البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (119)

{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } : هو خطاب للمؤمنين ، أمروا بكونهم مع أهل الصدق بعد ذكر قصة الثلاثة الذين نفعهم صدقهم وأزاحهم عن ربقة النفاق .

واعترضت هذه الحملة تنبيهاً على رتبة الصدق ، وكفى بها أنها ثانية لرتبة النبوة في قوله : { فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين } قال ابن جريج وغيره : الصدق هنا صدق الحديث .

وقال الضحاك ونافع : ما معناه اللفظ أعم من صدق الحديث ، وهو بمعنى الصحة في الدين ، والتمكن في الخير ، كما تقول العرب : رجل صدق .

وقالت هذه الفرقة : كونوا مع محمد وأبي بكر وعمر وخيار المهاجرين الذين صدقوا الله في الإسلام .

وقيل : هم الثلاثة أي : كونوا مثل هؤلاء في صدقهم وثباتهم .

وقال الزمخشري : هم الذين صدقوا في إيمانهم ومعاهدتهم الله ورسوله من قوله : { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه } وهم الذين صدقوا في دين الله نية وقولاً وعملاً انتهى .

وقيل : الخطاب بالذين آمنوا لمن تخلف من الطلقاء عن غزوة تبوك .

وعن ابن عباس : الخطاب لمن آمن من أهل الكتاب أي : كونوا مع المهاجرين والأنصار ، ومع تقتضي الصحبة في الحال والمشاركة في الوصف المقتضي للمدح .

وقرأ ابن مسعود وابن عباس : من الصادقين ، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وكان ابن مسعود يتأوله في صدق الحديث وقال : الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ، ولا إن يعد منكم أحد صببه ثم لا ينجزه ، اقرأوا إن شئتم : وكونوا مع الصادقين .

وقال صاحب اللوامح : ومن أعم من مع ، لأنّ كل من كان من قوم فهو معهم في المعنى المأمور به ، ولا ينعكس ذلك .

وقرأ زيد بن علي ، وابن السميفع ، وأبو المتوكل ، ومعاذ القاري : مع الصادقين بفتح القاف وكسر النون على التثنية ، ويظهر أنهما الله ورسوله لقوله تعالى :

{ ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } ولما تقدم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ، أمروا بأنْ يكونوا مع الله ورسوله بامتثال الأمر واجتناب المنهى عنه كما يقال : كن مع الله يكن معك .