التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

وقوله - سبحانه - : { أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال وَتَقْطَعُونَ السبيل وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر . . } بيان لتلك الفاحشة التى كانوا يقترفونها ، والاستفهام للتأنيب والتقريع .

والسبيل : الطريق . والنادى : اسم جنس للمكان الذى يجتمع فيه الناس لأمر من الأمور ، أى : أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء ، وتقطعون الطريق على المارة ، بأن تنتهبوا أموالهم ، أو بأن تكرهوهم إكراها على ارتكاب الفاحش معهم ، أو بأن تعتدوا عليهم بأى صورة من الصور ، وفضلا عن كل ذلك فإنكم ترتكبون المنكرات فى مجالسكم الخاصة ، وفى نواديكم التى تتلاقون فيها .

فأنت ترى أن نبيهم - عليه السلام - قد وصفهم بأوصاف ، كل صفة أقبح من سابقتهان والباعث لهم على ارتكاب تلك المنكرات ، هو انتكاس فطرتهم ، وفساد نفوسهم ، وشذوذ شهواتهم .

فماذا كان جوابهم على نبيهم - عليه السلام - ؟ لقد كان جوابهم فى غاية التبجح والسفاهة ، وقد حكاه القرآن فى قوله : { فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين } .

أى : فما كان جواب قوم لوط عليه ، إلا أن قالوا له على سبيل الاستخفاف بوعظه وزجره : ائتنا يا لوط بعذاب الله الذى تتوعدنا به ، إن كنت صادقا فى دعواك انك رسول ، وفى دعواك أن عذابا سينزل علينا ، بسبب أفعالنا هذه التى ألفناها وأحببناها .

وهكذا نرى أن هؤلاء المجرمين ، قد قابلوا نصح نبيهم تارة بالاستخاف والاستهزاء كما هنا ، وتارة بالتهديد والوعيد ، كما فى قوله - تعالى - : { أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ }

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَئِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقۡطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأۡتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلۡمُنكَرَۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُواْ ٱئۡتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ} (29)

تقدم القوم في القرآن في { أئنكم } ، واختلف الناس في قطع السبيل المشار إليه ها هنا ، فقالت فرقة : كان قطع الطريق بالسلب فاشياً فيهم ، وقال ابن زيد : كانوا يقطعون الطرق على الناس لطلب الفاحشة فكانوا يخيفون ، وقالت فرقة : بل أراد قطع سبيل النسل في ترك النساء وإتيان الرجال ، وقالت فرقة : أراد أنهم لقبح الأحدوثة عنهم يقطعون سبل الناس عن قصدهم في التجارات وغيرها ، و «النادي » المجلس الذي يجتمع فيه الناس وهو اسم جنس لأن الأندية في المدن كثيرة فكأنه قال وتأتون في اجتماعكم حيث اجتمعتم .

واختلف الناس في { المنكر } ، فقالت فرقة كانوا يحذفون{[9243]} الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب والخاطر عليهم وروته أم هاني عن النبي صلى الله عليه وسلم{[9244]} وكانت حلقهم مهملة لا يربطهم دين ولا مروءة ، وقال مجاهد ومنصور : كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضاً ، وقال القاسم بن محمد : منكرهم أنهم كانوا يتفاعلون في مجالسهم ، ذكره الزهراوي ، وقال ابن عباس كانوا يتضارطون ويتصافعون في مجالسهم ، وقال مجاهد أيضاً : كان أمرهم لعب الحمام وتطريف الأصابع بالحناء والصفير والحذف ونبذ الحياء في جميع أمورهم وقد توجد هذه الأمور في بعض عصاة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالتناهي واجب ، فلما وقفهم لوط على هذه القبائح رجعوا إلى التكذيب واللجاج فقالوا { ائتنا } بالعذاب ، أي أن ذلك لا يكون ولا تقدر عليه ، وهم لم يقولوا هذا إلا وهم مصممون على اعتقاد كذبه{[9245]} ، وليس يصح في الفطرة أن يكون معاند يقول هذا .


[9243]:(حذف): بالخاء والذال المعجمتين – هو الرمي بالحصى أو النواة تأخذها بين إصبعيك وترمي بها، أو تتخذ مخذفة من خشب ثم ترمي بها الحصاة بين إبهامك والسبابة. واما (حذف) بالحاء المهملة فهو يستعمل في الرمي والضرب بالعصا.
[9244]:أخرجه أحمد في مسنده، والطبري وحسنه، والسيوطي في الدر المنثور، وقال: أخرجه- غير السابقين- الفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، وابن المنذر، والشاشي، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي وغيرهم، ولفظه كما أثبته القرطبي: قالت أم هانىء: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل: {وتأتون في ناديكم المنكر}، قال: (كانوا يخذفون من يمر بهم ويسخرون منه، فذلك المنكر الذي كانوا يأتونه). وقد زاد من رواته: النحاس، والثعلبي، والمهدوي، والماوردي، والطيالسي.
[9245]:في الأصل "اعتقاد كذبهم" والمعنى لا يستقيم إلا بما أثبتناه.