التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيمٞ} (11)

ثم حكى - سبحانه - بعض الأعذار الفاسدة ، التى اعتذر بها الكافرون عن عدم دخولهم فى الإِسلام ، ورد عليهم بما يكبتهم ، وبشر المؤمنين الصادقين بما يشرح صدورهم فقال : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ . . . بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

وقد ذكر المفسرون فى سبب نزول قوله - تعالى - : { وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ } روايات منها : أن مشركى مكة حين رأوا أن أكثر المؤمنين من الفقراء ، كعمار ، وبلال ، وعبد الله بن مسعود . قالوا ذلك .

وسبب قولهم هذا ، اعتقادهم الباطل ، أنهم هم الذين لهم عند الله العظمة والجاه والسبق إلى كل مكرمة ، لأنهم هم أصحاب المال والسلطان ، أما أولئك الفقراء فلا خير فيهم ، ولا سبق لهم إلى خير .

أى : وقال الذين كفروا للذين آمنوا - على سبيل السخرية والاستخفاف بهم - ، لو كان هذا الذى أنتم عليه من الإِيمان بما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - حقا وخيرا ، لما سبقتمونا إليه ، ولما سبقنا إليه غيركم من المؤمنين لأننا نحن العظماء الأغنياء . . وأنتم الضعفاء الفقراء . .

فهم - لانطماس بصائرهم وغرورهم - توهموا أنهم لغناهم وجاههم هم المستحقون للسبق إلى كل خير ، وأن غيرهم من الفقراء لا يعقل ما يعقلونه ، ولا يفهم ما يفهمونه . . ومن الآيات الكريمة التى تشبه هذه الآية قوله - تعالى - : { وكذلك فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ليقولوا أهؤلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ } وقوله - سبحانه - : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هاذآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } تعجيب من غرروهم وعنادهم ، ورميهم بما هو برئ منه .

و " إذ " ظرف لكلام محذوف دل عليه الكلام ، أى : وإذا لم يهتدوا بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من عند ربه ، ظهر عنادهم واستكبارهم وقالوا هذا القرآن كذب قديم من اخبار السابقين ، نسبة محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى ربه .

وشبيه بهذا الآية . قوله - تعالى - : { وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين اكتتبها فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيمٞ} (11)

وقوله تعالى : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } أي : قالوا عن المؤمنين بالقرآن : لو كان القرآن خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه{[26394]} . يعنون بلالا وعمارا وصُهَيبا وخبابا وأشباههم وأقرانهم{[26395]} من المستضعفين والعبيد والإماء ، وما ذاك إلا لأنهم عند أنفسهم يعتقدون أن لهم عند الله وجاهة وله بهم عناية . وقد غلطوا في ذلك غلطا فاحشا ، وأخطئوا خطأ بينا ، كما قال تعالى : { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } [ الأنعام : 53 ] أي : يتعجبون : كيف اهتدى هؤلاء دوننا ؛ ولهذا قالوا : { لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } وأما أهل السنة{[26396]} والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة : هو بدعة ؛ لأنه لو كان خيرا لسبقونا إليه ، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها {[26397]} .

وقوله : { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ } أي : بالقرآن { فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ } أي : كذب { قَدِيمٌ } أي : مأثور عن الأقدمين ، فينتقصون القرآن وأهله ، وهذا هو الكبر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بطر{[26398]} الحق ، وغَمْط الناس " {[26399]} .


[26394]:- (3) في ت: "ما سبقونا إليه هؤلاء".
[26395]:- (4) في أ: "وأضرابهم".
[26396]:- (5) في م، ت، أ: "يعني المؤمنين، وأما أهل السنة".
[26397]:- (1) في ت، م: "إليه".
[26398]:- (2) في أ: "الكبر بطر".
[26399]:- (3) رواه مسلم في صحيحه برقم (91) من حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه.
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَوۡ كَانَ خَيۡرٗا مَّا سَبَقُونَآ إِلَيۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ يَهۡتَدُواْ بِهِۦ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَآ إِفۡكٞ قَدِيمٞ} (11)

وقوله تعالى : { وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه } قال قتادة : هي مقالة قريش ، يريدون عماراً وصهيباً وبلالاً ونحوهم ممن أسلم وآمن بالنبي عليه السلام . وقال الزجاج والكلبي وغيره : هي مقالة كنانة وعامر وسائر قبائل العرب المجاورة ، قالت ذلك حين أسلمت غفار ومزينة وجهينة . وقال الثعلبي : هي مقالة اليهود حين أسلم ابن سلام وغيره منهم . والإفك : الكذب ، ووصفوه بالقدم ، بمعنى أنه في أمور متقادمة ، وهذا كما تقول لرجل حدثك عن أخبار كسرى وقيصر ، هذا حديث قديم ، ويحتمل أن يريدوا أنه إفك قيل قديماً .