روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (119)

{ ياأيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله } فيما لا يرضاه { وَكُونُواْ مَعَ الصادقين } أي مثلهم في صدقهم : وأخرج ابن الأنباري عن ابن عباس أنه كان يقرأ { وَكُونُواْ * مِنَ الصادقين } وكذا روى البيهقي وغيره عن ابن مسعود أنه كان يقرأ كذلك ، والخطاب قيل : لمن آمن من أهل الكتاب وروي ذلك عن ابن عباس فيكون المراد بالصادقين الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله تعالى ورسوله الله صلى الله عليه وسلم على الطاعة : وجوز أن يكون عاماً لهم ولغيرهم فيكون المراد بالصادقين الذين صدقوا في الدين نية وقولاً وعملاً ، وأن يكون خاصاً بمن تخلف وربط نفسه بالسوارى ، فالمناسب أن يراد بالصادقين الثلاثة أي كونوا مثلهم في الصدق وخلوص النية . وأخرج ابن المنذر . وابن جرير عن نافع أن الآية نزلت في الثلاثة الذين خلفوا ، والمراد بالصادقين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وبذلك فسره ابن عمر كما أخرجه ابن أبي حاتم . وغيره ، وعن عسيد بن جبير أن المراد كونوا مع أبي بكر . وعمر رضي الله تعالى عنهما .

وأخرج ابن عساكر . وآخرون عن الضحاك أنه قال : أمروا أن يكونوا مع أبي بكر . وعمر . وأصحابهما .

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس . وابن عساكر عن أبي جعفر أن المراد كونوا مع علي كرم الله تعالى وجهه . وبهذا استدل بعض الشيعة على أحقيته كرم الله تعالى وجهه بالخلافة ، وفساده على فرض صحة الرواية ظاهر . وعن السدى أنه فسر ذلك بالثلاثة ولم يتعرض للخطاب ، والظاهر عموم الخطاب ويندرج فيه التائبون اندراجاً أولياً ، وكذا عموم مفعول { اتقوا } ويدخل فيه المعاملة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر المغازي دخولاً أولياً أيضاً ، وكذا عموم { الصادقين } ويراد بهم ما تقدم على احتمال عموم الخطاب .

وفي الآية ما لا يخفى من مدح الصدق ، واستدل بها كما قال الجلال السيوطي من لم يبح الكذب في موضع من المواضع لا تصريحاً ولا تعريضاً . وأخرج غير واحد عن ابن مسعود أنه قال : لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيته شيئاً ثم لا ينجزه وتلا الآية ، والأحاديث في ذمه أكثر من أن تحصى ، والحق أباحته في مواضع . فقد أخرج ابن أبي شيبة . وأحمد عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب أو اصلاح بين اثنين أو رجل يحدث امرأته ليرضيها " وكذا إباحة المعاريض . فقد أخرج ابن عدي عن عمران بن حصين قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب .

هذا ومن باب الإشارة :{ ياأيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله } في جميع الرذائل بالاجتناب عنها { وَكُونُواْ مَعَ الصادقين } [ التوبة : 119 ] نية وقولاً وفعلاً أي اتصفوا بما اتصفوا به من الصدق ، وقيل : خالطوهم لتكونوا مثلهم فكل قرين بالمقارن يقتدى .

وفسر بعضهم الصادقين بالذين لم يخلفوا الميثاق الأول فإنه أصدق كلمة ، وقد يقال : الأصل الصدق في عهد الله كما قال تعالى : { رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عاهدوا الله } [ الأحزاب : 23 ] ثم في عقد العزيمة ووعد الخليقة كما قال سبحانه في إسماعيل : { إِنَّهُ كَانَ صادق الوعد } [ مريم : 54 ] وإذا روعي الصدق في المواطن كلها كالخاطر والفكر والنية والقول والعمل صدقت المنامات والواردات والأحوال والمقامات والمواهب والمشاهدات فهو أصل شجرة الكمال وبذر ثمرة الأحوال وملاك كل خير وسعادة ؛ وضده الكذب فهو أسوأ الرذائل وأقبحها وهو منافي المروءة كما قالوا : لا مروءة لكذوب