التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

وبعد هذا الحديث عن مظاهر قدرة الله فى هذا الكون ، جاءت الآيات بعد ذلك لتهديد الذين يلحدون فى آياته - تعالى - ولتمدح القرآن الكريم ، ولتسلى النبى صلى الله عليه وسلم عما لقيه من أعدائه ، ولتبين أن من عمل صالحا فثمار عمله لنفسه ، ومن عمل سيئا فعلى نفسه وحده يجبنى . . قال - تعالى - :

{ إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن . . . } .

قوله - تعالى - { يُلْحِدُونَ } من الإلحاد وهو الميل عن الاستقامة ، والعدول عن الحق .

يقال ألحد فلان فى كلامه إذا مال عن الصواب ، ومنه اللحد فى القبر ، لأنه أميل إلى ناحية منه دون الأخرى .

والمعنى : إن الذين يميلون عن الحق فى شأن آياتنا بأن يؤولوها تأويلا فاسدا ، أو يقابلوها باللغو فيها وعدم التدبر لما اشتملت عليه من توجيهات حكيمة . .

هؤلاء الذين يفعلون ذلك : { لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ } أى ليسوا بغائبين عن علمنا ، بل هم تحت بصرنا وقدرتنا ، وسنجازيهم بما يستحقون من عقاب مهما ألحدوا ومالوا عن الحق والصواب .

فالجملة تهديد لهم على تحريفهم الباطل لآيات الله - تعالى - .

ثم بين - سبحانه - البون الشاسع بين عاقبة المؤمنين وعاقبة الكافرين ، فقال : { أَفَمَن يلقى فِي النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتي آمِناً يَوْمَ القيامة } ؟

والغرض من هذا الاستفهام بيان أن الذين يلحدون فى آيات الله سيكون مصيرهم الإِلقاء فى النار ، وأن الذين استجابوا للحق وساروا على طريقه وهم المؤمنون ، سيأتون آمنين من الفزع يوم القيامة .

قال الآلوسى : " وكان الظاهر أن يقابل الإِلقاء فى النار بدخول الجنة ، لكنه عدل عنه إلى ما فى النظم الجليل ، اعتناء بشأن المؤمنين ، لأن الأمن من العذاب أعم وأهم ، ولذا عبر عن الأول بالإلقاء الدال على القهر والقسر ، وعبر عن الثانى بالإِتيان الدال على أنه بالاختيار والرضا ، مع الأمن ودخول الجنة . . "

وقوله - تعالى - : { اعملوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } تهديد آخر لهم على إلحادهم .

أى : اعملوا أيها المحلدون ما شئتم من أعمال قبيحة ، فإنها لا تخفى على خالقكم - عز وجل - ، لأنه بصير بكم ، ومطلع على أفعالكم ، وسيجازيكم عليها الجزاء العادل الذى تستحقونه .

فالمقصود من الأمر فى قوله - تعالى - { اعملوا } التهديد والوعيد .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ ءَايَٰتِنَا لَا يَخۡفَوۡنَ عَلَيۡنَآۗ أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنٗا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (40)

هذه آية وعيد . والإلحاد : الميل ، وهو هاهنا عن الحق ، ومن الإلحاد : لحد الميت ، لأنه في جانب ، يقال لحد الرجل وألحد بمعنى .

وقرأ الجمهور : «يُلحدون » بضم الياء من ألحد . وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش : «يَلحَدون » بفتح الياء والحاء من لحد .

واختلف المفسرون في الإلحاد الذي أشير إليه ما هو ؟ فقال قتادة وغيره : الإلحاد بالتكذيب . وقال مجاهد وغيره : الإلحاد بالمكاء والصفير واللغو الذي ذهبوا إليه . وقال ابن عباس : إلحادهم هو أن يوضع الكلام غير موضعه ، ولفظة الإلحاد تعم هذا كله .

وقوله : { لا يخفون علينا } أي فنحن بالمرصاد لهم وسنعذبهم ، ثم قرر على هذين القسمين أنهما خير ، وهذا التقرير هم المراد به ، أي فقل لهم يا محمد { أفمن } . قال مقاتل : نزلت هذه الآية في أبي جهل وعثمان بن عفان ، وقيل في عمار بن ياسر ، وحسن التفضيل هنا بين الإلقاء في النار والأمن يوم القيامة وإن كانا لا يشتركان في صفة الخير من حيث كان الكلام تقريراً لا مجرد خبر ، لأن المقرر قد يقرر خصمه على قسمين : أحدهما بين الفساد حتى يرى جوابه ، فعساه يقع في الفاسد المعنى فيبين جهله ، وقد تقدم نظير هذه الآية واستيعاب القول في هذا المعنى ، ولا يتجه هنا أن يقال خاطب على معتقدهم كما يتجه ذلك في قوله : { خير مستقراً }{[10087]} فتأمله .

وقوله تعالى : { اعملوا ما شئتم } وعيد في صيغة الأمر بإجماع من أهل العلم ، ودليل الوعيد ومبينه قوله : { إنه بما تعملون بصير } .


[10087]:من قوله تعالى في الآية (24) من سورة (الفرقان): {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}.