الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ} (5)

{ ثم رددناه أسفل سافلين } يعني : الكافر من ولده .

وعن ابن عباس أن معناه أنه خلق معتدلا مقوما ، وليس شيء من الحيوان إلا خلق منكبا على وجهه إلا الإنسان( {[76523]} ) ، وتقدير الكلام : لقد خلقنا الإنسان في تقويم( {[76524]} ) أحسن تقويم ، ثم حذف الموصوف وقامت الصفة مقامه( {[76525]} ) .

ثم قال : { ثم رددنه أسفل سفلين } أي إلى أرذل العمر من الكبر( {[76526]} ) . ] قاله[ ( {[76527]} ) قتادة( {[76528]} ) والضحاك( {[76529]} ) والنخعي( {[76530]} ) .

وروي أنها نزلت في نفر ( كبروا على عهد الرسول اللهصلى الله عليه وسلم )( {[76531]} ) فسفهت عقولهم ، فسئل عنهم النبيصلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيهم : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون } .

أي : لهم أجرهم ] الذي[ ( {[76532]} ) عملوا قبل أن تذهب عقولهم ، ومثله جار عليهم بعد ذهاب عقولهم .

وقال أبو العالية : معناه : ثم رددناه إلى النار في أقبح صورة ، في صورة خنزير . وهو قول مجاهد : والحسن وابن زيد( {[76533]} ) . ويكون الاستثناء على هذا القول معناه : إلا الذين آمنوا فلهم الجنة .

والإنسان : اسم للجنس ، فلذلك وقع الاستثناء منه . ويدل على أنه بمعنى الجماعة قوله : { أسفل سافلين } ولو( {[76534]} ) أريد( {[76535]} ) به الواحد لقال : " أسفل سافل " . تقول : " هذا أفضل قائم " ، ولا تقول : " أفضل قائمين " ، لأن المشار إليه واحد . ولو قلت : " هؤلاء أفضل قائمين " ( {[76536]} ) حسن ، لأن الأول( {[76537]} ) جمع .

وقال عكرمة : { أسف سافلين } : أرذل( {[76538]} ) العمر ، لكنه قال : من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر . يريد : إذا قرأه وهو كبير هرم( {[76539]} ) ، فلم يرد إلى أرذل العمر . واستدل على ذلك بقوله تعالى : { لكي لا يعلم بعد علم شيئا }( {[76540]} ) .


[76523]:جامع البيان 30/244.
[76524]:ث: تقيوم.
[76525]:إعراب النحاس 5/256.
[76526]:انظر جامع البيان 30/233.
[76527]:م، ث: وقاله.
[76528]:جامع البيان 30/244 وعزاه ابن كثير في تفسيره 4/563 إلى ابن عباس وعكرمة. وانظر نحوه عند ابن قتيبة في الغريب، ص:532.
[76529]:تفسير القرطبي 20/115 وعزاه إلى الكلب أيضا.
[76530]:جامع البيان 30/244، وتفسير ابن كثير 4/563 وابن قتيبة في الغريب، ص:532.
[76531]:على هامش أ.
[76532]:م: الذين.
[76533]:ث: خزي. انظر جامع البيان 30/245 ولم يذكر الخنزير إلا في قول أبي العالية.
[76534]:أ: فلو.
[76535]:ث: أراد.
[76536]:ث: قائمين.
[76537]:أ: هؤلاء. ولعه هو الأنسب. وانظر جامع البيان 30/246.
[76538]:أ: الأرذل- ث: أرذل. وهي في عموم خط النسخة اقرب على النون منها إلى الراء.
[76539]:أ: هم (تحريف)، ث: هدم. بالدال وبعيدة جدا عن رسم الراء.
[76540]:بعض من آية 70: النحل، ويشبهه قوله تعالى: ﴿... لكي لا يعلم بعد علم شيئا﴾ الحج: 5. وانظر جامع البيان 30/246 والدر 8/558.