التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

ثم ساق - سبحانه - ما يغرس الطمأنينة فى قلوب المؤمنين ، الذين اشتركوا فى تخريب ديار بنى النضير ، وفى قطع نخيلهم ، فقال - تعالى - : { مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } .

و " ما " شرطية فى موضع نصب ، بقوله : { قَطَعْتُمْ } وقوله : { مِّن لِّينَةٍ } بيان لها . .

وقوله : { فَبِإِذْنِ الله } جزاء الشرط . واللام فى قوله - تعالى - : { وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } متعلقة بمحذوف .

واللينةواحدة اللين ، وهو النخل كله ، أو كرام النخل فقط .

قال الآلوسى ما ملخصه : اللينة هى النخلة مطلقا . . . وهى فعلة من اللَّونِ ، وياؤها مقلوبة عن واو لكسر ما قبلها - فأصل لِينَة : لِوْنَة . .

وقيل : اللينة : النخلة مطلقا . . . وقيل : هى النخلة القصيرة ، وقيل : الكريمة من النخل . . ويمكن أن يقال : أراد باللينة النخلة الكريمة .

وقد ذكروا فى سبب نزول الآية روايات منها : أن المسلمين عندما أخذوا فى تقطيع نخيل اليهود ، قال اليهود للنبى - صلى الله عليه وسلم - : ( يا محمد إنك تنهى عن الفساد ، فما بالك تأمر بقطع النخيل ؟ )فأنزل الله هذه الآية .

وقيل : إن المسلمين بعد أن قطعوا بعض النخيل ، ظنوا أنهم قد أخطأوا فى ذلك ، فقالوا : لنسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلت هذه الآية .

وقيل : إن المسلمين نهى بعضهم بعضا عن قطع النخيل ، وقالوا إنما هى مغانم للمسلمين ، فنزلت هذه الآية ؛ لتصديق من نهى عن القطع ، وتحليل من قطع من الإثم .

والمعنى : لا تختلفوا - ايها المؤمنون - فى شأن ما فعلتموه بنخيل بنى النضير ، فإن ذلك قطع شيئا من هذه النخيل لا إثم عليه ، والذى لم يقطع لا إثم عليه - أيضا - لأن كلا الأمرين بإذن الله - تعالى - ورضاه ، وفى كليهما مصلحة لكم .

لأن من قطع يكون قد فعل ما يغيظ العدو ويذله ، ويحمله على الاستسلام والخضوع لأمركم . . .

ومن ترك يكون قد فعل ما يعود بالخير عليكم ، لأن تلك النخيل الباقية ، منفعتها ستئول إليكم .

وقد شرع - سبحانه - لكم كلا الأمرين فى هذا المقام { وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } عن أمره ، وهم يهود بنى النضير ، ومن ناصرهم ، وأيدهم ، وسار على طريقتهم فى الخيانة والغدر .

فالآية الكريمة المقصود بها : إدخال المسرة والبهجة فى قلوب المؤمنين ، حتى لا يتأثروا بما حدث منهم بالنسبة لنخيل بنى النضير ، وحتى يتركوا الخلاف فى شأن هذه المسألة ، بعد أن صدر حكم الله - تعالى - فيها ، وهو أن القطع والترك بإذنه ورضاه ، لأن كلا الأمرين يغرس الحسرة فى قلوب الأعداء .

وعبر - سبحانه - باللينة عن النخلة ، لأن لفظ " لينة " أخف لفظا ، وأدخل فى كونها نخلة من كرام النخل .

وقال - سبحانه - : { أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً على أُصُولِهَا } لتصوير هيئتها وحسنها وأن فروعها قد بقيت قائمة على أصولها ، التى هى جذورها وجذوعها .

قال الآلوسى : وقوله : { وَلِيُخْزِيَ الفاسقين } متعلق بمقدر على أنه علة له ، وذلك المقدر عطف على مقدر آخر . أى : ليعز المؤمنين ، وليخزى الفاسقين أى : ليذلهم . . .

والمراد بالفاسقين : أولئك الذين كفروا من أهل الكتاب . ووضع الظاهر موضع المضمر ، إشعارا بعلة الحكم - أى أن فسقهم هو السبب فى إخزائهم .

هذا ، ومن الأحكام التى أخذها العلماء من هذه الآية : أن تخريب ديار العدو ، وقطع الأشجار التى يملكها ، وهدم حصونه ومعسكراته . . جائز ما دام فى ذلك مصلحة تعود على المسلمين ، وما دامت هناك حرب بينهم وبين أعدائهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

{ ما قطعتم من لينة }أي شيء قطعتم من نخلة فعلة من اللون ويجمع على ألوان ، وقيل من اللين ومعناها النخلة الكريمة وجمعها أليان { أو تركتموها }الضمير لما وتأنيثه لأنه مفسر باللينة { قائمة على أصولها } ، وقرىء أصلها اكتفاء بالضمة عن الواو ، أو على أنه كرهن ، { فبإذن الله } فبأمره ، { وليخزي الفاسقين } علة لمحذوف أي وفعلتم أو وأذن لكم في القطع ليجزيهم على فسقهم بما غاظهم منه ، روي أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر بقطع نخيلهم قالوا قد كنت يا محمد تنهى عن الفساد في الأرض فما بال قطع النخل وتحريقها فنزلت واستدل به على جواز هدم ديار الكفار وقطع أشجارهم زيادة لغيظهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ} (5)

وقوله : { ما قطعتم من لينة } سببها أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا أيديهم في نخل بني النضير يقطعون ويحرقون ، فقال بنو النضير : ما هذا الإفساد يا محمد وأنت تنهى عن الفساد فكف عن ذلك بعض الصحابة وذلك في صدر الحرب معهم ، فنزلت الآية معلمة أن جميع ما جرى من قطع أو إمساك { فبإذن الله } ، وردت الآية على قول بني النضير ، إن محمداً ينهى عن الفساد وها هو ذا يفسد فأعلم الله تعالى أن ذلك بإذنه ، { ليخزي به الفاسقين } من بني النضير ، واختلف الناس في اللينة ، فقال الحسن ومجاهد وابن زيد وعمرو بن ميمون : اللينة النخلة اسمان بمعنى واحد وجمعها لين وليان ، قال الشاعر [ امرؤ القيس ] [ المتقارب ] :

وسالفة كسحوق الليان . . . أضرم فيها الغوي السعر{[11020]}

وقال الآخر [ ذو الرمة ] :

طراق الخوافي واقع فوق لينة . . . ندى ليله في ريشه يترقرق{[11021]}

وقال ابن عباس وجماعة من اللغويين : اللينة من النخل ما لم يكن عجوة . وقال سفيان بن سعيد الثوري : اللينة الكريمة من النخل ، وقال أبو عبيدة فيما روي عنه وسفيان : اللينة : ما تمرها لون وهو نوع من التمر ، يقال له اللون ، قال سفيان ، هو شديد الصفرة يشف عن نواة من التمر فيرى من خارج ، وأصلها لونة فأبدلت لموافقة الكسرة ، وقال أيضاً أبو عبيدة اللين : ألوان النخل المختلطة التي ليس فيها عجوة ولا برني . وقرأ ابن مسعود والأعمش : «أو تركتموها قوماء على أصولها » .


[11020]:هذا البيت لامرئ القيس، وهو من قصيدة له يصف فيها فرسه وخروجه للصيد، وفيها يقول مشبها فرسه بالجرادة في خفتها وسرعتها:(وأركب في الروع خيفانة..)، والبيت في اللسان(سحق) غير منسوب، وقد استشهد به القرطبي، وأبو حيان في البحر المحيط، والسالفة: أعلى العنق، أو هي ناحيته من معلق القرط إلى الحانقة، وسَحوق الليان هي النخلة الطويلة الجرداء التي لا كرب لها، والكَرَب هو الأصل العريض للسعف إذا يبس. والغوي: الغاوي المُفسد، والسُّعر: شدة الوقود، يشبه عُنق فرسه بالنخلة الطويلة الجرداء، ويصفها بأنها شقراء اللون، فلذلك ذكر الوقود، والشاهد هنا أنه ذكر الليان، وهو جمع اللينة.
[11021]:البيت لذي الرمة، وهو في اللسان(ريع)، والرواية فيه:(واقع فوق ريعة)ن وعلى هذه الرواية لا يستشهد به هنا، ولهذا استشهد به الطبري عند تفسير قوله تعالى في سورة الشعراء:{أتبنون بكل ريع آية تعبثون}، وقد استشهد به صاحب اللسان أيضا في (طرق)ن يقال: طائر طِراق الريش: إذا ركب بعضه بعضا، والخوافي ما تحت القوادم في الطائر من الريش، والقوادم: أربع ريشات طويلة في أول جناح الطائر، ومفردها: قادمة، والشاعر هنا يصف بازيا بأن شعر خوافيه كثيف بعضه فوق بعض، ويقول: إنه نزل فوق نخلة عالية، وأن الندى يلمع فوق ريشه، ويعني هذا أنه قضى ليله فوق هذه النخلة العالية، والشاهد ذكر اللينة هنا وهي النخلة الطويلة الجرداء.