الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ} (5)

الثانية- قوله تعالى : " ثم رددناه أسفل سافلين " أي إلى أرذل العمر ، وهو الهرم بعد الشباب ، والضعف بعد القوة ، حتى يصير كالصبي في الحال الأول . قاله الضحاك والكلبي وغيرهما . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد : " ثم رددناه أسفل سافلين " إلى النار ، يعني الكافر . وقال أبو العالية : وقيل : لما وصفه اللّه بتلك الصفات الجليلة التي ركب الإنسان عليها ، طغى وعلا ، حتى قال : " أنا ربكم الأعلى " {[16190]} [ النازعات : 24 ] وحين علم اللّه هذا من عبده ، وقضاؤه صادر من عنده ، رده أسفل سافلين ، بأن جعله مملوءا قذرا ، مشحونا نجاسة ، وأخرجها على ظاهره إخراجا منكرا ، على وجه الاختيار تارة ، وعلى وجه الغلبة أخرى ، حتى إذا شاهد ذلك من أمره ، رجع إل قدره . وقرأ عبد الله " أسفل السافلين " . وقال : " أسفل سافلين " على الجمع ؛ لأن الإنسان في معنى جمع ، ولو قال : أسفل سافل جاز ؛ لأن لفظ الإنسان واحد . وتقول : هذا أفضل قائم . ولا تقول أفضل قائمين ؛ لأنك تضمر لواحد ، فإن كان الواحد غير مضمر له ، رجع اسمه بالتوحيد والجمع ، كقوله تعالى : " والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون " {[16191]} [ الزمر : 33 ] . وقوله تعالى : " وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة " {[16192]} [ الشورى : 48 ] . وقد قيل : إن معنى " رددناه أسفل سافلين " أي رددناه إلي الضلال ، كما قال تعالى : " إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي إلا هؤلاء ، فلا يردون إلى ذلك . والاستثناء على قول من قال " أسفل سافلين " النار ، متصل . ومن قال : إنه الهرم فهو منقطع .


[16190]:آية 24 سورة النازعات.
[16191]:آية 33 سورة الزمر.
[16192]:آية 48 سورة الشورى.