التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (49)

ثم أمره - عز وجل - للمرة الرابعة أن يبين لهم أن باطلهم سيزول لا محالة وسينتهى أمره انتهاء لن تقوم له بعد قائمة فقال - تعالى - { قُلْ جَآءَ الحق وَمَا يُبْدِىءُ الباطل وَمَا يُعِيدُ } .

والإِبداء : هو فعل الأمر ابتداء . والإِعادة : فعله مرة أخرى ، ولا يخلو الحى منهما ، فعدمها كناية عن هلاكه . كما يقول : فلان لا يأكل ولا يشرب ، كناة عن هلاكه .

أى : قل أيها الرسول لهؤلاء الكافرين ، لقد جاء الحق المتمثل فى دين الإِسلام الذى ارسلنى به إليكم ربى ، وما دام الإِسلام قد جاء ، فإن الباطل المتمثل فى الكفر الذى أنتم عليه ، قد آن له أن يذهب وأن يزول ، وأن لا يبقى له أبداء أو إعادة ، فقد اندثر وأهيل عليه بالتراب إلى غير رجعة .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (49)

وقوله : { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } أي : جاء الحق من الله والشرع العظيم ، وذهبَ الباطل وزهق واضمحل ، كقوله : { بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ [ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ {[24406]} ] } [ الأنبياء : 18 ] ، ولهذا لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد الحرام يوم الفتح ، ووجد تلك الأصنام منصوبة حول الكعبة ، جعل يَطعنُ الصنم{[24407]} بسِيَة قَوْسِه ، ويقرأ : { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا } ، { قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ } . رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وحده عند هذه الآية ، كلهم من حديث الثوري ، عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد ، عن أبي مَعْمَر عبد الله بن سَخبَرَةَ ، عن ابن مسعود ، به{[24408]} .

أي : لم يبق للباطل مقالة ولا رياسة ولا كلمة .

وزعم قتادة والسدي : أن المراد بالباطل هاهنا إبليس ، إنه لا يخلق أحدا ولا يعيده ، ولا يقدر على ذلك . وهذا وإن كان حقًا ولكن ليس هو المراد هاهنا{[24409]} والله أعلم .


[24406]:- زيادة من ت.
[24407]:- في ت ، س ، أ: "الصنم منها".
[24408]:- صحيح البخاري برقم (2478 ، 4287) وصحيح مسلم برقم (1781) وسنن الترمذي برقم (3138) والنسائي في السنن الكبرى برقم (11428).
[24409]:- في ت: "الآية"
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (49)

{ قل جاء الحق } أي الإسلام . { وما يبدئ الباطل وما يعيد } وزهق الباطل أي الشرك بحيث لم يبق له اثر مأخوذ من هلاك الحي ، فإنه إذا هلك لم يبق له إبداء ولا إعادة قال :

أقفر من أهله عبيد *** فاليوم لا يبدي ولا يعيد

وقيل الباطل إبليس أو الصنم ، والمعنى لا ينشئ خلقا ولا يعيده ، أو لا يبدئ خيرا لأهله ولا يعيده . وقيل { ما } استفهامية منتصبة بما بعدها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ} (49)

أعيد فعل { قل } للاهتمام بالمقول كما تقدم آنفاً .

وجملة { قل جاء الحق } تأكيد لجملة { قل إن ربي يقذف بالحق } [ سبأ : 48 ] فإن الحق قد جاء بنزول القرآن ودعوة الإِسلام . وعُطف { وما يبدىء الباطل وما يعيد } على { جاء الحق } لأنه إذا جاء الحق انقشع الباطل من الموضع الذي حلّ فيه الحق .

و { يبدىء } مضارع أبدأَ بهمزة في أوله وهمزة في آخره والهمزة التي في أوله للزيادة مثل همزة : أجاء ، وأسرى . وإسناد الإِبداء والإِعادة إلى الباطل مجاز عقلي أو استعارة .

ومعنى { ما يبدىء الباطل وما يعيد } الكناية عن اضمحلاله وزواله وهو ما عبر عنه بالزهوق في قوله تعالى : { إن الباطل كان زهوقاً } في سورة الإِسراء ( 81 ) . وذلك أن الموجود الذي تكون له آثارٌ إمّا أن تكون آثاره مستأنفة أو معادة فإذا لم يكن له إِبداء ولا إعادة فهو معدوم وأصله مأخوذ من تصرف الحي فيكون ما يبدىء وما يعيد } كناية عن الهلاك كما قال عَبيد بن الأبرص :

أفقر من أهله عَبيد *** فاليوم لا يُبدي ولا يعيد ( يعني نفسه ) .

ويقولون أيضاً : فلان ما يبدىء وما يعيد ، أي ما يتكلم ببادئة ولا عائدة ، أي لا يرتجل كلاماً ولا يجيب عن كلام غيره . وأكثر ما يستعمل فعل ( أبدأ ) المهموز أوله مع فعل ( أعاد ) مزدوجين في إثبات أو نفي ، وقد تقدم قوله تعالى : { أولم يروا كيف يبدىء الله الخلق ثم يعيده } في سورة العنكبوت ( 19 ) .