السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (119)

ولما حكم الله بقبول توبة هؤلاء الثلاثة ذكر ما يكون كالزاجر عن مثل فعل ما مضى وهو التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد بقوله تعالى :

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } أي : بترك معاصيه { وكونوا مع الصادقين } أي : مع النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم أجمعين في الغزوات ولا تكونوا متخلفين عنها وجالسين مع المنافقين في البيوت وقيل : كونوا مع الذين صدقوا في الاعتراف بالذنب ولم يعتذروا بالأعذار الباطلة الكاذبة وقيل مع بمعنى من أي : وكونوا من الصادقين .

تنبيه : في الآية دلالة على فضيلة الصدق وكمال درجته ويدلّ عليه أيضاً أشياء :

منها ما روي عن ابن مسعود أنه قال : عليكم بالصدق فإنه يقرب إلى البرّ والبرّ يقرب إلى الجنة وإنّ العبد ليصدق فيكتب عند الله تعالى صدّيقاً وإياكم والكذب فإنّ الكذب يقرّب إلى الفجور والفجور يقرّب إلى النار وإنّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ألا ترى أنه يقال : صدقت وبررت وكذبت وفجرت .

ومنها ما روي أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال : إني رجل أريد أن أومن بك إلا أني أحبّ الخمر والزنا والسرقة والكذب والناس يقولون إنك تحرّم هذه الأشياء ولا طاقة لي على تركها فإن قنعت مني بترك واحدة منها فعلت فقال صلى الله عليه وسلم «اترك الكذب » فقبل ذلك ثم أسلم فلما خرج من عند النبيّ صلى الله عليه وسلم عرضوا عليه الخمر فقال : إن شربت وسألني النبيّ صلى الله عليه وسلم وكذبت فقد نقضت العهد وإن صدقت أقام عليّ الحدّ فتركها ثم عرضوا عليه الزنا فجاء ذلك الخاطر فتركه وكذا في السرقة فعاد إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وقال : ما أحسن ما فعلت لما منعتني عن الكذب انسدّت أبواب المعاصي عليّ وفات الكل .

ومنها ما قيل في قوله تعالى حكاية عن إبليس { فبعزتك لأغوينهم أجمعين 82 إلا عبادك منهم المخلصين } ( ص ، 82 ، 83 ) لأنّ إبليس إنما ذكر هذا الاستثناء لأنه لو لم يذكره لصار كاذباً في ادّعاء إغواء الكل فكأنه استنكف عن الكذب فذكر هذا الاستثناء وإذا كان الكذب شيئاً يستنكف منه إبليس لعنه الله فالمسلم أولى أن يستنكف منه .

ومنها قول ابن مسعود : الكذب لا يصلح في جدّ ولا هزل ولا أن يعد أحدكم أخاه ثم لا ينجز له اقرأوا إن شئتم وكونوا مع الصادقين .