جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ} (5)

وقوله : ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ثم رددناه إلى أرذل العمر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : إلى أرذل العمر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن عمرو ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : إلى أرذل العمر .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) يقول : يردّ إلى أرذل العمر ، كبر حتى ذهب عقله ، وهم نفر رُدّوا إلى أرذل العمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سفهت عقولهم ، فأنزل الله عذرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، قال : سُئل عكرِمة عن قوله : ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : ردّوا إلى أرذل العمر .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مؤمل وعبد الرحمن ، قالا : حدثنا سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، في قوله : ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : إلى أرذل العمر .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، مثله .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم ، مثله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : رددناه إلى الهَرَم .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : الهَرَم .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت الحكم يحدّث ، عن عكرِمة ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : الشيخ الهَرِم ، لم يضرّه كبرُه إن ختم الله له بأحسن ما كان يعمل .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم رددناه إلى النار في أقبح صورة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر الرازيّ ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : في شر صورة ، في صورة خنزير .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : النار .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : إلى النار .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : في النار .

قال : ثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : إلى النار .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : ( قال ) الحسن : جهنم مأواه .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : قال الحسن في قوله( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : في النار .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله( ثُمّ رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ ) قال : إلى النار .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة ، وأشبهها بتأويل الآية ، قول من قال : معناه : ثم رددناه إلى أرذل العمر ، إلى عمر الخَرْفَى الذين ذهبت عقولهم من الهَرَم والكِبر ، فهو في أسفل من سفل : في إدبار العمر وذهاب العقل .

وإنما قلنا : هذا القول أولى بالصواب في ذلك ؛ لأن الله تعالى ذكره أخبر عن خلقه ابن آدم ، وتصريفه في الأحوال ، احتجاجا بذلك على مُنكري قُدرته على البعث بعد الموت . ألا ترى أنه يقول : ( فَمَا يُكَدّبُكَ بَعْدُ بالدّينِ ) يعني : بعد هذه الحُجَج . ومحال أن يحتجّ على قوم كانوا مُنكرين معنى من المعاني ، بما كانوا له مُنكرين . وإنما الحجة على كلّ قوم بما لا يقدرون على دفعه ، مما يعاينونه ويحسّونه ، أو يقرّون به ، وإن لم يكونوا له مُحِسّين .

وإذْ كان ذلك كذلك ، وكان القوم للنار التي كان الله يتوعدهم بها في الآخرة مُنكرين ، وكانوا لأهل الهَرَم والخَرَف من بعد الشباب والجَلَد شاهدين ، عُلِم أنه إنما احتجّ عليهم بما كانوا له مُعاينين ، من تصريفه خلقه ، ونقله إياهم من حال التقويم الحسن والشباب والجلد ، إلى الهَرَم والضعف وفناء العمر ، وحدوث الخَرَف .