القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيِ النّهَارِ وَزُلَفاً مّنَ الْلّيْلِ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَىَ لِلذّاكِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وأقم الصلاة } ، يا محمد ، يعني : صلّ ، { طرفي النهار } ، يعني : الغداة والعشي .
واختلف أهل التأويل في التي عنيت بهذه الآية من صلوات العشي ، بعد إجماع جميعهم على أن التي عنيت من صلاة الغداة : الفجر .
فقال بعضهم : عنيت بذلك صلاة الظهر والعصر ، قالوا : وهما من صلاة العشي . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { أقِمِ الصّلاَةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : الفجر ، وصلاتي العشي ، يعني : الظهر والعصر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : صلاة الفجر ، وصلاة العشيّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أفلح بن سعيد ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : فطرفا النهار : الفجر والظهر والعصر .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : الفجر ، والظهر ، والعصر .
وقال آخرون : بل عُني بها : صلاة المغرب . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ يقول : صلاة الغداة وصلاة المغرب .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن عوف ، عن الحسن : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ قال : صلاة الغداة والمغرب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } : الصبح ، والمغرب .
وقال آخرون : عُني بها : صلاة العصر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ قال : صلاة الفجر والعصر .
قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن أفلح بن سعيد القُبائي ، عن محمد بن كعب : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } : ِ الفجر والعصر .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : صلاة الصبح وصلاة العصر .
حدثني الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن ، قال : قال الله لنبيه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : طرفى النهار : الغداة والعصر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، يعني : صلاة العصر والصبح .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } : الغداة والعصر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن أفلح بن سعيد ، عن محمد بن كعب : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } : الفجر والعصر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : الغداة والعصر .
وقال بعضهم : بل عنى بطرفى النهار : الظهر والعصر ، وبقوله : { زُلَفا مِنَ اللّيْل } : المغرب ، والعشاء ، والصبح .
وأولى هذه الأقول في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هي صلاة المغرب ، كما ذكرنا عن ابن عباس .
وإنما قلنا : هو أولى بالصواب ، لإجماع الجميع على أن صلاة أحد الطرفين من ذلك صلاة الفجر ، وهي تصلى قبل طلوع الشمس ، فالواجب إذ كان ذلك من جميعهم إجماعا أن تكون صلاة الطرف الآخر المغرب ، لأنها تصلى بعد غروب الشمس ، ولو كان واجبا أن يكون مرادا بصلاة أحد الطرفين : قبل غروب الشمس ، وجب أن يكون مرادا بصلاة الطرف الآخر : بعد طلوعها ، وذلك ما لا نعلم قائلاً قاله إلا من قال : عنى بذلك : صلاة الظهر والعصر ، وذلك قول لا يُخِيلُ فساده ، لأنهما إلى أن يكونا جميعا من صلاة أحد الطرفين أقرب منهما إلى أن يكونا من صلاة طرفى النهار ، وذلك أن الظهر لا شكّ أنها تصلى بعد مضيّ نصف النهار في النصف الثاني منه ، فمحال أن تكون من طرف النهار الأوّل وهي في طرفه الآخر . فإذا كان لا قائل من أهل العلم يقول : عنى بصلاة طرف النهار الأوّل : صلاة بعد طلوع الشمس ، وجب أن يكون غير جائز أن يقال : عنى بصلاة طرف النهار الآخرة : صلاة قبل غروبها . وإذا كان ذلك صحّ ما قلنا في ذلك من القول ، وفسد ما خالفه .
وأما قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، فإنه يعني : ساعات من الليل ، وهي جمع زُلْفة ، والزلفة : الساعة والمنزلة والقربة . وقيل : إنما سميت المزدلفة وجُمَع من ذلك ، لأنها منزل بعد عرفة . وقيل : سميت بذلك لازدلاف آدم من عرفة إلى حوّاء وهي بها ومنه قول العجاج في صفة بعير :
ناجٍ طَوَاهُ الأيْنَ مِمّا وَجَفا *** طَيّ اللّيالي زُلَفا فَزُلَفَا
واختلفت القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والعراق : وَ{ زُلَفا } ، بضم الزاي وفتح اللام . وقرأه بعض أهل المدينة بضم الزاي واللام ، كأنه وجّهه إلى أنه واحد وأنه بمنزلة الحلم . وقرأه بعض المكيين : { وزُلْفا } ، بضم الزاي وتسكين اللام .
وأعجب القراءات في ذلك إليّ أن أقرأها : { وَزُلَفا } ، بضم الزاي وفتح اللام ، على معنى جمع زُلْفة ، كما تجمع غرفة : غُرَف ، وحُجْرة : حُجَر . وإنما اخترت قراءة ذلك كذلك ، لأن صلاة العشاء الآخرة إنما تصلى بعد مضيّ زلف من الليل ، وهي التي عنيت عندي بقوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، وبنحو الذي قلنا في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : الساعات من الليل صلاة العتمة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : { زُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، يقول : صلاة العتمة .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن عوف ، عن الحسن : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : العشاء .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زيد ، قال : كان ابن عباس يعجبه التأخير بالعشاء ، ويقرأ : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : ساعة من الليل ، صلاة العتمة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : العتمة ، وما سمعت أحدا من فقهائنا ومشايخنا ، يقول العشاء ، ما يقولون إلا العتمة .
وقال قوم : الصلاة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامتها { زلفا من الليل } ، صلاة المغرب والعشاء . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع ، واللفظ ليعقوب ، قالا : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أبو رجاء عن الحسن : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : هما زلفتان من الليل : صلاة المغرب ، وصلاة العشاء .
حدثنا ابن جميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن أشعث ، عن الحسن ، في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب ، والعشاء .
حدثني الحسن بن عليّ ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن : قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : { زلفا من الليل } : المغرب ، والعشاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هُما زُلْفَتا اللّيْلِ : المَغْرِبُ والعِشَاءُ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب ، والعشاء .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : قد بين الله مواقيت الصلاة في القرآن ، قال : { أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَق اللّيْلِ } ، قال : دلوكها : إذا زالت عن بطن السماء وكان لها في الأرض فيء ، وقال : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ الغداة ، والعصر . { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، المغرب ، والعشاء . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هُمَا زُلْفَتا اللّيْلِ المَغْرِبُ والعِشَاءُ » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : يعني : صلاة المغرب ، وصلاة العشاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أفلح بن سعيد ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : { زُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، المغرب والعشاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن أفلح بن سعيد ، عن محمد بن كعب ، مثله .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، المغرب والعشاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم بن سليمان ، عن الحسن ، قال : زلفتا الليل : المغرب ، والعشاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب والعشاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عاصم ، عن الحسن : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب والعشاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب والعشاء .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عاصم ، عن الحسن : { زُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، صلاة المغرب والعشاء . وقوله : { إنّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، يقول تعالى ذكره : إن الإنابة إلى طاعة الله والعمل بما يرضيه ، يذهب آثام معصية الله ويكفر الذنوب .
ثم اختلف أهل التأويل في الحسنات التي عنى الله في هذا الموضع اللاتي يذهبن السيئات ، فقال بعضهم : هنّ الصلوات الخمس المكتوبات . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، عن أبي محمد ابن الحضرمي ، قال : حدثنا كعب في هذا المسجد ، قال : والذي نفس كعب بيده إن الصلوات الخمس لهنّ الحسنات التي بذهبن السيئات ، كما يغسل الماء الدرن .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أفلح ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول في قوله : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : هنّ الصلوات الخمس .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد : { إنّ الحَسَنَاتِ } ، الصلوات .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة جميعا ، عن عوف ، عن الحسن : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني زريق بن السخت ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله تعالى : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سعيد الجريري ، قال : ثني أبو عثمان ، عن سلمان ، قال : والذي نفسي بيده ، إن الحسنات التي يمحو الله بهنّ السيئات كما يغسل الماء الدرن : الصلوات الخمس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مَزْيدة بن زيد ، عن مسروق : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، وعبد الله بن أبي زياد القطوني ، قالا : حدثنا عبد الله بن يزيد ، قال : أخبرنا حيوة ، قال : أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي من بني تيم من رهط أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه ، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان رحمه الله يقول : جلس عثمان يوما وجلسنا معه ، فجاء المؤذّن فدعا عثمان بماء في إناء ، أظنه سيكون فيه قدْرُ مدّ ، فتوضأ ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال : «مَنْ تَوَضّأَ وُضُوئي هَذَا ، ثم قامَ فَصَلّى صَلاَةَ الظّهْرِ ، غُفِرَ لَهُ ما كانَ بَيْنَهُ وبينَ صَلاةَ الصّبْحِ ، ثُمّ صَلّى العَصْرَ ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ الظّهْرِ ، ثم صَلّى المَغْرِبَ ، غُفرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ العَصْرِ ، ثُمّ صَلّى العِشَاءَ ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ المَغْرِبِ ، ثُمّ لَعَلّهُ يَبيتُ لَيْلَةً يَتَمَرّغُ ، ثُمّ إنْ قامَ فَتَوَضّأَ وَصَلّى الصّبْحَ ، غُفِرَ لَه ما بَيْنَها وبينَ صَلاةِ العِشاءِ ، وَهُنّ الحَسَناتُ يُذْهِبْنَ السّيّئاتِ » .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكيم ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا حيوة ، قال : حدثنا أبو عقيل ، زُهرة بن معبد ، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال : جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد ، فذكر نحوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه قال : «وَهُنّ الحَسنَاتُ ، إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات » .
حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا نافع بن زيد ، ورشدين بن سعد ، قالا حدثنا زهرة بن معبد ، قال : سمعت الحرث مولى عثمان بن عفان ، يقول : جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد ، ثم ذكر نحو ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه قال : «وَهُنّ الحَسنَاتُ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات » .
حدثنا محمد بن عوف ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «جُعِلَتْ الصّلَوَاتُ كَفّارَاتِ لِمَا بَيْنَهُنّ ، فإنّ اللّهَ قالَ : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } » .
حدثنا ابن سيار القزار ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عليّ بن زيد ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : كنت مع سلمان تحت شجرة ، فأخذ غصنا من أغصانها يابسا ، فهزّه حتى تحاتّ ورقه ، ثم قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كنت معه تحت شجرة ، فأخذ غصنا من أغصانها يابسا ، فهزّه حتى تحاتَّ ورقه ، ثم قال : «ألاتَسْألُنِي لِمَ أفْعَلُ هَذَا يا سَلْمانُ ؟ » فقلت : ولم تفعله ؟ فقال : «إنّ المُسْلِمَ إذَا تَوَضّأَ فأحْسَنَ الُوضُوءَ ، ثُمّ صَلّى الصّلَوَاتِ الخَمْسَ ، تَحاتّتْ خَطاياهُ كمَا تَحاتّ هَذَا الوَرَقُ » . ثُمّ تَلا هَذِهِ الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } . . . إلى آخر الآية .
وقال آخرون : هو قوله : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن منصور ، عن مجاهد : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
وأولى التأويلين بالصواب في ذلك قول من قال في ذلك : هُنّ الصلوات الخمسُ ، لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترها عنه أنه قال : «مَثَلُ الصّلَوَاتِ الخَمْسِ مَثَلُ نَهْرٍ جارٍ على بابِ أحَدِكُمْ يَنْغَمِسُ فِيهِ كُلّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرّاتٍ ، فَمَاذَا يُبْقِينَ مِنْ دَرَنِهِ » ، وإن ذلك في سياق أمر الله بإقامة الصلوات ، والوعد على إقامتها الجزيل من الثواب عقيبها أولى من الوعد على ما لم يجر له ذكر من صالحات سائر الأعمال ، إذا خصّ بالقصد بذلك بعض دون بعض .
وقوله : { ذلكَ ذِكْرَى للذّاكِرِين } ، يقول تعالى : هذا الذي أوعدت عليه من الركون إلى الظلم وتهددت فيه ، والذي وعدت فيه من إقامة الصلوات اللواتي يذهبن السيئات تذكرة ذكرّت بها قوما يذكرون وعد الله ، فيرجون ثوابه ووعيده فيخافون عقابه ، لا من قد طبع على قلبه فلا يجيب داعيا ولا يسمع زاجرا . وذكر أن هذه الآية نزلت بسبب رجل نال من غير زوجته ولا ملك يمينه بعض ما يحرم عليه ، فتاب من ذنبه ذلك . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، قالا : قال عبد الله بن مسعود : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال إني عالجت امرأة في بعض أقطار المدينة ، فأصبت منها ما دون أن أمسها ، فأنا هذا ، فاقض فيّ ما شئت ، فقال عمر : لقد سترك الله ، لو سترت على نفسك . قال : ولم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئا . فقام الرجل ، فانطلق ، فأتبعه النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً ، فدعاه ، فلما آتاه قرأ عليه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فقال رجل من القوم : هذا له يا رسول الله خاصة ؟ قال : «بَلْ للنّاسِ كافّةً » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، عن عبد الله ، قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان ، فضممتها إليّ ، وباشرتها ، وقبلتها ، وفعلت بها كلّ شي غير أني لم أجامعها ، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرأها عليه ، فقال عمر : يا رسول الله ، أله خاصة ، أم للناس كافة ؟ قال : لا ، بَلْ للنّاسِ كافّةً » ، ولفظ الحديث لابن وكيع .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، أنه سمع إبراهيم بن زيد ، يحدّث عن علقة والأسود ، عن ابن مسعود ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني وجدت امرأة في بستان ، ففعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها ، قبلتها ، ولزمتها ، ولم أفعل غير ذلك ، فافعل بي ما شئت ، فلم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه لو سترت على نفسه ، فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره ، فقال : «رُدّوهُ عَليّ » ، فردّوه ، فقرأ عليه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، قال : فقال معاذ بن جبل : أله وحده يا نبيّ الله ، أم للناس كافة ؟ فقال : «بَلْ للنّاسِ كافّةً » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، عن عبد الله ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أخذت امرأة في البستان ، فأصبت منها كل شيء ، غير أني لم أنكحها ، فاصنع بي ما شئت ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما ذهب دعاه ، فقرأ عليه هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال : سمعت إبراهيم يحدّث عن خاله الأسود ، عن عبد الله : أن رجلاً لقي امرأة في بعض طرق المدينة ، فأصاب منها ما دون الجماع . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فنزلت : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فقال معاذ بن جبل : يا رسول الله ، لهذا خاصة ، أو لنا عامّة ؟ قال : «بَلْ لَكُمْ عَامّةً » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أنبأني سماك ، قال : سمعت إبراهيم يحدّث عن خاله ، عن ابن مسعود : أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لقيت امرأة في حش بالمدينة ، فأصبت منها ما دون الجماع . . . نحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم البغدادي ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن إبراهيم عن خاله ، عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : جاء فلان بن معتب ، رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله دخلت عليّ امرأة ، فنلت منها ما ينال الرجل من أهله ، إلا أني لم أواقعها ، فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه حتى نزلت هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ ، إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات . . . } ، الآية ، فدعاه ، فقرأها عليه .
حدثني يعقوب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، وحدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، وحدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان جميعا ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن ابن مسعود : أن رجلاً أصاب من امرأة شيئا لا أدري ما بلغ ، غير أنه ما دون الزنا . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فنزلت : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، فقال الرجل : ألي هذه يا رسول الله ؟ قال : «لِمَن أخَذَ بِها مِن أُمّتِي ، أوْ لِمَنْ عَمِلَ بِها » .
حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا قبيصة ، عن حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، قال : كنت مع سلمان ، فأخذ غصن شجرة يابسة ، فحتّه ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «مَنْ تَوَضّأَ فأحْسَنَ الْوضُوءَ تَحاتّتْ خَطاياهُ كمَا يَتَحاتّ هَذَا الوَرَقُ » ، ثم قال : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، إلى آخر الآية .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة وحسين الجعفي ، عن زائدة ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ ، قال : أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ما ترى في رجل لقي امرأة لا يعرفها ، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا قد أتاه منها غير أنه لم يجامعها ؟ فأنزل الله هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَوَضّأْ ثُمّ صَلّ » ، قال معاذ : قلت يا رسول الله ، أله خاصة أم للؤمنين عامة ؟ قال : «بَلْ للْمُؤمنِينَ عامّةً » .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أن رجلاً أصاب من امرأة ما دون الجماع ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن ذلك . فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أنزلت : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية ، فقال معاذ : يا رسول الله ، أله خاصة أم للناس عامة ؟ قال : «هِيَ للنّاسِ عامّةً » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : ثني عمرو بن الحرث ، قال : ثني عبد الله بن سالم ، عن الزّبيدي ، قال : حدثنا سليم بن عامر ، أنه سمع أبا أمامة يقول : إن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أقم فيّ حدْ الله مرّة واثنتين . فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أقيمت الصلاة ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة ، قال : «أيْنَ هَذَا القائِلُ : أقِمْ فِيّ حدّ اللّهِ ؟ » ، قال : أناذا ، قال : «هَلْ أتْمَمْتَ الُوضُوءَ وَصَلّيْتَ مَعَنا آنِفا ؟ » ، قالَ : نَعَمْ . قال : «فإنّكَ مِنْ خَطِيئَتِكَ كمَا وَلَدَتْكَ أُمّكَ ، فَلا تَعُدْ » . وأنزل الله حينئذ على رسوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني جرير ، عن عبد الملك ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل : أنه كان جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل ، فقال : يا رسول الله ، رجل أصاب من امرأة ما لا يحلّ له ، لم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا أتاه إلا أنه لم يجامعها ؟ قال : «يَتَوَضّأُ وُضُوءا حَسَنا ثُمّ يُصَلّي » . فأنزل الله هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية ، فقال معاذ : هي له ، يا رسول الله خاصة ، أم للمسلمين عامّة ؟ قال : «بَلْ للمُسْلِمِينَ عامّةً » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة : أن رجلاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة ، وهو جالس مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فاستأذنه لحاجة ، فأذن له ، فذهب يطلبها فلم يجدها . فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمطر ، فوجد المرأة جالسة على غدير ، فدفع في صدرها ، وجلس بين رجليها ، فصار ذكره مثل الهُدْبَة ، فقام نادما حتى أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بما صنع ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : «اسْتَغْفِرْ رَبّكَ وَصَلّ أرْبَعَ رَكَعاتٍ » ، قال : وتلا عليه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن عثمان بن وهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي اليسر بن عمرو الأنصاري ، قال : أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا ، فقلت : إن في البيت تمرا أجود من هذا ، فدخلت ، فأهويت إليها ، فقبلتها . فأتيت أبا بكر ، فسألته ، فقال : استر على نفسك ، وتُبْ ، واستغفر الله . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «أخْلَفْتَ رَجُلاً غازيا فِي سَبِيلِ اللّهِ فِي أهْلِهِ بِمِثْلَ هَذَا ؟ » حتى ظننتُ أني من أهل النار ، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ ، قال : فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ، فنزل جبرئيل ، فقال : «أيْنَ أبُو اليُسْرِ ؟ » ، فجِئت ، فقرأ عليّ : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } . . . ، إلى : { ذِكْرَى للذّاكِرِين } ، قال : إنسان : له يا رسول الله ، خاصة ، أم للناس عامة ؟ قال : «للنّاسِ عامّةً » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن عثمان بن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي اليسر ، قال : لقيت امرأة ، فالتزمتها ، غير أني لم أنكحها ، فأتيت عمر بن الخطاب ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرنّ أحدا ، فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر رضي الله عنه ، فسألته ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرنّ أحدا ، قال : فلم أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال له : «هل جَهّزْتَ غَازِيا ؟ » ، قلت : لا ، قال : «فهل خَلَفْتَ غَازِيا في أهْلِهِ ؟ » ، قلت : لا ، فقال لي حتى تمنيت أني كنت دخلت في الإسلام تلك الساعة . قال : فلما وليت دعاني ، فقرأ عليّ : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، فقال له أصحابه : ألهذا خاصة أم للناس عامة ؟ فقال : «بَلْ للنّاسِ عامّةً » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : ثني سعيد ، عن قتادة : أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبيّ الله ، هلكت . فأنزل الله : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن سليمان التيمي ، قال : ضرب رجل على كفل امرأة ، ثم أتى أبا بكر وعمرو رضي الله عنهما ، فكلما سأل رجلاً منهما عن كفارة ذلك ، قال : أمغزية هي ؟ قال : نعم ، قال : لا أدري . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن ذلك ، فقال : «أمَغْزِيَةٌ هِيَ ؟ » ، قال : نعم . قال : لا أدري . حتى أنزل الله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء ، في قول الله تعالى : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } أن امرأة دخلت على رجل يبيع الدقيق ، فقبلها ، فأسقط في يده . فأتى عمر ، فذكر ذلك له ، فقال : اتق الله ، ولا تكن امرأة غاز ، فقال الرجل : هي امرأة غاز . فذهب إلى أبي بكر ، فقال مثل ما قال عمر . فذهبوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم جميعا ، فقال له : كذلك ، ثم سكت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلم يجبهم ، فأنزل الله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، الصلوات المفروضات ، { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء بن أبي رباح ، قال : أقبلت امرأة حتى جاءت إنسانا يبيع الدقيق لتبتاع منه ، فدخل بها البيت ، فلما خلا له ، قبّلها . قال : فسقط في يديه ، فانطلق إلى أبي بكر ، فذكر ذلك له ، فقال : أبصر لا تكوننّ امرأة رجل غازٍ ، فبينما هم على ذلك ، نزل في ذلك : { أقِمِ الصّلاة طَرفِي النّهار وزُلَفا مِن اللّيْلِ } ، قيل لعطاء : المكتوبة هي ؟ قال : نعم هي المكتوبة . فقال ابن جريج ، وقال عبد الله بن كثير : هي المكتوبات .
قال ابن جريج ، عن يزيد بن رومان : إن رجلاً من بني غَنم ، دخلت عليه امرأة ، فقبلها ، ووضع يده على دبرها . فجاء إلى أبي بكر رضي الله عنه ، ثم جاء إلى عمر رضي الله عنه ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { أقِمِ الصّلاة } . . . ، إلى قوله : { ذلك ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } . فلم يزل الرجل الذي قبّل المرأة يذكر ، فذلك قوله : { ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وأقم الصلاة}، يا محمد، يعني: صلّ، {طرفي النهار}، يعني: الغداة والعشي...
واختلف أهل التأويل في التي عنيت بهذه الآية من صلوات العشي، بعد إجماع جميعهم على أن التي عنيت من صلاة الغداة: الفجر؛
فقال بعضهم: عنيت بذلك صلاة الظهر والعصر، قالوا: وهما من صلاة العشي...
وقال آخرون: عُني بها: صلاة العصر.
وقال بعضهم: بل عني بطرفي النهار: الظهر والعصر، وبقوله: {زُلَفا مِنَ اللّيْل}: المغرب، والعشاء، والصبح.
وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: هي صلاة المغرب...
وأما قوله: {وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ}، فإنه يعني: ساعات من الليل، وهي جمع زُلْفة، والزلفة: الساعة والمنزلة والقربة...
وقوله: {إنّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات}، يقول تعالى ذكره: إن الإنابة إلى طاعة الله والعمل بما يرضيه، يذهب آثام معصية الله ويكفر الذنوب. ثم اختلف أهل التأويل في الحسنات التي عنى الله في هذا الموضع اللاتي يذهبن السيئات؛ فقال بعضهم: هنّ الصلوات الخمس المكتوبات.أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي من بني تيم من رهط أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان رحمه الله يقول: جلس عثمان يوما وجلسنا معه، فجاء المؤذّن فدعا عثمان بماء في إناء، أظنه سيكون فيه قدْرُ مدّ، فتوضأ، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا، ثم قال: «مَنْ تَوَضّأَ وُضُوئي هَذَا، ثم قامَ فَصَلّى صَلاَةَ الظّهْرِ، غُفِرَ لَهُ ما كانَ بَيْنَهُ وبينَ صَلاةَ الصّبْحِ، ثُمّ صَلّى العَصْرَ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ الظّهْرِ، ثم صَلّى المَغْرِبَ، غُفرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ العَصْرِ، ثُمّ صَلّى العِشَاءَ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ المَغْرِبِ، ثُمّ لَعَلّهُ يَبيتُ لَيْلَةً يَتَمَرّغُ، ثُمّ إنْ قامَ فَتَوَضّأَ وَصَلّى الصّبْحَ، غُفِرَ لَه ما بَيْنَها وبينَ صَلاةِ العِشاءِ، وَهُنّ الحَسَناتُ يُذْهِبْنَ السّيّئاتِ». وقال آخرون: هو قوله: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر... وأولى التأويلين بالصواب في ذلك قول من قال في ذلك: هُنّ الصلوات الخمسُ، لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترها عنه أنه قال: «مَثَلُ الصّلَوَاتِ الخَمْسِ مَثَلُ نَهْرٍ جارٍ على بابِ أحَدِكُمْ يَنْغَمِسُ فِيهِ كُلّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرّاتٍ، فَمَاذَا يُبْقِينَ مِنْ دَرَنِهِ»، وإن ذلك في سياق أمر الله بإقامة الصلوات، والوعد على إقامتها الجزيل من الثواب عقيبها أولى من الوعد على ما لم يجر له ذكر من صالحات سائر الأعمال، إذا خصّ بالقصد بذلك بعض دون بعض.
{ذلكَ ذِكْرَى للذّاكِرِين}، يقول تعالى: هذا الذي أوعدت عليه من الركون إلى الظلم وتهددت فيه، والذي وعدت فيه من إقامة الصلوات اللواتي يذهبن السيئات تذكرة ذكرّت بها قوما يذكرون وعد الله، فيرجون ثوابه ووعيده فيخافون عقابه، لا من قد طبع على قلبه فلا يجيب داعيا ولا يسمع زاجرا...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أمر الله تعالى في هذه الآية نبيه صلى الله عليه وسلم وأمة نبيه بإقامة الصلاة، وإقامتها هو الإتيان بأعمال الصلاة على وجه التمام في ركوعها وسجودها وسائر فروضها. وقيل إقامة الصلاة هو عمل على استواء كالقيام الذي هو الانتصاب في الاستواء. وقيل هو الدوام على فعلها من قولهم: قائم أي دائم واقف...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
أي اسْتَغْرِقْ جميعَ الأوقاتِ بالعبادات، فإنَّ إخلالَكِ لحظةً من الزمان بِفَرضٍ تؤديه، أو نَفْلِ تأتيه حَسْرَةٌ عظيمةٌ وخُسرَانٌ مبينٌ. قوله {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ الْسَّيِئَاتِ} الحسنات ما يجود بها الحق، والسيئات ما يذنبها العبد، فإذا دخلت حسناتُه على قبائح العبد مَحَتْها وأَبْطَلَتْها...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{طَرَفَي النهار} غدوة وعشية {وَزُلَفاً مِّنَ اليل} وساعات من الليل وهي ساعاته القريبة من آخر النهار، من أزلفه إذا قربه وازدلف إليه، وصلاة الغدوة: الفجر، وصلاة العشية: الظهر والعصر؛ لأنّ ما بعد الزوال عشيّ. وصلاة الزلف: المغرب والعشاء...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّهَارِ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ، وَبَاقِيهَا فِي اللَّيْلِ، فَزُلَفُ اللَّيْلِ ثَلَاث: فِي ابْتِدَائِهِ، وَهِيَ الْمَغْرِبُ، وَفِي اعْتِدَالِ فَحْمَتِهِ، وَهِيَ الْعِشَاءُ، وَعِنْدَ انْتِهَائِهِ وَهِيَ الصُّبْحُ. وَأَمَّا طَرَفَا النَّهَارِ فَهُمَا الدُّلُوكُ وَالزَّوَالُ وَهُوَ طَرَفُهُ الْأَوَّلُ، وَالدُّلُوكُ الْغُرُوبُ، وَهُوَ طَرَفُهُ الثَّانِي...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
وقد يحتمل أن تكون هذه الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء؛ فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها. وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة، ثم نسخ في حق الأمة، وثبت وجوبه عليه، ثم نسخ عنه أيضًا، في قول، والله أعلم...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان العلم حاصلاً بما سبق من الحكم من أن الآدمي محل العجز والتقصير، أتبع ذلك بأعلى مكفر لما يوجبه العجز ويقضي به الفتور والوهن من الصغائر وأعمه وأجلبه للاستقامة، وذلك يدل على أنها بعد الإيمان أفضل العبادات، فقال تعالى: {وأقم الصلاة} أي اعملها على استواء {طرفي النهار} بالصبح والعصر كما كان مفروضاً بمكة في أول الأمر قبل الإسراء، ويمكن أن يراد مع ذلك الظهر لأنها من الطرف الثاني {وزُلفاً} أي طوائف ودرجات وأوقات، جمع زلفة {من الَّليل} يمكن أن يكون المراد به التهجد، فقد كان مفروضاً في أول الإسلام، ويمكن أن يراد المغرب والعشاء مع الوتر أو التهجد؛ ثم علل ذلك بقوله: {إن الحسنات} أي الطاعات كلها الصلاة وغيرها المبنية على أساس الإيمان {يذهبن السيئات} أي الصغائر، وأما الكبائر التي يعبر عنها بالفواحش ونحوه فقد تقدم في قصة شعيب عليه السلام عند قوله {ثم توبوا إليه} أنه لا يكفرها إلا التوبة لما فيها من الإشعار بالتهاون بالدين، واجتنابها لا يكفر إلا إذا كان عن نية صالحة...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
هذا أمر بأعظم العبادات وبأعظم الأخلاق، اللذين يستعان بهما على ما قبلهما من الأمر بالاستقامة والنهي عن الطغيان والركون إلى أولي الظلم، ولذلك عطفا عليهما.
{وأقم الصلاة طرفي النهار} خص إقامة الصلاة بالذكر في هذه الوصية العامة المجملة؛ لأنها رأس العبادات المغذية للإيمان، والمعينة على سائر الأعمال، أي أدِّها على الوجه القويم، وأدمها في طرفي النهار من كل يوم، طرف الشيء والزمن الناحية، والطائفة منه ونهايته، فطرفا النهار هنا البكرة والأصيل، أو الغدو والعشي، وقد أمرنا تعالى في التنزيل بالذكر والتسبيح فيهما.
{وزلفا من الليل} أي وفي زلف من الليل، جمع زلفة، وهي بالضم كقرب جمع قربة لفظا ومعنى. وتطلق كما في معاجم اللغة على الطائفة من أول الليل لقربها من النهار. وقالوا: الزلف ساعات الليل الآخذة من النهار، وساعات النهار الآخذة من الليل. روي عن ابن عباس أن صلاة طرفي النهار المغرب والغداة [أي الفجر]، وزلف الليل العتمة [أي العشاء]. وعن الحسن: أن صلاة طرفي النهار الفجر والعصر، وقال في زلف الليل: هما زلفتان: صلاة المغرب وصلاة العشاء. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هما زلفتا الليل)، وهذا أقرب إلى اللغة مما قبله، فإن صح الحديث فلا معدل عنه، ولكنه من مراسيل الحسن، فيبحث عمن رفعه، وأدخل بعض المفسرين صلاة الظهر في طرفي النهار، إذ يصح أن يسمى وقتها طرفا، بمعنى أنه طائفة وناحية من النهار يفصلها من غيرها زوال الشمس، ولكنه طرف ثالث، واللفظ هنا مثنى، وفي سورة طه {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى} [طه: 130] فجمع الأطراف بعد ذلك الطرفين الأخيرين بالمعنى وهما وقتا صلاتي الفجر والعصر.
والأظهر في أمثال هذه الآيات أن ذكر الله تعالى وتسبيحه المطلق فيها عام، فيدخل فيه الصلاة وغيرها الآية الصريحة في أوقات الصلوات الخمس قوله تعالى: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات الأرض وعشيا وحين تظهرون} [الروم: 17، 18]. تمسون تدخلون في المساء، وهو ما بين الظهر إلى المغرب، نقله في المصباح عن ابن القوطية، وذكر هو وغيره مثل هذا في تفسير العشي، وهو غلط سببه اشتراك الوقتين باتصال آخر المساء بأول العشي، وهو أول الليل، حيث يختلط النور بالظلام، فصلاة المغرب العشاء الأولى، وصلاة العتمة العشاء الآخرة التي يزول عندها الشفق وهو آخر أثر لنور النهار، وفي معنى هذا قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر} [الإسراء: 78] الآية، فدلوك الشمس زوالها، أي أقمها لأول وقتها هذا وفيه صلاة الظهر، منتهيا إلى غسق الليل وهو ابتداء ظلمته ويدخل في صلاة العصر والعشاءين وأقم صلاة الفجر.
{إن الحسنات يذهبن السيئات} الجملة تعليل للأمر قبلها مبين لحكمته وفائدته، ومعناها أن للأعمال الحسنة من تزكية النفس وإصلاحها ما يمحو منها تأثير الأعمال السيئة وإفسادها، روي عن ابن مسعود وابن عباس تفسير الحسنات فيها بالصلوات الخمس، زاد ابن عباس: والباقيات الصالحات، ولا غرو؛ فالصلاة أعظم الحسنات، وأكبر العبادات المكفرة للسيئات، ولكن لفظ الحسنات عام يشمل جميع الأعمال الصالحات، حتى التروك فإنها عمل نفسي، ومنه {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} [النساء: 31]، وفي الحديث (وأتبع السيئة الحسنة تمحها). إن في {ذلك ذكرى للذاكرين} أي إن فيما ذكر من الوصايا من الأمر بالاستقامة إلى هنا لموعظة للمتعظين الذين يراقبون الله ولا ينسونه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل).. ولقد علم الله أن هذا هو الزاد الذي يبقى حين يفنى كل زاد، والذي يقيم البنية الروحية، ويمسك القلوب على الحق الشاق التكاليف. ذلك أنه يصل هذه القلوب بربها الرحيم الودود، القريب المجيب، وينسم عليها نسمة الأنس في وحشتها وعزلتها في تلك الجاهلية النكدة الكنود! والآية هنا تذكر طرفي النهار -وهما أوله وآخره، وزلفا من الليل أي قريبا من الليل. وهذه تشمل أوقات الصلاة المفروضة دون تحديد عددها. والعدد محدد بالسنة ومواقيته كذلك...
والنص يعقب على الأمر بإقامة الصلاة- أي أدائها كاملة مستوفاة -بأن الحسنات يذهبن السيئات. وهو نص عام يشمل كل حسنة، والصلاة من أعظم الحسنات، فهي داخلة فيه بالأولوية. لا أن الصلاة هي الحسنة التي تذهب السيئة بهذا التحديد- كما ذهب بعض المفسرين -: (ذلك ذكرى للذاكرين).. فالصلاة ذكر في أساسها ومن ثم ناسبها هذا التعقيب...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
انتقل من خطاب المؤمنين إلى خطاب النّبيء صلى الله عليه وسلم وهذا الخطاب يتناول جميع الأمّة بقرينة أنّ المأمور به من الواجبات على جميع المسلمين، لا سيما وقد ذكر معه ما يناسب الأوقات المعيّنة للصلوات الخمس، وذلك ما اقتضاه حديث أبي اليُسْر الآتي. وطرف الشيء: منتهاه من أوّله أو من آخره، فالتثنية صريحة في أنّ المراد أوّل النّهار وآخره. و {النّهار}: ما بين الفجر إلى غروب الشمس، سمي نهاراً لأنّ الضياء ينهر فيه، أي يبرز كما يبرز النهْر. والأمر بالإقامة يؤذن بأنّه عمل واجب لأنّ الإقامة إيقاع العمل على ما يستحقه، فتقتضي أنّ المراد بالصّلاة هنا الصلاة المفروضة، فالطّرفان ظَرْفان لإقامة الصّلاة المفروضة، فعلم أن المأمور إيقاع صلاة في أوّل النّهار وهي الصّبح وصلاة في آخره وهي العصر وقيل المغرب. والزُلَف: جمع زُلْفة مثل غُرْفة وغُرَف، وهي السّاعة القريبة من أختها، فعلم أن المأمور إيقاع الصلاة في زلف من اللّيل، ولمّا لم تعيّن الصلوات المأمور بإقامتها في هذه المدّة من الزمان كان ذلك مجملاً فبينته السنةُ والعملُ المتواتر بخمس صلوات هي الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وكان ذلك بيَاناً لآيات كثيرة في القرآن كانت مجملة في تعيين أوقات الصلوات مثل قوله تعالى: {أقم الصّلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء: 78]... والمقصود أن تكون الصّلاة أول أعمال المُسلم إذا أصبح وهي صلاة الصبح وآخر أعماله إذا أمسى وهي صلاة العشاء لتكون السيّئات الحاصلة فيما بيْن ذلك ممحوة بالحسنات الحافّة بها. وهذا مشير إلى حكمة كراهة الحديث بعد صلاة العشاء للحثّ على الصّلاة وخاصة ما كان منها في أوقات تعرض الغفلة عنها. وقد ثبت وجوبهما بأدلّة أخر وليس في هذه الآية ما يقتضي حصر الوجوب في المذكور فيها...
وهذا أمر بالخير؛ يوجهه الله سبحانه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونحن نلحظ في هذه الآيات من سورة هود أنها تحمل أوامر ونواهي؛ الأوامر بالخير دائما؛ والنواهي عن الشر دائما. ونلحظ أن الحق سبحانه قال: {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} ثم وجه النهي للأمة كلها: {ولا تطغوا} ولم يقل "فاستقم ولا تطغَ "لأن الأمر بالخير يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته معه؛ وفي النهي عن الشر يكون الخطاب موجها إلى الأمة، وفي هذا تأكيد لرفعة مكانة النبي صلى الله عليه وسلم. ونرى نفس الأمر حين يوجه الحق سبحانه الحديث إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيقول سبحانه وتعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا} ولم يقل: "ولا تركن إلى الذين ظلموا". وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم ولأمته: {أقم الصلاة}: والإقامة تعني: أداء المطلوب على الوجه الأكمل، مثل إقامة البنيان؛ وأن تجعله مؤديا للغرض المطلوب منه. ويقال:"أقام الشيء "أي: جعله قائما على الأمر الذي يؤدي به مهمته. وقول الحق سبحانه: {وأقم الصلاة طرفي النهار}: أي: نهايته من ناحية، ونهايته من الناحية الأخرى؛ لأن طرف الشيء هو نهايته. وتتحدد نهاية الطرفين من منطقة وسط الشيء، فالوسط هو الفاصل بين الطرفين؛ فما على يمين الوسط يعد طرفا؛ وما على يسار الوسط يعد طرفا آخر؛ وكل جزء بعد الوسط طرف. وعادة ما يعد الوسط هو نقطة المنتصف تماما، وما على يمينها يقسم إلى عشرة أجزاء، وما على يسارها يقسم إلى عشرة أجزاء أخرى، وكل قسم بين تلك الأجزاء التي على اليمين والتي على اليسار يعد طرفا. وقول الحق سبحانه: {وأقم الصلاة طرفي النهار}: يقتضي أن تعرف أن النهار عندنا إنما نتعرف عليه من بواكير الفجر الصادق، وهذا هو أول طرف نقيم فيه صلاة الفجر، ثم يأتي الظهر؛ فإن وقع الظهر قبل الزوال حسبناه من منطقة ما قبل الوسط، وإن كان بعد الزوال حسبناه من منطقة ما بعد الوسط. وبعد الظهر هناك العصر، وهو طرف آخر. وقول الحق سبحانه: {وزلفا من الليل}: يقتضي منا أن نفهم أن كلمة {زلفا} هي جمع: زلفة، وهي مأخوذة من: أزلفه، إذا قربه. والجمع أقله ثلاثة: ونحن نعلم أن لنا في الليل صلاة المغرب، وصلاة العشاء...
ويقول الحق سبحانه بعد ذلك مباشرة: {إن الحسنات يذهبن السيئات}: وهذا التعقيب يضع الصلاة في قمة الحسنات، وقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بأن قال: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر). واختلف العلماء في معنى السيئات والحسنات، وقال بعضهم: الحسنة هي ما جعل الله سبحانه على عملها ثوابا، والسيئة هي ما جعل الله على عملها عقابا. وأول الحسنات في الإيمان أن تشهدوا أن لا إله إلا الله، وهذه حسنة أذهبت الكفر؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات. ولذلك قال بعض العلماء: إن المسلم الذي ارتكب معصية أو كبيرة من الكبائر، لا يخلد في النار؛ لأنه إذا كانت حسنة الإيمان قد أذهبت سيئة الكفر، أفلا تذهب ما دون الكفر؟ وهكذا يخفف العقاب على المسلم فينال عقابه من النار، ولكنه لا يخلد فيها؛ لأننا لا يمكن أن نساوي بين من آمن بالله ومن لم يؤمن بالله. والإيمان بالله هو أكبر حسنة، وهذه الحسنة تذهب الكفر، ومن باب أولى أن تذهب ما دون الكفر. وتساءل بعض العلماء: هل الفرائض هي الحسنات التي تذهب السيئات؟ وأجاب بعضهم: هناك أحاديث صحيحة قد وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسنات في غير الفرائض، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صوم يوم عرفة إلى صوم يوم عرفة يذهب السيئات. ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإنسان الذي يستقبل نعمة الله بقوله: الحمد لله الذي رزقنيه من غير حول مني ولا قوة، والحمد لله الذي كساني من غير حول مني ولا قوة. وهذا القول يكفر السيئات. ألم يقل صلى الله عليه وسلم إنك إذا قلت: سبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهذا القول كفارة؟ إذن: فالحسنات مطلقة سواء أكانت فرضا أم غير فرض، وهي تذهب السيئات، والسيئة هي عمل توعد الله- سبحانه- من يفعله بالعقوبة. وتساءل أيضا بعض العلماء: إن السيئة عمل، والعمل إذا وقع يرفع ويسجل، فكيف تذهبها الحسنة؟ وأجابوا: إن ذهاب السيئة يكون إما عن طريق من يحفظ العمل، ويكتبه عليك، فيمحوه الله من كتاب سيئاتك، أو أن يعفو الله سبحانه وتعالى عنك؛ فلا يعاقبك عليه، أو يكون ذهاب العمل في ذاته فلا يتأتى، وما وقع لا يرتفع؛ أو يحفظها الله إن وقعت؛ لأنه هو سبحانه القائل: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق 18]. ويقول سبحانه: {وإن عليكم لحافظين (10) كراما كاتبين (11)} [الانفطار]. وهكذا يكون إذهاب السيئة، إما محوها من الكتاب، وإما أن تظل في الكتاب، ويذهب الله سبحانه عقوبتها بالمغفرة. والحق سبحانه يقول: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة} [النجم 32]: واجتناب الكبائر لا يمنع من وقوع الصغائر. والحق سبحانه يقول: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت 45]: وحين ننظر إلى مواقيت الصلاة، نجدها خمسة مواقيت، فمن تعلق قلبه بالصلاة، إنما ينشغل قلبه طوال وقت حركته بإقامة الصلاة، ثم يأتي وقت الليل لينام، وكل من يرتكب معصية سينشغل فكره بها لمدة، ولو لم يأت له وقت صلاة لأحس بالضياع، أما إذا ما جاء وقت الصلاة، فقلبه يتجه لله سبحانه طالبا المغفرة. وإن وقعت منه المعصية مرة، فقد لا تقع مرة أخرى، أو أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر في وقت الاستعداد لها، فمن جلس لينم على غيره، أو يظلم الناس، إذا ما سمع أذان الصلاة وقام وتوضأ؛ فقد رحم الناس في وقت وضوئه ووقت صلاته ووقت ختمه للصلاة. وهنا أعمال كثيرة من الفروض والحسنات وهي تمحو السيئات، وعلى المسلم أن ينشغل بزيادة الحسنات، وألا ينشغل بمحو السيئات؛ لأن الحسنة الواحدة بعشرة أمثالها وقد يضاعفها الله سبحانه، أما السيئة فإنما تكتب واحدة. وينهى الحق سبحانه هذه الآية الكريمة بقوله: {ذلك ذكرى للذاكرين}: أي: أن إقامة الصلاة طرفي النهار، وزلفا من الليل هي حسنات تذهب السيئات؛ وفي ذلك ذكرى وتنبيه للنفس إلى شيء غفل عنه، أي: أن هذا الشيء كان موجودا من قبل، ولكن جاءت الغفلة لتنسيه، والإخبار الأول أزال الجهل بهذا الشيء، والإخبار الثاني يذكرك بالحكم؛ لأن آفة الإنسان أن الأمور التي تمر به من المرائي والمدركات، تتوالى وتصير الأشياء التي في بؤرة الشعور إلى حاشية الشعور، فيغفل الإنسان عما صار في حاشية الشعور، ولا بد من مجيء معنى جديد ليذكر بما غاب في حاشية الشعور. ومثال ذلك: إنك إذا ألقيت حجرا في بحر، فهذا الحجر يستقر في بؤرة تصنع حولها دوائر من المياه، وتذهب هذه الدوائر إلى أن تختفي من رؤية الإنسان، ودليل ذلك أن قد تتذكر أحداثا مرت عليك من عشرين عاما أو أكثر، هذه الأحداث كانت موجودة في حاشية الشعور، ثم جاءت لك ما ينبهك إليها. والمخ كآلة التصوير الفوتوغرافية يلتقط أحيانا من مرة واحدة، وأحيانا من مرتين، أو أكثر، والالتقاط من أول مرة إنما يتم لأن المخ في تلك اللحظة كان خاليا من الخواطر. ونحن نجد أن من فقدوا أبصارهم إنما ينعم الله سبحانه عليهم بنعمة أخرى، هي قدرتهم الكبيرة على حفظ العلم؛ لأنه حين يسمع الكفيف العلم لا تشغله الخواطر المرئية التي تسرق انتباه بؤرة الشعور، أما المبصر، فقد تسرق بؤرة شعوره ما يمر أمامه، فيسمع العلم لأكثر من مرة إلى أن يصادف العلم بؤرة الشعور خالية فيستقر فيها. وهكذا تفعل الذكرى؛ لأنها تستدعي ما في حاشية الشعور إلى بؤرة الشعور، فإذا انشغلت عن طاعة وذهبت إلى معصية، فالذكرى توضح لك آفاق المسؤولية التي تتبع المعصية، وهي العقاب. ولذلك يقال:"لا خير في خير بعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة". والحق سبحانه يقول هنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل}. وأنت حين تنظر إلى أركان الإسلام، ستجد أنك تشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله مرة واحدة في العمر، والركن الثاني، وهو الصلاة، وهو ركن لا يسقط أبدا، فهي كل يوم خمس مرات، فيها تنطق بالشهادة، وتزكي ببعض الوقت ليبارك لك الله-سبحانه وتعالى- فيما بقي لك من وقت، وفيها تصوم عن الطعام والشراب وكل ما يفسد الصيام، وأنت تتجه لحظة قيام الصلاة إلى البيت الحرام. ففي الصلاة تتضح العبادات الأخرى، ففيها أركان الإسلام الخمس. ولذلك لا تسقط الصلاة أبدا؛ لأنك إن لم تستطع الصلاة واقفا؛ فلك أن تصلي قاعدا، وإن لم تكن تستطيع الحركة فلك أن تحرك رموش عينيك، وأنت تصلي. وهكذا تجد في الصلاة كل أركان الدين، ولأهميتها نجد أنها تبقى مع الإنسان إلى آخر رمق في حياته، وهي قد أخذت أهميتها في التشريع على قدر أهميتها في التكليف، وكل تكاليف الإسلام قد جاءت بواسطة الوحي إلا الصلاة، فقد جاءت مباشرة من الله تعالى، فقد استدعى الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم إليه ليفرض عليه الصلاة وهي تحية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم نظرا لأنها شرعت في قرب محمد صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه وتعالى. لذلك جعل الحق سبحانه الصلاة المفروضة في القرب وسيلة لقرب أمة رسوله صلى الله عليه وسلم جميعا؛ ولذلك فهي الباقية...