ثم حث سبحانه المؤمنين على ملازمة سيرة التقوى والانضمام في زمرة أهل الصدق لا النفاق فقال : { يا أيها الذين آمنوا } الآية . قال بعض العلماء : ظاهر الأمر للوجوب فوجب على المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين لا بمعنى أن يكونوا على طريقهم وسيرتهم ، لأن ذلك عدول عن الظاهر بل بمعنى المصاحبة . والكون مع الشيء مشروط بوجود ذلك الشيء فلا بد من وجود الصادقين . ثم إنه ثبت بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وسلم أن التكاليف المذكورة في القرآن متوجهة على المكلفين إلى يوم القيامة فلا يكون هذا الأمر مختصاً بالكون مع الرسول وأصحابه في الغزوات بل أعم من ذلك . ثم إن الصادق لا يجوز أن يكون منحصراً في الإمام المعصوم الذي يمتنع خلو زمان التكليف عنه كما يقوله الشيعة ، لأن كون كل واحد من المؤمنين مع ذلك الصادق بعد تسليم وجوده تكليف بما لا يطاق ، فالمراد بالصادقين أهل الحل والعقد في كل حين ، والمراد أنهم إذا أجمعوا على شيء كانوا صادقين فيه محقين ويجب على الباقين أن يكونوا معهم ظاهراً وباطناً . وقال أكثر المفسرين : الصادقون هم الذين صدقوا في دين الله وفيما عاهدوا عليه من الطاعة نية وقولاً وعملاً . وقيل : أي كونوا مع الثلاثة المذكورين في الصدق والثبات . وعن ابن عباس : الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب أي وافقوا المهاجرين والأنصار في الصدق ، وقيل : الخطاب للذين شدوا أنفسهم على السواري . وفي الآية دلالة على فضيلة الصدق وكمال درجته . ومن خصائص الصدق ما روي أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إني أريد أن أؤمن بك إلا إني أحب الخمر والزنا والسرقة والكذب والناس يقولون إنك تحرم هذه الأشياء كلها ولا طاقة لي بتركها بأسرها ، فإن قنعت مني بترك واحد منها آمنت بك ، فقبل ذلك وشرط له الصدق ثم أسلم . فلما خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضوا عليه الخمر فقال : إن شربت وسألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شربها وكذبت فقد نقضت العهد ، وإن صدقت أقام الحد علي فتركها ، ثم عرض عليه الزنا فجاءه ذلك الخاطر فتركه ، وكذا في السرقة فعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ما أحسن ما فعلت ، لما منعتني عن الكذب انسد أبواب المعاصي علي وتبت عن الكل . ومن فضائل الصدق أن الإيمان منه لا من سائر الطاعات ، ومن معايب الكذب أن الكفر منه لا من سائر الذنوب ، ومن مثالب الكذب أن إبليس مع تمرّده وكفره استنكف منه حتى استثنى في قوله { لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين } [ ص : 82 ] . ثم المقتضي لقبح الكذب هو كونه كذباً عند المعتزلة وكونه مفضياً إلى المفاسد عند الأشاعرة والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.