التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

ثم بين - سبحانه - أنهم بجانب غفلتهم وجهالتهم ، لا يؤمنون إيماناً صحيحاً فقال - تعالى - { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ } .

أى : وما يؤمن أكثر هؤلاء الضالين بالله في إثقرارهم بوجوده ، وفى اعترافهم بأنه هو الخالق ، إلا وهم مشركون به في عقيدتهم وفى عبادتهم وفى تصرفاتهم ، فإنهم مع اعترافهم بأن خالقهم وخالق السموات والأرض هو الله لكنهم مع ذلك كانوا يتقربون إلى أصنامهم بالعبادة ويقولون { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى } والآية تشمل كل شرك سواء أكان ظاهراً أم خفياً ، كبيراً أم صغيراً . وقد ساق ابن كثير هنا جملة من الأحاديث في هذا المعنى ، كلها تنهى عن الشرك أياً كان لونه ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : " عندما سئل أى الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله نداً وهو خلقك " ومنها قوله ؛ " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " " .

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : ما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء " .

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : فيما يرويه عن ربه - عز وجل - يقول الله - تعالى - " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معى غيرى ، تركته وشركه " .

فالآية الكريمة تنهى عن كل شرك ، وتدعو إلى إخلاص العبادة والطاعة لله رب العالمين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

وقوله : { وما يؤمن أكثرهم } الآية ، قال ابن عباس : هي في أهل الكتاب الذين يؤمنون بالله ثم يشركون من حيث كفروا بنبيه ، أو من حيث قالوا عزير ابن الله ، والمسيح ابن الله . وقال عكرمة ومجاهد وقتادة وابن زيد هي في كفار العرب ، وإيمانهم هو إقرارهم بالخالق والرازق والمميت ، فسماه إيماناً وإن أعقبه إشراكهم بالأوثان والأصنام -فهذا الإيمان لغوي فقط من حيث هو تصديقها . وقيل : هذه الآية نزلت بسبب قول قريش في الطواف والتلبية : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع أحدهم يقول : لبيك لا شريك لك ، يقول له : قط قط ، أي قف هنا ولا تزد : إلا شريك هو لك .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا يُؤۡمِنُ أَكۡثَرُهُم بِٱللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشۡرِكُونَ} (106)

جملة { وما يؤمن أكثرهم بالله } في موضع الحال من ضمير { يمرون } أي وما يؤمن أكثر الناس إلا وهم مشركون ، والمراد ب { أكثر الناس } أهل الشرك من العرب . وهذا إبطال لما يزعمونه من الاعتراف بأن الله خالقهم كما في قوله تعالى : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } ، وبأن إيمانهم بالله كالعدم لأنهم لا يؤمنون بوجود الله إلا في تشريكهم معه غيره في الإلهية .

والاستثناء من عموم الأحوال ، فجملة { وهم مشركون } حال من { أكثرهم } . والمقصود من هذا تشنيع حالهم . والأظهر أن يكون هذا من قبيل تأكيد الشيء بما يشبه ضده على وجه التهكم . وإسناد هذا الحكم إلى { أكثرهم } باعتبار أكثر أحْوالهم وأقوالهم لأنهم قد تصدر عنهم أقوال خلية عن ذكر الشريك . وليس المراد أن بعضاً منهم يؤمن بالله غير مشرك معه إلها آخر .