التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَيَلۡبَسُونَ ثِيَابًا خُضۡرٗا مِّن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقٗا} (31)

ثم بين - سبحانه - ما أعده لهؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ألوان النعيم فقال : { أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ } .

ولفظ { عدن } بمعنى إقامة لا رحيل بعدها ولا تحول . وأصله من عدن فلان بالمكان . إذ أقام به واستقر فيه .

أى : أولئك الذين عمروا دنياهم بالإِيمان والعمل الصالح لهم جنات يقيمون فيها إقامة دائمة ، تجرى من تحت مساكنهم الأنهار .

{ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } والأساور : جمع سوار . وهو نوع من الحلى يلبس بزند اليد .

أى : يلبسون فى تلك الجنات أساور من ذهب على سبيل التزين والتكريم .

ولا مانع من أن يضاف إلى هذه الأساور الذهبية ، أساور أخرى من فضة ، وثالثة من لؤلؤ كما فى قوله - تعالى - :

{ وَحُلُّواْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ }

وقوله - سبحانه - :

{ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً . . }

وفى الصحيحين عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " .

وقوله { وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ } معطوف على ما قبله .

والسندس : ما رق من الحرير واحده سندسة .

والإِستبرق : ما غلظ منه وثخن ، واحده إستبرقة .

أى : يتزينون فى الجنات بأساور من ذهب ، ويلبسون فيها ثيابا خضرا من رقيق الحرير ومن غليظه .

ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَآئِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } .

والأرائك : جمع أريكة . وهو كل ما يتكأ عليه من سرير أو فراش .

أى : متكئين فى الجنات على الأرائك شأن المتنعمين المترفهين { نعم الثواب } ذلك الذى وعدهم الله - تعالى - به { وحسنت } تلك الأرائك فى الجنات { مرتفقا } .

أى : متكأ ومقرا ومجلسا ومسكنا .

وبذلك نرى الآية الكريمة قد اشتملت على ألوان متعددة من التكريم والثواب لأولئك المؤمنين الذين عمروا دنياهم بالعمل الصالح .

فقد بشرهم - سبحانه - بجنات عدن ، ثم بشرهم ثانيا بأن الأنهار تجرى من تحتهم ، ثم بشرهم ثالثا بأنهم يحلون فيها من أساور من ذهب ، ثم بشرهم رابعا بأنهم يلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ، ثم بشرهم خامساً ، بأنهم يتكئون فى تلك الجنات على الأرائك .

وفى هذه البشارات ما فيها من الحض على المسارعة إلى العمل الصالح ، الذى يرفع درجات المؤمن إلى أعلى عليين ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ، نسأل الله - تعالى - أن يرزقنا هذا الفضل ، فهو أكرم مسئول ، وأعظم مأمور .

ثم ساقت السورة الكريمة مثلا للنفس الإِنسانية المغرورة المتفاخرة بزينة الحياة الدنيا ، الجاحدة لنعم الله . . . وللنفس الإِنسانية المتواضعة ، المعتزة بعقيدتها السليمة ، الشاكرة لربها . . . لكى يكون فى هذا المثل عبرة وعظة لمن كان له قلب ، فقال - تعالى - : { وَاضْرِبْ لهُمْ مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً } .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُمۡ جَنَّـٰتُ عَدۡنٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَيَلۡبَسُونَ ثِيَابًا خُضۡرٗا مِّن سُندُسٖ وَإِسۡتَبۡرَقٖ مُّتَّكِـِٔينَ فِيهَا عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِۚ نِعۡمَ ٱلثَّوَابُ وَحَسُنَتۡ مُرۡتَفَقٗا} (31)

و «العدن » : الإقامة ، ومنه المعدن ، لأن حجره مقيم فيه ثابت ، وقوله { من تحتهم } يريد من تحت غرفهم ، ومبانيهم ، وقرأ الجمهور «من أساور » وروى أبان عن عاصم «أسورة » من غير ألف ، وبزيادة هاء . وواحد الأساور إسوار ، حذفت الياء من الجمع لأن الباب أساوير ، وهي ما كان من الحلي في الذراع . وقيل { أساور } جمع إسورة ، وإسورة جمع سوار ، وإنما الإسوار بالفارسية القائد ونحوه ويقال في حلي الذراع أسوار ، ذكره أبو عبيدة معمر ومنه قول الشاعر : [ الرجز ]

والله لولا صبية صغار . . . كأنما وجوهم أقمار

تضمهم من العتيك دار . . . أخاف أن يصيبهم إقتار

أو لاضم ليس له أسوار . . . لما رآني ملك جبار

ببابه ما وضح النهار{[2]} . . . أنشده أبو بكر بن الأنباري حاشية في كتاب أبي عبيدة ، و «السندس » : رقيق الديباج ، و «الاستبرق » ما غلظ منه ، وقال بعض الناس هي لفظة أعجمية عربت ، وأصلها استبره ، وقال بعضهم بل هو الفعل العربي ، سمي به فهو استبرق من الريق فغير حين سمي به بقطع الألف ، ويقوي هذا القول أن ابن محيصن قرأ «من سندس وإستبرق » فجاء موصول الهمزة حيث وقع ولا يجزمه ، بل بفتح القاف ، ذكره الأهوازي ، وذكره أبو الفتح ، وقال هذا سهو أو كالسهو و { الأرائك } جمع أريكة هي السرير في المجال ، والضمير في قوله { وحسنت } للجنات وحكى النقاش عن أبي عمران الجوني أنه قال : «الاستبرق » الحرير المنسوج بالذهب ، وحكى مكي والزهراوي وغيرهما حديثاً مضمنه أن قوله تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، سأل أعرابي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الآي فقال النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي : «أعلم قومك أنها نزلت في هؤلاء الأربعة{[3]} ، وهم حضور » .


[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
[3]:- أخرجه الإمام مالك في الموطأ المشهور بلفظ: (السبع المثاني القرآن العظيم الذي أعطيته) والترمذي وغيرهما، وخرج ذلك أيضا الإمام البخاري وغيره، عن أبي سعيد ابن المعلى في أول كتاب التفسير، وفي أول كتاب الفضائل بلفظ: (السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته). والسبع الطوال هي: البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، والأنفال، فقوله: والسبع الطوال إلخ. رد على من يقول: إنما السبع المثاني.