التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (15)

أما الفائدة الخامسة فقد بينها - سبحانه - . في قوله { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } : أى : ويذهب غيظ قلوب هؤلاء القوم المؤمنين ويزيل كربها وغمها ، لأن الشخص الذي طال أذى خصمه له . ثم مكنه منه على أحسنا لوجوه فإن هذا الشخص في هذه الحالة يعظم سروره ، ويفرح قلبه ، ويتحول غيظه السابق إلى غبطة وارتياح نفسى .

قال الآلوسى : " وظاهر العطف أن إذهاب الغيظ غير شفاء الصدور . ووجه بأن الشفاء يكون بقتل الأعداء وخزيهم ، وإذهاب الغيظ يكون بالنصر عليهم . . وقيل ؛ إذهاب الغيظ كالتأكيد لشفاء الصدر ، وفائدته المبالغة في جعلهم مسرورين بما يمن الله به عليهم من تعذيبه لأعدائهم ، ونصرته لهم عليهم ، ولعل إذهاب الغيظ من القلب أبلغ مما عطف عليه ، فيكون ذكره من باب الترقى . .

وقوله : - تعالى - { وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ } كلام مستأنف لبيان شمول قدرة الله - تعالى - ، وواسع رحمته ، وبالغ حكمته .

أى : ويتوب الله على من يشاء أن يتوب عليه من عباده فيوفقه للايمان ، ويشرح صدره للاسلام ، والله - تعالى - عليم بسائر شئون خلقه ، حكيم في كل أقواله وأفعاله وسائر تصرفاته ، فامتثلوا أمره ، واجتنبوا نهيه ، لتنالوا السعادة في دنياكم وآخرتكم .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : وهذه الآية تدل على كون الصحابة مؤمنين في علم الله - تعالى - إيمانا حقيقيا ؛ لأنها تدل على أن قلوبهم كانت مملوءة بالغضب وبالحمية من أجل الدين ، ومن أجل الرغبة الشديدة في علو دين الإِسلام ، وهذه الأحوال لا تحصل إلا في قلوب المؤمنين الصادقين .

كما تدل على أنها من المعجزات ، لأنه - تعالى - أخبر عن حصول هذه الأحوال ، وقد وقعت كما أخبر فقد انتصر المؤمنون ، وأسلم من المشركين أناس كثيرون - فيكون ذلك إخبار عن الغيب ، والإِخبار عن الغيب معجزة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (15)

وقرأ جمهور الناس «ويُذهب غيظ قلوبهم » على إسناد الفعل إلى الله عز وجل ، وقرأت فرقة «ويَذهب غيظ قلوبهم » على إسناد الفعل إلى الغيظ ، وقرأ جمهور الناس «يتوبُ » بالرفع على القطع مما قبله ، والمعنى أن الآية استأنفت الخبر بأنه قد يتوب على بعض هؤلاء الكفرة الذين أمر بقتالهم ، قال أبو الفتح : وهذا أمر موجود سواء قوتلوا أو لم يقاتلوا ، فلا وجه لإدخال التوبة في جواب الشرط الذي في { قاتلوهم } على قراءة النصب ، وإنما الوجه الرفع على الاستئناف والقطع ، وقرأ الأعرج وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وعمرو بن عبيد وأبو عمرو فيما روي عنه «ويتوبَ » بالنصب على تقدير وأن يتوب ، ويتوجه ذلك عندي إذا ذهبت إلى أن التوبة إنما يراد بها هنا أن قتل الكافرين والجهاد في سبيل الله هو توبة لكم أيها المؤمنون وكمال لإيمانكم ، فتدخل التوبة على هذا في شرط القتال{[5551]} ، و { عليم حكيم } صفتان نسبتهما إلى الآية واضحة .


[5551]:- بدأت الآية الكريمة بأمر هو (قاتلوهم)، وبعده جوابه (يعذبهم الله)، وفي الأمر معنى الشرط، والتقدير: إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، ثم جاء بعد الجواب قوله (ويخزهم)، و(ينصركم عليهم)، و(يشف صدور قوم)، (ويذهب غيظ قلوبهم)- وكلها مجزومة بالعطف على [يعذب]، ويجوز فيها كلها الرفع على القطع من الأول والاستئناف، ويجوز النصب على إضمار (أن) وهو ما يسمى الصرف عند الكوفيين، وعليه قول الشاعر: فإن يهلك أبو قابوس يهلك ربيع الناس والشهر الحرام ونأخذ بعده بذناب عـيش أجبّ الظهر ليس له سنام وإن شئت رفعت (نأخذ) على القطع، وإن شئت نصبته. لكن جاءت بعد ذلك جملة {ويتوب الله} والقراءة فيها بالرفع على الاستئناف، ولا يجوز الجزم لأنه ليس من جنس الأول، لأن القتال غير موجب لهم التوبة من الله كما أوجب لهم العذاب والخزي، وكما أوجب شفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظهم، ونظير قوله تعالى: {فإن يشإ الله يختم على قلبك} فقد تم الكلام، ثم قال سبحانه: {ويمح الله الباطل}، هذا وقد ذكر ابن عطية التعليل المقبول لجواز النصب في [ويتوب] على معنى أن نعتبر الجهاد في سبيل الله وقتل الكفار توبة.