جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَتَرَى الْمَلاَئِكَةَ حَآفّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ } .

يقول تعالى ذكره : وترى يا محمد الملائكة محدقين من حول عرش الرحمن ، ويعني بالعرش : السرير . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَتَرَى المَلائِكَةَ حافّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ محدقين .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَتَرَى المَلائِكَةَ حافّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ قال : محدقين حول العرش ، قال : العرش : السرير .

واختلف أهل العربية في وجه دخول «مِنْ » في قوله : حافّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ والمعنى : حافّين حول العرش .

وفي قوله : وَلَقَدْ أُوحِيَ إلَيْكَ وَإلى الّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنّ عَمَلُكَ فقال بعض نحويي البصرة : أدخلت «مِنْ » في هذين الموضعين توكيدا ، والله أعلم ، كقولك : ما جاءني من أحد وقال غيره : قبل وحول وما أشبههما ظروف تدخل فيها «مِنْ » وتخرج ، نحو : أتيتك قبل زيد ، ومن قبل زيد ، وطفنا حولك ومن حولك ، وليس ذلك من نوع : ما جاءني من أحد ، لأن موضع «مِنْ » في قولهم : ما جاءني من أحد رفع ، وهو اسم .

والصواب من القول في ذلك عندي أن «مِنْ » في هذه الأماكن ، أعني في قوله مِنْ حَوْل العَرْشِ ومن قبلك ، وما أشبه ذلك ، وإن كانت دخلت على الظروف فإنها بمعنى التوكيد .

وقوله : يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ يقول : يصلون حول عرش الله شكرا له والعرب تدخل الباء أحيانا في التسبيح ، وتحذفها أحيانا ، فتقول : سبح بحمد الله ، وسبح حَمْدَ الله ، كما قال جلّ ثناؤه : سَبّحِ اسْمَ رَبّكَ الأعْلَى ، وقال في موضع آخر : فَسَبّحْ باسْم رَبّكَ العَظِيمِ .

وقوله : وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحَقّ يقول : وقضى الله بين النبيين الذين جيء بهم ، والشهداء وأممها بالعدل ، فأسكن أهل الإيمان بالله ، وبما جاءت به رسله الجنة . وأهل الكفر به ، ومما جاءت به رسله النار . وَقِيلَ الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العَالمِينَ يقول : وختمت خاتمة القضاء بينهم بالشكر للذي ابتدأ خلقهم الذي له الألوهية ، ومُلك جميع ما في السموات والأرض من الخلق من ملك وجنّ وإنس ، وغير ذلك من أصناف الخلق . وكان قتادة يقول في ذلك ما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَيُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ . . . الاَية ، كلها قال : فتح أوّل الخلق بالحمد لله ، فقال : الحمد لله الذي خلق السموات والأرض ، وختم بالحمد فقال : وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحَقّ وَقِيلَ الحَمْدُ لِلّهِ رَبّ العَالمِينَ .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

{ وترى الملائكة حافين } محدقين . { من حول العرش } أي حوله و { من } مزيدة أو لابتداء الحفوف . { يسبحون بحمد ربهم } ملتبسين بحمده . والجملة حال ثانية أو مقيدة للأولى ، والمعنى ذاكرين له بوصفي جلاله وإكرامه تلذذا به ، وفيه إشعار بأن منتهى درجات العليين وأعلى لذائذهم هو الاستغراق في صفات الحق . { وقضي بينهم بالحق } أي بين الخلق بإدخال بعضهم النار وبعضهم الجنة ، أو بين الملائكة بإقامتهم في منازلهم على حسب تفاضلهم . { وقيل الحمد لله رب العالمين } أي على ما قضي بيننا بالحق . والقائلون هم المؤمنون من المقضي بينهم أو الملائكة وطي ذكرهم لتعينهم وتعظيمهم .

ختام السورة:

عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة الزمر لم يقطع رجاءه يوم القيامة وأعطاه الله ثواب الخائفين " عن عائشة رضي الله عنها : " أنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ كل ليلة بني إسرائيل والزمر " والله أعلم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَتَرَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ ٱلۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِٱلۡحَقِّۚ وَقِيلَ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (75)

{ وَتَرَى الملائكة حَآفِّينَ مِنْ حَوْلِ العرش يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } .

عطف على ما قبله من ذكر أحوال يوم القيامة التي عطف بعضها على بعض ابتداء من قوله تعالى : { ونُفِخَ في الصُّورِ فَصَعق مَن في السموات ومَن في الأرض } [ الزمر : 68 ] إن من جملة تلك الأحوال حَفّ الملائكة حول العرش .

والخطاب للنبيء صلى الله عليه وسلم فيكون إيذاناً بأنها رؤية دنو من العرش وملائكته ، وذلك تكريم له بأن يكون قد حواه موكب الملائكة الذين حول العرش .

والحَفُّ : الإِحداق بالشيء والكون بجوانبه .

وجملة { يُسَبحون بحمد ربهم } حال ، أي يقولون أقوالاً تدل على تنزيه الله تعالى وتعظيمه مُلابِسَةً لحمدهم إياه . فالباء في { بحمد ربهم } للملابسة تتعلق ب { يسبحون } . وفي استحضار الله تعالى بوصف ربهم إيماء إلى أن قربهم من العرش ترفيع في مقام العبودية الملازمة للخلائق .

{ وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالحق } .

تأكيد لجملة { وقُضِي بينهم بالحقِّ وهُم لا يُظلمون } [ الزمر : 69 ] المتقدمةِ .

{ وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين } .

يجوز أن يكون توكيداً لجملة { وقالوا الحَمْدُ لله الَّذي صَدَقنا وَعْده } [ الزمر : 74 ] . ويجوز أن يكون حكاية قول آخر لقائلين من الملائكة والرسل وأهل الجنة ، فهو أعم من القول المتقدم الذي هو قول المسُوقين إلى الجنة من المتقين ، فهذا قولهم يحمدون الله على عدل قضائه وجميع صفات كماله .