرجع إلى هذين الضربين. وحاصل ما في هذا المقام أنه ثبت في الأصول أن شرط التكليف القدرة على المكلف به فما لا قدرة للمكلف عليه لا يصح التكليف به شرعا وإن جاز عقلا. والطاقة: هي القدرة، وما لا يطاق لا تتعلق به قدرة الإنسان المقارنة للفعل، والتكليف بما لا يطاق هو التكليف بالمحال، وهو ما يرجع المحال فيه إلى المأمور به، ثم إنه لا يلزم من نفي التكليف بما لا يطاق نفي التكليف بالمشاق، ولذلك ثبت في الشرائع السابقة التكليف بالمشاق، ولم يثبت فيها التكليف بما لا يطاق. والتكليف بالمحال، أو بما لا يطاق له مقامان – المقام الأول في حكمه، وقد أشار إلى ذلك صاحب "جمع الجوامع" بقوله: «مسألة: يجوز التكليف بالمحال مطلقا، ومنع أكثر المعتزلة، والشيخ أبو حامد الغزالي، وابن دقيق العيد ما ليس ممتنعا لتعلق العلم بعدم وقوعه». والمقام الثاني: في وقوعه، وقد أشار إليه بقوله: «والحق وقوع الممتنع بالغير لا بالذات». وحاصل هذا الكلام: أن التكليف بالمحال جائز عقلا، سواء كان محالا لذاته، أي ممتنعا عادة وعقلا، كالجمع بين الضدين لأدائه إلى اجتماع النقيضين، أو محالا لغيره، أي ممتنعا عادة لا عقلا كالطيران من الإنسان، أو عقلا لا عادة كإيمان من الله أنه لا يؤمن، ومنع ذلك أكثر المعتزلة وبعض أهل السنة في غير ما تعلق علم الله بعدم وقوعه، ومع آخرون كون المحال مطلوبا لا ورود صيغة افعل، نحو قوله تعالى: [كونوا قِردة خاسئين]، فليس معنى هذه الصيغة الطلب، وإنما معناها التذليل والامتهان، وأن الحق هو وقوع المحال لغيره دون المحال لذاته ومفهومه، وقد حكى أبو عبد الله المحلي في شرح "جمع الجوامع" الاتفاق على عدم وقوع الممتنع لتعلق علم الله بعدم وقوعه، كإيمان أبي لهب، والذي عليه المحققون كالغزالي أن إيمان من علم الله أنه لا يؤمن ليس محالا عقلا، بل هو ممكن مقطوع بعدم وقوعه، ولا يخرجه القطع بذلك عن كونه ممكنا بحسب ذاته. قال التفتزاني رحمه الله: «كل ممكن عادة ممكن عقلا، وليس كل ممكن عقلا ممكن عادة»، ولا شك أن إيمان أبي لهب ممكن عادة فهو ممكن عقلا. والله سبحانه وتعالى أعلم.
[2879]:- قال أبو (ح): «إن عني أن أصله كذا فهو صحيح، لأن قوله: [إلا وُسعها] استثناء مفرغ من المفعول الثاني، وإن عني أنه محذوف في الصناعة فليس كذلك، بل الثاني هو [وُسعها] نحو: ما أعطيت زيدا إلا درهما، لأنه في الصناعة هو المفعول وإن كان أصله: ما أعطيت زيدا شيئا إلا درهما.
[2880]:- من الآية (255) من سورة البقرة.
[2881]:- من الآية (98) من سورة طه.
[2882]:- حاصله أن الذين فسروا الإصر بما لا يطاق هم الذين جوَّزوا التكليف بما لا يطاق، وأما الذين لا يجوِّزون ذلك كالإمام الطبري، والزجاج، وغيرهما، فقد فسروا الإصر بالعبادات الثقيلة الشديدة، كالتكاليف التي كانت في بني إسرائيل: من قتل أنفسهم في التوبة، وقرض موضوع النجاسة من أبدانهم. وحملوا قوله تعالى: [ولا تحمّلنا مالا طاقة لنا به] على المجاز، أي ما هو صعب وشديد وإن كان يطاق، وقالوا: الخطأ يكون عن قصد وعن غير قصد، والله أعلم.
[2883]:- أي لا طاقة لنا به من حيث العقوبات لا من حيث الأعمال.
[2884]:- تفسير باللازم لأن الوفاء بالعهد شديد على النفس.
[2885]:- الإصر: هو الأمر الثقيل الغليظ، ويجمع على آصار، وقُرئ بذلك، والآصرة: ما عطفك على رجل من رحِم، أو قرابة، أو مصاهرة، ويجمع على أواصر، والإصار – ويقال بالسين - : ما تُعقد به الأشياء، والقِدُّ وهو بكسر القاف: السير يقدُّ من جلد، وجمع إصار: أُصر – مثل كِتاب وكتب.
[2886]:- قال في القاموس: الأصر بالفتح: الكسر والعطف والحبس، وفعل ذلك كضرب، والإصر بالكسر: العهد، والذنب، والثِّقَل، ويضم ويفتح في الكل اهـ . وتأمل.
[2887]:- قال شهاب الدين القرافي: إذا أُريد بقوله: [ربّنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به] أي من البلايا والرزايا والمكروهات جاز الدعاء بذلك، لأنه لم تدل النصوص على نفي ذلك، بخلاف التكاليف الشرعية فإنها مرفوعة بقوله تعالى: [لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها] فإن أطلق من غير تخصيص لا بالنية ولا بالعادة عصى لاشتمال العموم على ما لا يجوز فيكون ذلك حراما لأن فيه طلب تحصيل الحاصل. انتهى.
[2888]:- هيجان شهوة النكاح وازدياد حدتها.
[2889]:- في بعض النسخ: ثم ختمت السورة.
[2890]:- رواه ابن جرير الطبري، وابن أبي شيبة.
[2891]:- عقبة بن عمرو بن ثعلبة الأنصاري، أبو مسعود البدري، مشهور بكنيته – اختلف في شهوده بدرا، قيل: مات بالكوفة، وقيل: مات بالمدينة. الإصابة 2-484.
[2892]:- روى هذا الحديث البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وغيرهم، والآيتان من قوله تعالى: [آمن الرسول] إلى آخر السورة، وتنتهي الآية الأولى عند قوله: [وإليك المصير] وليست [ما اكتسبت] رأس آية باتفاق العادّين، وقوله: (كفتاه) أي عن قيام الليل، أو عن قراءة القرآن، أو كفتاه شر الشيطان فلا يكون عليه له سلطان، أو ما أهمه في الدنيا والآخرة، والأولى أن يراد كل ذلك، لأن حذف المتعلق يؤذن بالعموم والشمول.
[2893]:- رواه الإمام أحمد، والنسائي، وابن مردويه، بألفاظ متقاربة.