جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِالنّفْسِ اللّوّامَةِ * أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلّن نّجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَىَ قَادِرِينَ عَلَىَ أَن نّسَوّيَ بَنَانَهُ } .

اختلفت القرّاء في قراءة قوله : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار : لاَ أُقْسِمُ ( لا ) مفصولة من أقسم ، سوى الحسن والأعرج ، فإنه ذكر عنهما أنهما كانا يقرآن ذلك : «لأُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ » بمعنى : أقسم بيوم القيامة ، ثم أدخلت عليها لام القسم .

والقراءة التي لا أستجيز غيرها في هذا الموضع «لا » مفصولة ، أقسم مبتدأه على ما عليه قرّاء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

وقد اختلف الذين قرأوا ذلك على الوجه الذي اخترنا قراءته في تأويله ، فقال بعضهم «لا » صلة ، وإنما معنى الكلام : أقسم بيوم القيامة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو هشام الرفاعي ، قال : حدثنا ابن يمان ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن الحسن بن مسلم بن يناق ، عن سعيد بن جُبير لا أُقْسِمُ بِيَوْم القَيامَةِ قال : أقسم بيوم القيامة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن الحسن بن مسلم ، عن سعيد بن جُبير لا أُقْسِمُ قال : أقسم .

وقال آخرون منهم : بل دخلت «لا » توكيدا للكلام . ذكر من قال ذلك :

سمعت أبا هشام الرفاعي يقول : سمعت أبا بكر بن عياش يقول : قوله : لا أُقْسِمُ توكيد للقسم كقوله : لا والله .

وقال بعض نحويي الكوفة ، لا ردّ لكلام قد مضى من كلام المشركين الذين كانوا ينكرون الجنة والنار ، ثم ابتدىء القسم ، فقيل : أقسم بيوم القيامة ، وكان يقول : كلّ يمين قبلها ردّ لكلام ، فلا بدّ من تقديم «لا » قبلها ، ليفرق بذلك بين اليمين التي تكون جحدا ، واليمين التي تستأنف ، ويقول : ألا ترى أنك تقول مبتدئا : والله إن الرسول لحقّ وإذا قلت : لا والله إن الرسول لحقّ فكأنك أكذبت قوما أنكروه .

واختلفوا أيضا في ذلك ، هل هو قسم أم لا ؟ فقال بعضهم : هو قسم أقسم ربنا بيوم القيامة ، وبالنفس اللوّامة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن أبي الخير بن تميم ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال لي ابن عباس : ممن أنت ؟ فقلت : من أهل العراق ، فقال : أيهم ؟ فقلت : من بني أسد ، فقال : من حريبهم ، أو ممن أنعم الله عليهم ؟ فقلت : لا بل ممن أنعم الله عليهم ، فقال لي : سل ، فقلت : لا أقسم بيوم القيامة ، فقال : يقسم ربك بما شاء من خلقه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : لا أقْسِمُ بِيَوْم القِيامَةِ وَلا أُقْسِمُ بالنّفْس اللّوَامَةِ قال : أقسم بهما جميعا .

وقال آخرون : بل أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس اللوّامة . وقال : معنى قوله : وَلا أُقْسِمُ بالنّفْسِ اللّوّامَةِ ولست أقسم بالنفس اللوّامة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن : أقسم بيوم القيامة ، ولم يقسم بالنفس اللوّامة .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : إن الله أقسم بيوم القيامة ، وبالنفس اللوّامة ، وجعل «لا » ردّا لكلام قد كان تقدّمه من قوم ، وجوابا لهم .

وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب ، لأن المعروف من كلام الناس في محاوراتهم إذا قال أحدهم : لا والله ، لا فعلت كذا ، أنه يقصد بلا ردّ الكلام ، وبقوله : والله ، ابتداء يمين ، وكذلك قولهم : لا أقسم بالله لا فعلت كذا فإذا كان المعروف من معنى ذلك ما وصفنا ، فالواجب أن يكون سائر ما جاء من نظائره جاريا مجراه ، ما لم يخرج شيء من ذلك عن المعروف بما يجب التسليم له . وبعد ، فإن الجميع من الحجة مجمعون على أن قوله : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ القِيامَةِ قسم فكذلك قوله : وَلا أُقْسِمُ بالنّفْس اللّوّامَةِ إلا أن تأتي حجة تدلّ على أن أحدهما قسم والاَخر خبر . وقد دللنا على أن قراءة من قرأ الحرف الأوّل لأقسم بوصل اللام بأقسم قراءة غير جائزة بخلافها ما عليه الحجة مجمعة ، فتأويل الكلام إذا : لا ما الأمر كما تقولون أيها الناس من أن الله لا يبعث عباده بعد مماتهم أحياء ، أقسم بيوم القيامة . وكانت جماعة تقول : قيامة كل نفس موتها . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ومسعر ، عن زياد بن علاقة ، عن المغيرة بن شعبة ، قال : يقولون : القيامة القيامة ، وإنما قيامة أحدهم : موته .

قال : ثنا وكيع ، عن مسعر وسفيان ، عن أبي قبيس ، قال : شهدت جنازة فيها علقمة ، فلما دفن قال : أما هذا فقد قامت قيامته .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (1)

مقدمة السورة:

سورة القيامة مكية وآيها أربعون آية .

بسم الله الرحمن الرحيم لا أقسم بيوم القيامة إدخال لا النافية على فعل القسم للتأكيد شائع في كلامهم قال امرؤ القيس لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر وقد مر الكلام فيه في قوله فلا أقسم بمواقع النجوم وقرأ قنبل لأقسم بغير ألف بعد اللام وكذا روي عن البزي .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم سورة القيامة . وهي مكية بإجماع من المفسرين وأهل التأويل وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : من سأل عن القيامة أو أراد أن يعرف حقيقة وقوعها فليقرأ هذه السورة . وقال المغيرة بن شعبة{[1]} يقول الناس : القيامة القيامة وإنما قيامة المرء موته وروي أيضا عن ابن جبير أنه حضر جنازة رجل فقال أما هذا فقد قامت قيامته . ويروى مثله عن علقمة وذكره الثعلبي قال القاضي أبو محمد وقيامة الرجل في خاصته ليست بالقيامة الجامعة لجميع الخلق بعد البعث لكن المغيرة رضي الله عنه كأنه قال هذا لمن يستبعد قيام الآخرة ويظن طول الأمد بينه وبينها فتوعده بقيام نفسه .

قوله عز وجل سورة القيامة 1 - 15

قرأ جمهور السبعة : «لا أقسم بيوم القيامة . ولا أقسم بالنفس اللوامة » وقرأ ابن كثير والحسن بخلاف عنه والأعرج «لأقسم بيوم القيامة ولأقسم بالنفس »{[11460]} ، فأما القراءة الأولى فاختلف في تأويلها فقال ابن جبير : «لا » استفتاح كلام بمنزلة ألا وأنشدوا على ذلك [ المتقارب ]

فلا وأبيك ابنة العامري*** لا يعلم القوم أني أفر{[11461]}

وقال أبو علي الفارسي : «لا » صلة زائدة كما زيدت في قوله { لئلا يعلم أهل الكتاب }{[11462]} [ الحديد : 29 ] ويعترض هذا بأن هذه في ابتداء كلام . ولا تزاد «لا » وما نحوها من الحروف إلا في تضاعيف كلام . فينفصل عن هذا بأن القرآن كله كالسورة الواحدة وهو في معنى الاتصال فجاز فيه هذا ، وقال الفراء : «لا » نفي لكلام الكفار وزجر لهم ورد عليهم ، ثم استأنف على هذه الأقوال الثلاثة قوله : { أقسم } ، ويوم القيامة أقسم الله به تنبيهاً منه لعظمه وهوله .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[11460]:قال الطبري في تفسيره: "والقراءة التي لا أستجيز غيرها في هذا الموضع "لا"مفصولة".
[11461]:هذا البيت لامرىء القيس قاله من قصيدة يصف فيها فرسه وخروجه إلى الصيد، وقد بدأها بقوله: أحاربن عمرو كأني خمر ويعدو على المرء ما يأتمر فلا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم أني أفر يخاطب الحارث بن عمرو بقوله: إني أحس بأني مريض أو أصبت بالسكر،والمرء يرجع إليه ما يريد هو أن يوقعه بغيره، ثم يخاطب ابنة العامري بأنه رجل شجاع، ولا يملك أحد أن يدعي عليه بأنه جبان يفر من المواجهة، وقد استدلوا بهذا البيت على أن "لا" أداة استفتاح بمنزلة "ألا".
[11462]:من الآية 29 من سورة الحديد.