التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

المجلد التاسع

تفسير سورة مريم

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين .

وبعد فهذا تفسير لسورة " مريم " أكتبه بعد أن كتبت قبله تفاسير لسورة : البقرة ، آل عمران ، النساء ، المائدة ، الأنعام ، الأعراف ، الأنفال ، التوبة ، يونس ، هود ، يوسف ، الرعد ، إبراهيم ، الحجر ، النحل ، الإسراء ، الكهف . . .

والله –تعالى- أسأل ، أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، ونافعاً لعباده ، وشفيعاً لنا يوم نلقاه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

د . محمد سيد طنطاوي .

تفسير سورة مريم

تعريف بسورة مريم

1- سورة مريم من السور المكية .

قال القرطبي : وهي مكية بالإجماع . وهي تسعون وثماني آيات( {[1]} ) .

وقال ابن كثير : وقد روى محمد بن إسحاق في السيرة ، من حديث أم سلمة ، وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة ، أن جعفر بن أبي طالب –رضي الله عنه- قرأ صدر هذه السورة على النجاشي( {[2]} ) .

وكان نزولها بعد سورة فاطر( {[3]} ) .

2- ويبدو أن تسميتها بهذا الاسم كان بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخرج الطبراني والديلمي ، من طريق أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده ، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ولدت لي الليلة جارية . فقال : والليلة أنزلت على سورة مريم .

وجاء فيما روي عن ابن عباس ، تسميتها بسورة " كهيعص " ( {[4]} ) .

وقد تكرر اسم مريم في القرآن ثلاثين مرة ، ولم تذكر امرأة سواها باسمها الصريح .

3- والذي يقرأ هذه السورة الكريمة بتدبر وتأمل ، يراها زاخرة بالحديث عن عدد من الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- .

فقد افتتحت بالحديث عن تلك الدعوات التي تضرع بها زكريا إلى ربه ، لكي يهب له وليا ، يرثه ويرث من آل يعقوب .

وقد استجاب الله –تعالى- دعاء زكريا ، فوهبه يحيى كما قال –تعالى- : [ يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ] .

ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن قصة مريم ، بصورة فيها شيء من التفصيل ، فذكرت اعتزالها لقومها ومجيء جبريل إليها وما دار بينه وبينها من محاورات ، ومولدها لعيسى وإتيانها به قومها ، وما دار بينها وبينهم في شأنه . ثم ختمت هذه القصة بالقول الحق في شأن عيسى ، قال –تعالى- : [ ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون . ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه ، إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ، وإن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ] .

5- ثم تحدثت السورة بعد ذلك عن طرف من قصة إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس ، وختمت حديثها عن الرسل الكرام بقوله –تعالى- : [ أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم ، وممن حملنا مع نوح . ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل . وممن هدينا واجتبينا ، إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا ] .

6- ثم حكت السورة الكريمة أنماطاً من الشبهات التي تفوه بها الضالون ، ومن هذه الشبهات ما يتعلق بالبعث والنشور ، ومنها ما يتعلق بموقفهم من القرآن الكريم ومنها ما يتعلق بزعمهم أن الله ولداً . . . وقد ردت على كل شبهة من هذه الشبهات بما يبطلها ، ويخرس ألسنة قائليها .

ومن ذلك قوله –تعالى- : [ ويقول الإنسان أئذا مامت لسوف أخرج حيا* أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئاً ] .

وقوله –سبحانه- : [ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولداً . أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا . كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا . ونرثه ما يقول ويأتينا فرداً ] .

وقوله –عز وجل- : [ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا . لقد جئتم شيئاً إدا . تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا . أن دعوا للرحمن ولدا . وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ] .

7- ومن هذا العرض الإجمالي لآيات السورة الكريمة ، يتبين لنا أن سورة مريم قد اهتمت بإقامة الأدلة على وحدانية الله –تعالى- ، وعلى نفي الشريك والولد عن ذاته –سبحانه- ، كما اهتمت –أيضاً- ، وعلى نفي الشريك والولد عن ذاته –سبحانه- ، كما اهتمت –أيضاً- بإقامة الأدلة على أن البعث حق ، وعلى أن الناس سيحاسبون على أعمالهم يوم القيامة .

كما زخرت السورة بالحديث عن قصص بعض الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- تارة بشيء من التفصيل كما في قصة زكريا وعيسى ابن مريم ، وتارة بشيء من الاختصار والتركيز كما في قصة إبراهيم وموسى وإسماعيل وإدريس .

كما نراها بوضوح تحكي شبهات المشركين . ثم ترد عليها بما يبطلها . . .

وقد ساقت السورة ما ساقت من قضايا ، بأسلوب عاطفي بديع ، يهيج المشاعر نحو الخير والحق والفضيلة ، وينفر من الشر والباطل والرذيلة ، ويطلع العقول على نماذج شتى من مظاهر رحمة الله –تعالى- بعباده الصالحين ترى ذلك في مثل قوله –تعالى- : [ ذكر رحمة ربك عبده زكريا ] .

وفي مثل قوله –سبحانه- : [ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا ] .

8- قال بعض العلماء ما ملخصه : والظل الغالب في جو السورة هو ظل الرحمة والرضا والاتصال . فهي تبدأ بذكر رحمة ربك لعبده زكريا . ويتكرر لفظ الرحمة ومعناها وظلها في ثنايا السورة كثيراً . ويكثر فيها اسم [ الرحمن ] .

وإنك لتحس لمسات الرحمة الندية . ودبيبها اللطيف في الكلمات والعبارات والظلال ، كما تحس انتفاضات الكون وارتجافاته لوقع كلمة الشرك التي لا تطيقها فطرته . . .

كذلك تحس أن للسورة إيقاعاً موسيقياً خاصاً ، فحتى جرس ألفاظها وفواصلها فيه رخاء ، وفيه عمق كألفاظ : رضيا ، سريا ، حفياً ، نجياً . . .

فأما المواضع التي تقتضي الشدة والعنف ، فتجيء فيها الفاصلة مشددة في الغالب ، كألفاظ : ضدّاً ، هدّاً ، إدّاً ، أزّاً( {[5]} ) .

وبعد ؛ فهذا تعريف لسورة مريم ، نرجو أن يكون القارئ له ، قد أخذ صورة مركزة عن أهم المقاصد التي اشتملت عليها السورة الكريمة .

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

سورة ( مريم ) من السور القرآنية التى افتتحت ببعض حروف التهجى .

وقد سبق أن تكلمنا بشىء من التفصيل ، عن آراء العلماء فى المراد بهذه الحروف التى افتتحت بها بعض السور ، وذلك عند تفسيرنا لسور : البقرة ، وآل عمران ، والأعراف ، ويونس . . .

ورجحنا أن هذه الحروف المقطعة ، قد وردت فى افتتاح بعض سور القرآن ، على سبيل الإيقاظ والتنبيه للذين تحداهم القرآن .

فكأن الله - تعالى - يقول لأولئك المعارضين فى أن القرآن من عند الله - تعالى - ، هاكم القرآن ترونه مؤلفا من كلامهو من جنس ما تؤلفون به كلامكم ، ومنظوماً من حروف هى من جنس الحروف الهجائية التى تنظمون منها حروفكم ، فإن كنتم فى شك من كونه منزلاً من عند الله فهاتوا مثله . أو عشر سور من مثله ، بل بسورة واحدة من مثله ، وادعوا من شئتم من الخلق لكى يعاونكم فى ذلك . . .

فلما عجزوا - وهم أهل الفصاحة والبيان - ثبت أن غيرهم أعجز ، وأن هذا القرآن من عند الله { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً }


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
[2]:- سورة الإسراء. الآية 9.
[3]:- سورة المائدة: الآيتان 15، 16.
[4]:- سورة الجن: الآيتان 1، 2.
[5]:- سورة البقرة: الآيتان 23، 24.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة مريم

هذه السورة مكية بإجماع ، إلا السجدة منها ، فقالت فرقة هي مكية ، وقالت فرقة : هي مدنية{[1]}

اختلف الناس في الحروف التي في أوائل السور على قولين فقالت فرقة : هو سر الله في القرآن لا ينبغي أن يعرض له ، يؤمن بظاهره ويترك باطنه . وقال الجمهور بل ينبغي أن يتكلم فيها وتطلب معانيها فإن العرب قد تأتي بالحرف الواحد دالاً على كلمة وليس في كتاب الله ما لا يفهم ، ثم اختلف هذا الجمهور على أقوال قد استوفينا ذكرها في سورة البقرة ، ونذكر الآن ما يختص بهذه السورة . قال ابن عباس وابن جبير والضحاك هذه حروف دالة على أسماء من أسماء الله تعالى الكاف من «كبير » وقال ابن جبير أيضاً الكاف من «كاف » وقال أيضاً هي من «كريم » فمقتضى أقواله أنها دالة على كل اسم فيه كاف من أسمائه تعالى . قالوا والهاء من «هاد » والياء من «علي » وقيل من «حكيم » وقال الربيع بن أنس هي من «يأمن » لا يجير ولا يجار عليه . قال ابن عباس والعين من «عزيز » وقيل من «عليم » وقيل من «عدل » ، والصاد من «صادق » وقال قتادة بل { كهيعص } بجملته اسم السورة ، وقالت فرقة بل هي اسم من أسماء الله تعالى . وروي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه أنه كان يقول يا { كهيعص } اغفر لي ، فهذا يحتمل أن تكون الجملة من أسماء الله تعالى ويحتمل ان يريد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينادي الله تعالى بجميع الأسماء التي تضمنها { كهيعص } ، كأنه أراد أن يقول «يا كريم يا هادي يا علي يا عزيز يا صادق » اغفر ، فجمع هذا كله باختصار في قوله يا { كهيعص } . وقال ابن المستنير وغيره { كهيعص } عبارة عن حروف المعجم ، ونسبه الزجاج الى أكثر أهل اللغة ، أي هذه الحروف منها { ذكر رحمة ربك عبده زكريا } وعلى هذا يتركب قول من يقول ارتفع { ذكرُ } بانه خبر عن { كهيعص } ، وهي حروف تهج يوقف عليها بالسكون . وقرأ الجميع كاف بإثبات الألف والفاء . وقرأ نافع الهاء والياء وبين الكسر والفتح ولا يدغم الدال في الذال{[7914]} ، وقرأ ابن كثير ونافع أيضاً بفتح الهاء والياء ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن بضم الهاء وفتح الياء ، وروي عنه ضم الياء ، وروي عنه أنه قرأ كاف بضم الفاء .

قال أبو عمرو الداني : معنى الضم في الهاء والياء إشباع التفخيم وليس الضم الخالص الذي يوجب القلب ، وقرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء ، وقرأ عاصم بكسرها ، وقرأت فرقة بإظهار النون من عين وهي قراءة حفص عن عاصم وهو القياس إذ هي حروف منفصلة ، وقرأ الجميع غيره بإخفاء النون جعلوها في حكم الاتصال ، وقرأ الأكثر بإظهار الدال من صاد ، وقرأ أبو عمرو بإدغامه في الذال من قوله { ذكر } ، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بإظهار هذه الحروف كلها وتخليص بعضها من بعض .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[7914]:يريد الدال من (صاد) والذال من (ذكر).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كٓهيعٓصٓ} (1)

مقدمة السورة:

اسم هذه السورة في المصاحف وكتب التفسير وأكثر كتب السنة سورة مريم . ورويت هذه التسمية عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الطبراني والديلمي ، وابن منده ، وأبو نعيم ، وأبو أحمد الحاكم : عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني عن أبيه عن جده أبي مريم قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إنه ولدت لي الليلة جارية ، فقال : والليلة أنزلت علي سورة مريم فسمها مريم . فكان يكنى أبا مريم ، واشتهر بكنيته . واسمه نذير ، ويظهر أنه أنصاري .

وابن عباس سماها سورة كهيعص ، وكذلك وقعت تسميتها في صحيح البخاري في كتاب التفسير في أكثر النسخ وأصحها . ولم يعدها جلال الدين في الإتقان في عداد السور المسماة باسمين ولعله لم ير الثاني اسما .

وهي مكية عند الجمهور . وعن مقاتل : أن آية السجدة مدنية . ولا يستقيم هذا القول لاتصال تلك الآية بالآيات قبلها إلا أن تكون ألحقت بها في النزول وهو بعيد .

وذكر السيوطي في الإتقان قولا بأن قوله تعالى { وإن منكم إلا واردها } الآية مدني ، ولم يعزه لقائل .

وهي السورة الرابعة والأربعون في ترتيب النزول ؛ نزلت بعد سورة فاطر وقبل سورة طه . وكان نزول سورة طه قبل إسلام عمر بن الخطاب كما يؤخذ من قصة إسلامه فيكون نزول هذه السورة أثناء سنة أربع من البعثة مع أن السورة مكية ، وليس أبو مريم هذا معدودا في المسلمين الأولين فلا أحسب الحديث المروي عنه مقبولا .

ووجه التسمية أنها بسطت فيها قصة مريم وابنها وأهلها قبل أن تفصل في غيرها . ولا يشبهها في ذلك إلا سورة آل عمران التي نزلت في المدينة .

وعدت آياتها في عدد أهل المدينة ومكة تسعا وتسعين . وفي عدد أهل الشام والكوفة ثمانا وتسعين .

أغراض السورة

ويظهر أن هذه السورة نزلت للرد على اليهود فيما اقترفوه من القول الشنيع في مريم وابنها ، فكان فيها بيان نزاهة آل عمران وقداستهم في الخير .

وهل يثبت الخطي إلا وشيجه ثم التنويه بجمع من الأنبياء والمرسلين من أسلاف هؤلاء وقرابتهم . والإنحاء على بعض خلفهم من ذرياتهم الذين لم يكونوا على سننهم في الخير من أهل الكتاب والمشركين وأتوا بفاحش من القول إذ نسبوا لله ولدا ، وأنكر المشركون منهم البعث وأثبت النصارى ولدا لله تعالى .

والتنويه بشأن القرآن في تبشيره ونذارته . وأن الله يسره بكونه عربيا ليسر تلك اللغة .

والإنذار مما حل بالمكذبين من الأمم من الاستئصال .

واشتملت على كرامة زكريا إذ أجاب الله دعاءه فرزقه ولدا على الكبر وعقر امرأته .

وكرامة مريم بخارق العادة في حملها وقداسة ولدها ، وهو إرهاص لنبوءة عيسى عليه السلام ، ومثله كلامه في المهد .

والتنويه بإبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، وموسى ، وإسماعيل ، وإدريس عليه السلام .

ووصف الجنة وأهلها .

وحكاية إنكار المشركين البعث بمقالة أبي بن خلف والعاصي ابن وائل وتبجحهم على المسلمين بمقامهم ومجامعهم .

وإنذار المشركين أن أصنامهم التي اعتزوا بها سيندمون على اتخاذها .

ووعد الرسول النصر على أعدائه .

وذكر ضرب من كفرهم بنسبة الولد لله تعالى .

والتنويه بالقرآن ولملته العربية ، وأنه بشير لأوليائه ونذير بهلاك معانديه كما هلكت قرون قبلهم .

وقد تكرر في هذه السورة صفة الرحمان ست عشرة مرة ، وذكر اسم الرحمة أربع مرات ، فأنبأ بأن من مقاصدها تحقيق وصف الله تعالى بصفة الرحمان . والرد على المشركين الذين تقعروا بإنكار هذا الوصف كما حكى الله تعالى عنهم في قوله في سورة الفرقان { وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن } .

ووقع في هذه السورة استطراد بآية { وما نتنزل إلا بأمر ربك } .

{ كهيعص }

حروف هجاء مرسومة بمسمياتها ومقروءة بأسمائها فكأنها كتبت لمن يتهجاها . وقد تقدم القول في مجموع نظائرها . وفي المختار من الأقوال منها في سورة البقرة وكذلك موقعها من الكلام .

والأصل في النطق بهذه الحروف أن يكون كل حرف منها موقوفاً عليه ، لأنّ الأصل فيها أنها تعداد حروف مستقلة أو مختزلة من كلمات .

وقرأ الجمهور جميع أسماء هذه الحروف الخمسة بإخلاص الحركات والسكون بإسكان أواخر أسمائها .

وقرأ أبو عمرو ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب اسمَ الحرف الثاني وهو { ها } بالإمالة . وفي رواية عن نافع وابن كثير ( ها ) بحركة بين الكسر والفتح . وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ( يا ) بالإمالة .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وعاصم ، وأبو جعفر بإظهار دَال ( صاد ) . وقرأ الباقون بإدغامه في ذال ذكر { رحمة ربك } [ مريم : 2 ] وإنما لم يمد ( ها ) و ( يا ) مع أنّ القارىء إنما ينطق بأسماء هذه الحروف التي في أوائل السور لا بمسمياتها المكتوبة أشكالُها ، واسمَا هذين الحرفين مختومان بهمزة مخففة للوجه الذي ذكرناه في طالع سورة يونس وهو التخفيف بإزالة الهمزة لأجل السكت .

واعلم أنك إن جريت على غير المختار في معاني فواتح السور ، فأما الأقوال التي جعلت الفواتح كلها متحدة في المراد فالأمر ظاهر ، وأما الأقوال التي خصت بعضها بمعان ، فقيل في معنى { كهيعص } إن حروفها مقتضبة من أسمائه تعالى : الكافي أو الكريم أو الكبير ، والهاء من هادي ، والياء من حكيم أو رحيم ، والعين من العليم أو العظيم ، والصاد من الصادق ، وقيل مجموعها اسم من أسمائه تعالى ، حتى قيل هو الاسم الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب ، وقيل اسم من أسماء القرآن ، أي بتسمية جديدة ، وليس في ذلك حديث يعتمد .