جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} (78)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السّيّئَاتِ قَالَ يَقَوْمِ هََؤُلآءِ بَنَاتِي هُنّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رّشِيدٌ } .

يقول تعالى ذكره : وجاء لوطا قومه يستحثون إليه يَرْعَدون مع سرعة المشي مما بهم من طلب الفاحشة ، يقال : أُهْرِع الرجل من برد أو غضب أو حُمّى : إذا أُرعد ، وهو مُهْرِع إذا كان مُعْجَلاً حريصا ، كما قال الراجز :

*** بِمُعْجَلاتٍ نَحْوَهُ مَهارِعِ ***

ومنه قول مهلهل :

فجاءُوا يُهْرَعُونَ وَهُمْ أُسارَى *** نَقُودُهُمُ على رَغْمِ الأُنُوفِ

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قال : يُهَرْوِلون ، وهو الإسراع في المشي .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو خالد والمحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قال : يسعون إليه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : فأتوه يُهرعون إليه ، يقول : سراعا إليه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قال : يسرعون إليه .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ يقول : يسرعون المشي إليه .

حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا يحيى بن زكريا ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قال : يهرولون في المشي . قال سفيان : يُهْرَعُونَ إلَيْهِ يسرعون إليه .

حدثنا سوّار بن عبد الله ، قال : قال سفيان بن عيينة في قوله : يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قال : كأنهم يُدْفَعون .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، قال : حدثنا حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، قال : أقبلوا يُسْرعون مشيا بين الهَرْولة والجَمْز .

حدثني عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ يقول : مسرعين .

وقوله : وَمِنْ قبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ يقول : من قبل مجيئهم إلى لوط كانوا يأتون الرجال في أدبارهم . كما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ قال : يأتون الرجال .

وقوله : قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتي يقول تعالى ذكره : قال لوط لقومه لما جاءوا يراودونه عن ضيفه : هؤلاء يا قوم بناتي يعني نساء أمته فانكِحوهن ف هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ . كما :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : أمرهم لوط بتزويج النساء ، وقال : هن أطهر لكم .

حدثنا محمدقال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : وبلغني هذا أيضا عن مجاهد .

حدثنا ابن وكيع ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : لم يكن بناته ، ولكن كن من أمته ، وكلّ نبيّ أبو أمته .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : أمرهم أن يتزوّجوا النساء ، لم يعرض عليهم سفاحا .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا أبو بشر ، سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله : هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : ما عرض عليهم نكاحا ولا سفاحا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ قال : أمرهم أن يتزوّجوا النساء ، وأراد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن يقيَ أضيافه ببناته .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن سعد ، قال : أخبرنا أبو جعفر عن الربيع ، في قوله : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعني التزويج .

حدثني أبو جعفر ، عن الربيع ، في قوله : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعني التزويج .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان عارم ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، قال : حدثنا محمد بن شبيب الزهراني عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في قول لوط : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ يعني : نساؤهم هنّ بناته هو نبيهم . وقال في بعض القراءة : «النّبِيّ أوْلى بالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ وأزْوَاجُهُ أُمّهاتُهُمْ وهو أَبٌ لهم » .

حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ قالوا : أو لم ننهك أن تُضَيّف العالمين ، قال : هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ إن كنْتم فاعلين ألَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : لما جاءت الرسل لوطا أقبل قومه إليهم حين أخبروا بهم يهرعون إليه . فيزعمون والله أعلم أن امرأة لوط هي التي أخبرتهم بمكانهم ، وقالت : إن عند لوط لضيفانا ما رأيت أحسن ولا أجمل قَطّ منهم وكانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء ، فاحشة لم يسبقهم بها أحد من العالمين . فلما جاءوه قالوا : أوَ لمْ نَنْهَكَ عَنِ العالَمِينَ أي ألم نقل لك : لا يقربنك أحد ، فإنا لن نجد عندك أحدا إلا فعلنا به الفاحشة . قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ فأنا أَفدى ضيفي منكم بهنّ . ولم يدْعهم إلا إلى الحلال من النكاح .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : هَؤُلاءِ بَناتي قال : النساء .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ فقرأته عامة القرّاء برفع أطهر ، على أن جعلوا «هنّ » اسما ، و«أطهر » خبره ، كأنه قيل : بناتي أطهر لكم مما تريدون من الفاحشة من الرجال . وذُكر عن عيسى بن عمر البصْري أنه كان يقرأ ذلك : «هنّ أطْهَرَ » لكم بنصب «أطهر » . وكان بعض نحويي البصرة يقول : هذا لا يكون ، إنّما ينصب خبر الفعل الذي لا يستغني عن الخبر إذا كان بين الاسم والخبر هذه الأسماء المضمرة . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : من نصبه جعله نكرة خارجة من المعرفة ، ويكون قوله : «هنّ » عمادا للفعل فلا يعمله . وقال آخر منهم : مسموع من العرب : هذا زيد إياه بعينه ، قال : فقد جعله خبرا لهذا مثل قولك : كان عبد الله إياه بعينه . قال : وإنما لم يجز أن يقع الفعل ههنا لأن التقريب ردّ كلام فلم يجتمعا لأنه يتناقض ، لأن ذلك إخبار عن معهود ، وهذا إخبار عن ابتداء ما هو فيه : ها أنا ذا حاضر ، أو زيد هو العالم ، فتناقض أن يدخل المعهود على الحاضر ، فلذلك لم يجز .

والقراءة التي لا أستجيز خلافها في ذلك : الرفع هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه مع صحته في العربية ، وبعد النصب فيه من الصحة .

وقوله : فاتّقُوا اللّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي يقول : فاخشوا الله أيها الناس ، واحذروا عقابه في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها . وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي يقول : وَلا تُذِلّوني بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبوه منهم . والضيف في لفظ واحد في هذا الموضع بمعنى جمع ، والعرب تسمي الواحد والجمع ضيفا بلفظ واحد كما قالوا : رجل عدل ، وقوم عدل .

وقوله : ألَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يقول : أليس منكم رجل ذو رشد يَنْهَي من أراد ركوب الفاحشة من ضيفي ، فيحول بينهم وبين ذلك ؟ كما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : فاتّقُوا اللّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ألَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشيدٌ أي رجل يعرف الحق وينهي عن المنكر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} (78)

{ وجاءه قومه يهرعون إليه } يسرعون إليه كأنهم يدفعون دفعا لطلب الفاحشة من أضيافه . { ومن قبل } أي ومن قبل ذلك الوقت . { كانوا يعملون السيئات } الفواحش فتمرنوا بها ولم يستحيوا منها حتى جاؤوا يهرعون لها مجاهرين . { قال يا قوم هؤلاء بناتي } فدى بهن أضيافه كرما وحمية ، والمعنى هؤلاء بناتي فتزوجوهن ، وكانوا يطلبونهن قبل فلا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لحرمة المسلمات على الكفار فإنه شرع طارئ أو مبالغة في تناهي خبث ما يرومونه حتى إن ذلك أهون منه ، أو إظهاراً لشدة امتعاضه من ذلك كي يرقوا له . وقيل المراد بالبنات نساؤهم فإن كل نبي أبو أمته من حيث الشفقة والتربية وفي حرف ابن مسعود { وأزواجه أمهاتهم } وهو أب لهم { هن أطهر لكم } أنظف فعلا وأقل فحشا كقولك : الميتة أطيب من المغصوب وأحل منه . وقرئ { أطهر } بالنصب على الحال على أن هن خبر بناتي كقولك : هذا أخي هو الأفضل فإنه لا يقع بين الحال وصاحبها . { فاتقوا الله } بترك الفواحش أو بإيثارهن عليهم . { ولا تخزُونِ } ولا تفضحوني من الخزي ، أو ولا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء . { في ضيفي } في شأنهم فإن إخزاء ضيف الرجل إخزاؤه . { أليس منكم رجل رشيد } يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} (78)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وجاءه قومه يهرعون إليه}، يعني يسرعون إليه مشاة إلى لوط، {ومن قبل} أن نبعث لوطا، {كانوا يعملون السيئات} يعني نكاح الرجال، و {قال} لوط: {يا قوم هؤلاء بناتي}...فتزوجوهما {هن أطهر لكم} يعني أحل لكم من إتيان الرجال، {فاتقوا الله} في معصيته، {ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد} يقول: ما منكم رجل مرشد...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: وجاء لوطا قومه يستحثون إليه يَرْعَدون مع سرعة المشي مما بهم من طلب الفاحشة، يقال: أُهْرِع الرجل من برد أو غضب أو حُمّى: إذا أُرعد، وهو مُهْرِع إذا كان مُعْجَلاً حريصا... عن مجاهد، في قول الله:"يُهْرَعُونَ إلَيْهِ" قال: يُهَرْوِلون، وهو الإسراع في المشي...

عن الضحاك: "وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إلَيْهِ "قال: يسعون إليه...

عن قتادة، قال: فأتوه يُهرعون إليه، يقول: سراعا إليه...

وقوله: "وَمِنْ قبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السّيّئاتِ" يقول: من قبل مجيئهم إلى لوط كانوا يأتون الرجال في أدبارهم...

وقوله: "قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتي" يقول تعالى ذكره: قال لوط لقومه لما جاءوا يراودونه عن ضيفه: هؤلاء يا قوم بناتي يعني نساء أمته فانكِحوهن ف "هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ"... عن قتادة: "هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ" قال: أمرهم لوط بتزويج النساء، وقال: هن أطهر لكم...

عن مجاهد: "هَؤُلاءِ بَناتي هُنّ أطْهَرُ لَكُمْ" قال: لم يكن بناته، ولكن كن من أمته، وكلّ نبيّ أبو أمته... أمرهم أن يتزوّجوا النساء، لم يعرض عليهم سفاحا... عن قتادة...: أمرهم أن يتزوّجوا النساء، وأراد نبيّ الله صلى الله عليه وسلم أن يقيَ أضيافه ببناته...

وقوله: "فاتّقُوا اللّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي" يقول: فاخشوا الله أيها الناس، واحذروا عقابه في إتيانكم الفاحشة التي تأتونها وتطلبونها.

"وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي" يقول: وَلا تُذِلّوني بأن تركبوا مني في ضيفي ما يكرهون أن تركبوه منهم. والضيف في لفظ واحد في هذا الموضع بمعنى جمع، والعرب تسمي الواحد والجمع ضيفا بلفظ واحد كما قالوا: رجل عدل، وقوم عدل.

وقوله: "ألَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ" يقول: أليس منكم رجل ذو رشد يَنْهَي من أراد ركوب الفاحشة من ضيفي، فيحول بينهم وبين ذلك؟...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

" أليس منكم رجل رشيد "خرج مخرج الإنكار عليهم وإن كان لفظه لفظ الاستفهام. والرشيد هو الذي يعمل بما يقتضيه عقله، لأنه يدعو إلى الحق، ومنه الإرشاد في الطرق، فقال: أما منكم من يدعو إلى الحق ويعمل به. ونقيض الرشد الغي...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

" أليس منكم رجل رشيد "يرتدي جلبابَ الحشمة، ويؤثِر حقَّ الله على ما هو مقتضى البشرية، ويرعى حق الضيافة، ويترك معصية الله؟...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{يُهْرَعُونَ} يسرعون كأنما يدفعون دفعاً. {وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات} ومن قبل ذلك الوقت كانوا يعملون الفواحش ويكثرونها، فضروا بها ومرنوا عليها وقل عندهم استقباحها، فلذلك جاءوا يهرعون مجاهرين لا يكفهم حياء... {فاتقوا الله} بإيثارهن عليهم {وَلاَ تخزوني} ولا تهينوني ولا تفضحوني، من الخزي، أو ولا تخجلوني، من الخزاية وهي الحياء {فِي ضَيْفِي} في حق ضيوفي فإنه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزي الرجل، وذلك من عراقة الكرم وأصالة المروءة {أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ} رجل واحد يهتدي إلى سبيل الحق وفعل الجميل، والكف عن السوء...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... {هؤلاء بناتي} فقالت فرقة أشار إلى بنات نفسه وندبهم في هذه المقالة إلى النكاح، وذلك على أن كانت سنتهم جواز نكاح الكافر المؤمنة، أو على أن في ضمن كلامه أن يؤمنوا. وقالت فرقة: إنما كان الكلام مدافعة لم يرد إمضاءه، روي هذا القول عن أبي عبيدة، وهو ضعيف، وهذا كما يقال لمن ينهى عن مال الغير: الخنزير أحل لك من هذا وهذا التنطع ليس من كلام الأنبياء صلى الله عليهم وسلم، وقالت فرقة: أشار بقوله: {بناتي} إلى النساء جملة إذ نبي القوم أب لهم، ويقوي هذا أن في قراءة ابن مسعود {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} "وهو أب لهم "وأشار أيضاً لوط -في هذا التأويل- إلى النكاح...

تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :

{قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} يرشدهم إلى نسائهم، فإن النبي للأمة بمنزلة الوالد [للرجال والنساء]، فأرشدهم إلى ما هو أنفع لهم في الدنيا والآخرة، كما قال لهم في الآية الأخرى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء: 165، 166]، وقوله في الآية الأخرى: {قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الحجر: 70] أي: ألم ننهك عن ضيافة الرجال {قَالَ هَؤُلاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 71، 72]...

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

{وجاءه قومه يهرعون إليه} أي جاءوه يهرولون متهيجة أعصابهم كأن سائقا يسوقهم، قال في المصباح المنير: هرع وأهرع بالبناء فيهما للمفعول إذا أعجل على الإسراع، أي حمل على العجل به اه. وقال الكسائي والفراء وغيرهما: لا يكون الإهراع إلا إسراعا مع رعدة من برد أو غضب أو حمى اه. وينبغي أن يزاد عليه أو شهوة شديدة، وقال مجاهد: هو مشي بين الهرولة والعدو. {ومن قبل كانوا يعملون السيئات} ومن قبل هذا المجيء كانوا يعملون السيئات الكثيرة وشرها أفظع الفاحشة وأنكر في الفطرة البشرية والشرائع الإلهية والوضعية، وهي إتيان الرجال شهوة من دون النساء، ومجاهرتهم بها في أنديتهم كأنها من الفضائل، يتسابقون إليها ويتبارون فيها، كما حكى الله عنه من قوله بعد رميهم بالفاحشة {أإنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر} [العنكبوت: 29] فماذا فعل لوط، وبم واجههم وعارضهم؟

{قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} فتزوجوهن، قيل أراد بناته من صلبه، وأنه سمح بتزويجهم بهن بعد امتناع لصرفهم عن أضيافه، وقيل أراد بنات قومه في جملتهن، لأن النبي في قومه كالولد في عشيرته، قاله ابن عباس {رضي الله عنه] ومجاهد وسعيد بن جبير، ويدخل فيه نساؤهم المدخول بهن وغيرهن من المعدات للزواج، يعني أن الاستمتاع بهن بالزواج أطهر من التلوث برجس اللواط، فإنه يكبح جماح الشهوة مع الأمن من الفساد، وصيغة التفضيل هنا للمبالغة في الطهر فلا مفهوم لها، وهذا كثير في اللغة ويقول النحويون فيه: إن أفعل التفضيل على غير بابه، والظاهر أنه يأمرهم في هذه الحال الذي هاجت فيه شهوتهم واشتد سبقهم، أن يأتوا نساءهم كما ورد في الإرشاد النبوي لمن رأى امرأة أعجبته أن يأتي امرأته في تلك الحالة التي هاجته فيها رؤيتها.

وزعم بعض المفسرين أنه عليه السلام عرض على هؤلاء الفساق المجرمين بناته أن يستمتعوا بهن كما يشاءون، ومثل هذا في سفر التكوين [19: 8] وفيه أنهما اثنتان، ولا يعقل أن يقع هذا الأمر من أي رجل صالح فضلا عن نبي مرسل، ولا يصح في مثله أن يعبر عنه بأنه أطهر لهم، فغسل الدم بالبول ليس من الطهارة في شيء، وإن كان يعتقد أنهم لا يجيبونه إلى هذا الفعل، بل الذنب في هذه الحال أكبر، لأنه أمر بالمنكر، وخروج عن الحكم الشرعي، إيثارا للتجمل الشخصي، وهو لا يتعارض مع قوله لهم بعده {فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي} فإن الزنا ليس من التقوى بل هو هدم لها، وإنما معنى هذا الأمر والنهي: فاجمعوا بما أمرتكم به بين تقوى الله باجتناب الفاحشة، وبين حفظ كرامتي وعدم إذلالي وامتهاني بفضيحتي في ضيفي فإن فضيحة الضيف فضيحة للمضيف وإهانة له، ولفظ الضيف يطلق على الواحد والمثنى والجمع.

{أليس منكم رجل رشيد} ذو رشد يعقل هذا فيرشدكم إليه؟

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(وجاءه قومه يهرعون إليه). أي يسرعون في حالة تشبه الحمى. (ومن قبل كانوا يعملون السيئات).. وكان هذا ما ساء الرجل بضيوفه، وما ضيق بهم ذرعه، وما دعاه إلى توقع يوم عصيب! ورأى لوط ما يشبه الحمى في أجساد قومه المندفعين إلى داره، يهددونه في ضيفه وكرامته. فحاول أن يوقظ فيهم الفطرة السليمة، ويوجههم إلى الجنس الآخر الذي خلقه الله للرجال، وعنده منه في داره بناته، فهن حاضرات، حاضرات اللحظة إذا شاء الرجال المحمومون تم الزواج على الفور، وسكنت الفورة المحمومة والشهوة المجنونة! (قال: يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم. فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي. أليس منكم رجل رشيد؟). (هؤلاء بناتي هن أطهر لكم).. أطهر بكل معاني الطهر. النفسي والحسي. فهن يلبين الفطرة النظيفة، ويثرن مشاعر كذلك نظيفة. نظافة فطرية ونظافة أخلاقية ودينية. ثم هن أطهر حسيا. حيث أعدت القدرة الخالقة للحياة الناشئة مكمنا كذلك طاهرا نظيفا. (فاتقوا الله).. قالها يلمس نفوسهم من هذا الجانب بعد أن لمسها من ناحية الفطرة. (ولا تخزون في ضيفي).. قالها كذلك يلمس نخوتهم وتقاليد البدو في إكرام الضيف إطلاقا. (أليس منكم رجل رشيد؟).. فالقضية قضية رشد وسفه إلى جوار أنها قضية فطرة ودين ومروءة.. ولكن هذا كله لم يلمس الفطرة المنحرفة المريضة، ولا القلوب الميتة الآسنة، ولا العقول المريضة المأفونة. وظلت الفورة المريضة الشاذة في اندفاعها المحموم...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

أي: يسرعون إليه في تدافق، والإنسان إذا لم يكن قد مرن على الشر وله به دربة، يكون مترددا خائفا، أما من له دربة فهو يقبل على الشر بجرأة ونشاط...

وقوله تعالى: {يهرعون إليه}: يبين أنهم أقبلوا باندفاع، كأنهم يعشقون ما يذهبون إليه؛ لأن كلا منهم له دربة على ذلك الفعل المشين، أو أن كلا منهم ذاهب إلى ما يحب دون تهيب، باندفاع من نفسه ودفع من غيره... وقوم لوط كانوا على دربة بتلك الفاحشة. يقول الحق سبحانه عنهم: {ومن قبل كانوا يعملون السيئات}: أي: أن هذه المسألة عندهم كانت محبوبة، ولهم دربة عليها وخفيفة على قلوبهم، ولا حياء يمنعهم عنها. فالحياء يعني أن بعض الناس يعمل السيئة ويخشى الآخرون أن يفعلوها، لكن إذا ما كانوا كلهم يحبون تلك السيئة، فلن يخجل أحد من الآخر. وماذا يكون موقف لوط- عليه السلام- في هذا اليوم العصيب؟ لقد أقبلوا عليه بسرعة، وفي كوكبة واندفاع، وهو يعلم نياتهم ويعلم سوابقهم، وفكر لوط- عليه السلام- في أن يصرفهم انصرافا من جنس اندفاعهم...

أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري 1439 هـ :

من الهداية: -فضيلة إكرام الضيف وحمايته من كل ما يسوءه.- فظاعة العادات السيئة وما تحدثه من تغير في الإِنسان. -بذل ما يمكن لدفع الشر لوقاية لوط ضيفه.- أسوأ الحياة أن لا يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.