جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (119)

القول في تأويل قوله تعالى : { يََأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اتّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصّادِقِينَ } .

يقول تعالى ذكره للمؤمنين معرّفهم سبيل النجاة من عقابه والخلاص من أليم عذابه : يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ، اتقوا الله وراقبوه بأداء فرائضه وتجنب حدوده ، وكونوا في الدنيا من أهل ولاية الله وطاعته ، تكونوا في الاَخرة مع الصادقين في الجنة . يعني مع من صدق الله الإيمان به فحقق قوله بفعله ولم يكن من أهل النفاق فيه الذين يكذّب قيلهم فعلهم .

وإنما معنى الكلام : وكونوا مع الصادقين في الاَخرة باتقاء الله في الدنيا ، كما قال جلّ ثناؤه : وَمَنْ يُطِعِ اللّهِ وَالرّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الّذِينَ أنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النّبِيّينَ والصّدّيقِينَ والشهَدَاءِ وَالصّالِحِينَ .

وإنما قلنا ذلك معنى الكلام ، لأن كون المنافق مع المؤمنين غير نافعه بأيّ وجوه الكون كان معهم إن لم يكن عاملاً عملهم ، وإذا عمل عملهم فهو منهم ، وإذا كان منهم كان لا وجه في الكلام أن يقال : اتقوا الله وكونوا مع الصادقين . ولتوجيه الكلام إلى ما وجهنا من تأويله فسر ذلك من فسره من أهل التأويل بأن قال : معناه : وكونوا مع أبي بكر وعمر ، أو مع النبيّ صلى الله عليه وسلم والمهاجرين رحمة الله عليهم . ذكر من قال ذلك أو غيره في تأويله :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن زيد بن أسلم ، عن نافع ، في قول الله : اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ قال : مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حبويه أبو يزيد ، عن يعقوب القمي ، عن زيد بن أسلم ، عن نافع ، قال : قيل للثلاثة الذين خلفوا : يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ محمد وأصحابه .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ قال : مع أبي بكر وعمر وأصحابهما رحمة الله عليهم .

قال : حدثنا محمد بن يحيى ، قال : حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي ، قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم الرماني ، عن سعيد بن جبير ، في قول الله : اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ قال : مع أبي بكر وعمر رحمة الله عليهما .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قوله : اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ قال : مع المهاجرين الصادقين .

وكان ابن مسعود فيما ذكر عنه يقرؤه : «وكُونُوا مِنَ الصّادِقِينَ » ويتأوّله أن ذلك نهي من الله عن الكذب . ذكر الرواية عنه بذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا آدم العسقلاني ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، قال : سمعت أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود يقول : قال ابن مسعود : إن الكذب لا يحلّ منه جدّ ولا هزل ، اقرءوا إن شئتم : «يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا مِنَ الصّادِقِينَ » قال : وكذلك هي قراءة ابن مسعود : «من الصادقين » ، فهل ترون في الكذب رخصة ؟

قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، قال : سمعت أبا عبيدة ، عن عبد الله ، نحوه .

قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرّة ، قال : سمعت أبا عبيدة يحدّث ، عن عبد الله قال : الكذب لا يصلح منه جدّ ولا هزل ، اقرءوا إن شئتم : «يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا مِنَ الصّادِقِينَ » وهي كذلك في قراءة عبد الله ، فهل ترون من رخصة في الكذب ؟

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال : لا يصلح الكذب في هزل ولا جدّ ، ثم تلا عبد الله : اتّقُوا اللّهَ وكُونُوا ما أدري أقال «مِنَ الصّادِقِينَ » أو مَعَ الصّادِقِينَ وهو في كتابي : مَعَ الصّادِقِينَ .

قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله ، مثله .

قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرّة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله ، مثله .

والصحيح من التأويل في ذلك هو التأويل الذي ذكرناه عن نافع والضحاك ، وذلك أن رسوم المصاحف كلها مجمعة على : وكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ ، وهي القراءة التي لا أستجيز لأحد القراءة بخلافها ، وتأويل عبد الله رحمة الله عليه في ذلك على قراءته تأويل صحيح غير ، أن القراءة بخلافها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (119)

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } فيما لا يرضاه { وكونوا مع الصادقين } في إيمانهم وعهودهم ، أو في دين الله نية وقولا وعملا . وقرئ " من الصادقين " أي في توبتهم وإنابتهم فيكون المراد به هؤلاء الثلاثة وأضرابهم .