ثم حكى - سبحانه - لونا آخر من ألوان ضلال هؤلاء المشركين وجحودهم فقال : { وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ البيت إِلاَّ مُكَآءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } .
وقال القرطبى ما ملخصه : قال ابن عباس : كانت قريش تطوف بالبيت عراة ، يصفقون ويصفرون ، فكان ذلك عبادة في ظنهم .
والمكاء : الصفير . يقال مكا يمكو مكوا ومكاء إذا صفر .
والتصدية : التصفيق . يقال : صدى يصدى تصدية إذا صفق .
قال قتادة : المكاء : ضرب بالأيدى ، والتصدية : الصياح .
والمعنى : أن هؤلاء المشركين لم تكن صلاتهم عند البيت الحرام إلا تصفيقا وتصفيراً ، وهرجا ومرجا لاوقار فيه ، ولا استشعار لحرمة البيت ، ولا خشوع لجلاله الله - تعالى - ، وذلك لجلهلهم بما يجب عليهم نحو خالقهم ، ولحصرهم على أن يسيئوا إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ القرآن ، أو وهو يطوف بالبيت ، أو وهو يؤدى شيئا من شعائر الإِسلام وعباداته . فقد حكى القرآن عنهم أنهم كانوا إذا سمعوا القرآن رفعوا أصواتهم بالصياح والغناء ليمنعوا الناس من سماعه . قال - تعالى - : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ } وروى ابن جرير أن ابن عمر حكى فعلهم ، فصفر ، وأمال خده وصفق بيديه .
وقال مجاهد إنهم كانوا يصنعون ذلك ليخلطوا على النبى - صلى الله عليه وسلم - صلاته .
وعن سعيد بن جبير : كانت قريش يعارضون النبى - صلى الله عليه وسلم - في الطواف يستهئزون به ، يصفرون ويصفقون .
وقال الفخر الرازى : فإن قيل المكاء والتصدية ما كانا من جنس الصلاة فكيف جاز استثناؤهما من الصلاة ؟
قلنا : فيه وجوه : الأول : أنهم كانوا يعتقدون أن المكاء والتصدية من جنس الصلاة فخرج هذا الاستثناء على حسب ، معتقدهم .
الثانى : أن هذا كقولك : وددت الأمير فجعل جفائى صلتى . أى : أقام الجفاء مقام الصلة فكذا هنا .
الثالث : الغرض منه أن من كان المكاء والتصدية صلاته فلا صلاة له . كما تقول العرب : ما لفلان عيب إلا السخاء . يريد من كان السخاء عيبه فلا عيب له .
وقوله : { فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } وعيد لهم على كفرهم وجحودهم ، واستهزائهم بشعائر الله .
أى : فذوقوا - أيها الضالون - العذاب الشديد بسبب كفركم وعنادكم واستهزائكم بالحق الذي جاءكم به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله ،
{ وما كان صلاتهم عند البيت } أي دعاؤهم أو ما يسمونه صلاة ، أو ما يضعون موضعها . { إلا مُكاءً } صفيرا فعال من مكا يمكو إذا صفر . وقرئ بالقصر كالبكا . { وتصديةً } تصفيقا تفعله من الصدا ، أو من الصد على إبدال أحد حرفي التضعيف بالياء . وقرئ { صلاتهم } بالنصب على أنه الخبر المقدم ، ومساق الكلام لتقرير استحقاقهم العذاب أو عدم ولايتهم للمسجد فإنها لا تليق بمن هذه صلاته . روي : أنهم كانوا يطوفون بالبيت عراة الرجال والنساء مشبكين بين أصابعهم يصفرون فيها ويصفقون . وقيل : كانوا يفعلون ذلك إذا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي يخلطون عليه ويرون أنهم يصلون أيضا . { فذوقوا العذاب } يعني القتل والأسر يوم بدر ، وقيل عذاب الآخرة واللام يحتمل أن تكون للعهد والمعهود : { ائتنا بعذاب } . { بما كنتم تكفرون } اعتقادا وعملا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.