{ يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }
يعني الله تعالى ذكره بقوله : يا أيّها الّذين آمَنُوا ، يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ، وصدّقوا بهما وأقرّوا . ويعني بقوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ فرض عليكم الصيام ، والصيام مصدر من قول القائل : صمت عن كذا وكذا ، يعني كففت عنه ، أصوم عنه صوما وصياما ، ومعنى الصيام : الكفّ عما أمر الله بالكف عنه ومن ذلك قيل : صامت الخيل إذا كفت عن السير ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :
خَيْلٌ صِيامٌ وخَيْلٌ غَيْرُ صَائمةٍ تَحْتَ العَجاجِ وأخْرَى تَعْلُكُ اللّجُما
ومنه قول الله تعالى ذكره إنّي نَذَرتُ للرّحمَنِ صَوْما يعني صمتا عن الكلام . وقوله كَمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ يعني : فرض عليكم مثل الذي فرض على الذين من قبلكم .
ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنى الله بقوله : كَمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وفي المعنى الذي وقع فيه التشبيه بين فرض صومنا وصوم الذين من قبلنا ، فقال بعضهم : الذين أخبرنا الله عن الصوم الذي فرضه علينا أنه كمثل الذي كان عليهم هم النصارى ، وقالوا : التشبيه الذي شبه من أجله أحدهما بصاحبه هو اتفاقهما في الوقت والمقدار الذي هو لازم لنا اليوم فرضه . ذكر من قال ذلك :
حدثت عن يحيى بن زياد ، عن محمد بن أبان ، عن أبي أمية الطنافسي ، عن الشعبي أنه قال : لو صمت السنة كلها لأفطرت اليوم الذي يشكّ فيه فيقال من شعبان ويقال من رمضان ، وذلك أن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا فحوّلوه إلى الفصل ، وذلك أنهم كانوا ربما صاموه في القيظ يعدّون ثلاثين يوما ، ثم جاء بعدهم قرن فأخذوا بالثقة من أنفسهم فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما ، ثم لم يزل الاَخر يستنّ سنة القرن الذي قبله حتى صارت إلى خمسين ، فذلك قوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيّامُ كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ .
وقال آخرون : بل التشبيه إنما هو من أجل أن صومهم كان من العشاء الاَخرة إلى العشاء الاَخرة ، وذلك كان فرض الله جل ثناؤه على المؤمنين في أوّل ما افترض عليهم الصوم . ووافق قائلو هذا القول القائلي القول الأول أن الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : النصارى . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط عن السدي : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ على الّذيِنَ مِنْ قَبْلِكُمْ أما الذين من قبلنا فالنصارى ، كتب عليهم رمضان ، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا النساء شهر رمضان . فاشتدّ على النصارى صيام رمضان ، وجعل يقلب عليهم في الشتاء والصيف فلما رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ، وقالوا : نزيد عشرين يوما نكفّر بها ما صنعنا . فجعلوا صيامهم خمسين ، فلم يزل المسلمون على ذلك يصنعون كما تصنع النصارى ، حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان ، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال : كتب عليهم الصوم من العتمة إلى العتمة .
وقال آخرون : الذين عنى الله جل ثناؤه بقوله : كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : أهل الكتاب . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ : أهل الكتاب .
وقال بعضهم : بل ذلك كان على الناس كلهم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كمَا كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قال : كتب شهر رمضان على الناس ، كما كتب على الذين من قبلهم . قال : وقد كتب الله على الناس قبل أن ينزل رمضان صوم ثلاثة أيام من كل شهر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيامُ كَما كُتِبَ على الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ رمضان كتبه الله على من كان قبلهم .
وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : معنى الآية : يا أيها الذين آمنوا فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم من أهل الكتاب ، أياما معدودات ، وهي شهر رمضان كله لأن من بعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان مأمورا باتباع إبراهيم ، وذلك أن الله جل ثناؤه كان جعله للناس إماما ، وقد أخبرنا الله عزّ وجل أن دينه كان الحنيفية المسلمة ، فأمر نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل الذي أمر به من قبله من الأنبياء .
وأما التشبيه فإنما وقع على الوقت ، وذلك أن من كان قبلنا إنما كان فرض عليهم شهر رمضان مثل الذي فرض علينا سواء .
وأما تأويل قوله : لَعَلّكُمْ تَتّقُون فإنه يعني به : لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه ، يقول : فرضت عليكم الصوم والكفّ عما تكونون بترك الكفّ عنه مفطرين لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم . وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل : ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما قوله : لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ يقول : فتتقون من الطعام والشرب والنساء مثل ما اتقوا ، يعني مثل الذي اتقى النصارى قبلكم .
{ يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } يعني الأنبياء والأمم من لدن آدم عليه السلام ، وفيه توكيد للحكم وترغيب في الفعل وتطييب على النفس . والصوم في اللغة : الإمساك عما تنازع إليه النفس ، وفي الشرع : الإمساك عن المفطرات بياض النهار ، فإنها معظم ما تشتهيه النفس . { لعلكم تتقون } المعاصي ، فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي مبدؤها كما قال عليه الصلاة والسلام " فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء " أو الإخلال بأدائه لأصالته وقدمه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.