التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

ثم صور - سبحانه - أحوال الناس فى هذا اليوم العصيب ، فقال : { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ . . . }

وهذه الجملة الكريمة بدل من قوله { يَوْمَ التلاق } أى : يلقى - سبحانه - على من يشاء من عباده ، لكى ينذر الناس من أهوال ذلك اليوم الذى يتلقى فيه الخلائق ، والذى يظهرون فيه ظهورا تاما ، دون أن يخفى منهم شئ على الله - تعالى - .

والله - تعالى - لا يخفى عليه شئ من أمرهم لا فى هذا اليوم ولا فى غيره ، ولكنه - سبحانه - ذكر بروزهم وعدم خفائهم عليه فى هذا اليوم ، لأنهم - لجهلهم - كانوا يتوهمون فى الدنيا أنهم يستطيعون التستر عنه ، كما أشار - سبحانه - إلى ذلك فى قوله - تعالى -

{ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } ورحم الله صاحب الشكاف : فقد قال : قوله : { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ } أى : ظاهرون لا يسترهم شئ من جبل أو أكمة أو بناء ، لأن الأرض بارزة قاع صفصف ، ولا عليهم ثياب ، إنما هم عراة مكشوفون ، كما جاء فى الحديث : " يحشرون عراة حفاة غرلا " { لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ } بيان وتقرير لبروزهم ، والله - تعالى - لا يخفى عليه منهم شئ برزوا أم لم يبرزوا ، فما معناه ؟

قلت : معناه أنهم كانوا يتوهمون فى الدنيا أنهم إذا استتروا بالحيطان والحجب ، أن الله لا يراهم وتخفى عليه أعمالهم ، فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه قال - تعالى - : { ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ . . } وقوله - تعالى - : { لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار } السائل والمجيب هو الله - تعالى - .

أى : ينادى الله - تعالى - فى المخلوقات فى ذلك اليوم ، لمن الملك فى هذا اليوم الهائل الشديد ؟ ثم يجيب - سبحانه - على هذا السؤال بقوله : { لِلَّهِ الواحد القهار } .

قال القرطبى ما ملخصه : قال الحسن : هو السائل - تعالى - وهو المجيب ، لأنه يقول ذلك حين لا أحد يجيبه ، فيجيب نفسه سبحانه فيقول : { لِلَّهِ الواحد القهار } .

فيقول المؤمنون هذا الجواب سرورا وتلذذا ، ويقوله الكافرون غما وانقيادا وخضوعا .

ثم قال : والقول الأول ظاهر جدا ، لأن المقصود إظهار انفراده - تعالى - بالملك عند انقطاع دعاوى المدعين ، وانتساب المنتسبين ، إذ قد ذهب كل ملك وملكه .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

وقوله : { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ } أي : ظاهرون بادون كلهم ، لا شيء يكنهم ولا يظلهم ولا يسترهم . ولهذا قال : { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ } أي : الجميع في علمه على السواء .

وقوله : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } قد تقدم في حديث ابن عمر : أنه تعالى {[25470]} يطوي السموات والأرض بيده ، ثم يقول : أنا الملك ، أنا الجبار ، أنا المتكبر ، أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ .

وفي حديث الصور : أنه تعالى إذا قبض أرواح جميع خلقه ، فلم يبق سواه وحده لا شريك له ، حينئذ يقول : لمن الملك اليوم ؟ ثلاث مرات ، ثم يجيب نفسه قائلا { لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } أي : الذي هو وحده قد قَهَر كل شيء وغلبه {[25471]} .

وقد قال {[25472]} ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن غالب الدقاق ، حدثنا عبيد بن عبيدة ، حدثنا معتمر ، عن أبيه ، حدثنا أبو نَضْرة ، عن ابن عباس [ رضي الله عنهما ] {[25473]} قال : ينادي مناد بين يدي الساعة : يا أيها الناس ، أتتكم الساعة . فيسمعها الأحياء والأموات ، قال : وينزل الله [ عز وجل ] {[25474]} إلى سماء الدنيا ويقول : { لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } .


[25470]:- (2) في ت: "أن الله".
[25471]:- (3) انظر حديث الصور بتمامه عند تفسير الآية: 73 من سورة الأنعام.
[25472]:- (4) في ت: "وروى ابن أبي حاتم".
[25473]:- (5) زيادة من أ.
[25474]:- (6) زيادة من ت، أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

{ يوم هم بارزون } خارجون من قبورهم أو ظاهرون لا يسترهم شيء أو ظاهرة نفوسهم لا تحجبهم غواشي الأبدان ، أو أعمالهم وسرائرهم . { لا يخفى على الله منهم شيء } من أعيانهم وأعمالهم وأحوالهم ، وهو تقرير لقوله { هم بارزون } وإزاحة لنحو ما يتوهم في الدنيا . { لمن الملك اليوم لله الواحد القهار } حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به ، أو لما دل عليه ظاهر الحال فيه من زوال الأسباب وارتفاع الوسائط ، وأما حقيقة الحال فناطقة بذلك دائما .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

وقوله تعالى : { يوم هم بارزون } معناه في براز من الأرض ينفذهم البصر ويسمعهم{[9974]} الداعي ، ونصب { يوم } على البدل من الأول فهو نصب المفعول ، ويحتمل أن ينصب على الظرف ويكون العامل فيه قوله : { لا يخفى } وهي حركة إعراب لا حركة بناء ، لأن الظرف لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن كيومئذ ، وكقول الشاعر [ النابغة الذبياني ] : [ الطويل ]

على حين عاتبت المشيب على الصبا . . . وقلت ألمّا أصحُ والشيب وازع{[9975]}

وكقوله تعالى : { هذا يوم ينفع الصادقين }{[9976]} وأما في هذه الآية فالجملة أمر متمكن كما تقول : جئت يوم زيد فلا يجوز البناء ، وتأمل{[9977]} .

وقوله تعالى : { لا يخفى على الله منهم } أي من بواطنهم وسرائرهم ودعوات صدورهم ، وفي مصحف أبي بن كعب : «لا يخفى عليه منهم شيء » بضمير بدل المكتوبة{[9978]} .

وقوله تعالى : { لمن الملك اليوم } روي أن الله تعالى يقرر هذا التقدير ويسكت العالم هيبة وجزعاً ، فيجيب هو نفسه قوله : { لله الواحد القهار } قال الحسن بن أبي الحسن هو تعالى السائل وهو المجيب . وقال ابن مسعود : أنه تعالى يقرر فيجيب العالم بذلك ، وقيل ينادي بالتقرير ملك فيجيب الناس .

قال القاضي أبو محمد : وإذا تأمل المؤمن أنه لا حول لمخلوق ولا قوة إلا بالله ، فالزمان كله وأيام الدهر أجمع إنما الملك فيها { لله الواحد القهار } ، لكن ظهور ذلك للكفرة والجهلة يتضح يوم القيامة ، وإذا تأمل تسخير أهل السماوات وعبادتهم ونفوذ القضاء في الأرض فأي ملك لغير الله عز وجل .


[9974]:يعني: يشملهم ويتجاوزهم كلهم، يقال: نفذ القوم نفذا: جازهم وخلفهم، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (إنكم مجموعون في صعيد واحد ينفذكم البصر).
[9975]:البيت للنابغة الذبياني، وهو من قصيدة له يمدح النعمان، ويعتذر إليه مما وشت به بنو قرع بن عوف، ويهجو مرة بن ربيعة لما قذف في حقه عند النعمان، و(على) بمعنى (في)، كقوله تعالى: {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها}، والجار والمجرور متعلقان بقوله في البيت السابق: (فكفكفت مني عبرة)، (وعلى الصبا) متعلق ب (عاتبت)، والمعنى: كفكفت الدمع في وقت عتابي نفسي لنفسي على فعل التصابي في حالة مشيبها، والعتاب للمشيب مجاز. والشاهد هو بناء (حين) على الفتح لأنها مضافة إلى مبني غير متمكن، والبيت في الديوان، وابن الشجري، وابن يعيش، والإنصاف، وشرح شواهد المغني، وخزانة الأدب، والعيني، والهمع. وقد سبق الاستشهاد به في غير هذا الموضع من هذا التفسير.
[9976]:من الآية (119) من سورة (المائدة).
[9977]:ذكر أبو حيان كلام ابن عطية هذا في البحر المحيط، ثم عقب عليه بقوله: (أما قوله: (لا يبنى إلا إذا أضيف إلى غير متمكن) فالبناء ليس متحتما، بل يجوز فيه البناء والإعراب، وأما تمثيله بقوله تعالى: {يوم ينفع الصادقين صدقهم} فمذهب البصريين أنه لا يجوز فيه إلا الإعراب، ومذهب الكوفيين جواز الإعراب والبناء فيه، وأما إذا أضيف إلى جملة اسميه كما مثل من قوله: (جئت يوم زيد أمير) فالنقل عن البصريين تحتم الإعراب كما ذكر ابن عطية، والنقل عن الكوفيين جواز الإعراب والبناء).
[9978]:أي: بدلا من لفظ الجلالة (الله).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

و{ يَوْمَ هُم بارزون } بدل من { يَوْمَ التَّلاَقي } . و { هم بارزون } جملة اسمية ، والمضاف ظرف مستقبل وذلك جائز على الأرجح بدون تقدير .

وضمير الغيبة عائد إلى { الكافِرُونَ } من قوله : { وَلَوْ كَرِهَ الكافرون } [ غافر : 14 ] .

وجملة { لا يَخْفَى على الله منهم شيءٌ } بيان لجملة { هُم بارزون } والمعنى : أنهم واضحة ظواهرهم وبواطنهم فإن ذلك مقتضى قولهم : { مِنْهم شَيءٌ } .

وإظهار اسم الجلالة لأن إظهاره أصْرح لبعد معاده بما عقبه من قوله : { على مَن يَشَاءُ من عِبادهِ } ، ولأن الأظهر أن ضمير { ليُنذِر } عائد إلى { مَن يَشَاء } .

ومعنى { مِنهُم } من مجموعهم ، أي من مجموع أحوالهم وشؤونهم ، ولهذا أوثر ضمير الجمع لما فيه من الإِجمال الصالح لتقدير مضاف مناسب للمقام ، وأوثر أيضاً لفظ { شَيْءٌ } لتوغله في العموم ، ولم يقل لا يخفى على الله منهم أحد ، أو لا يخفى على الله من أحدٍ شيءٌ ، أي من أجزاء جسمه ، فالمعنى : لا يخفى على الله شيء من أحوالهم ظاهرها وباطنها .

{ لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار }

مقول لقول محذوف ، وحذف القول من حديث البحر . والتقدير : يقول الله لمن الملك اليوم ، ففعل القول المحذوف جملة في موضع الحال ، أو استئناف بياني جواباً عن سؤال سائل عما ذا يقع بعد بروزهم بين يدي الله .

والاستفهام إما تقريري ليشهد الطغاة من أهل المحشر على أنفسهم أنهم كانوا في الدنيا مخطئين فيما يزعمونه لأنفسهم من مُلك لأصنامهم حين يضيفون إليها التصرف في ممالك من الأرض والسماء ، مثل قول اليونان بإله البحر وإله الحرب وإله الحكمة ، وقول أقباط مصر بإله الشمس وإله الموت وإله الحكمة ، وقول العرب باختصاص بعض الأصنام ببعض القبائل مثل اللاتِ لثقيف ، وذي الخَلَصة لدوْس ، ومناةَ للأوس والخزرج . وكذلك ما يزعمونه لأنفسهم من سلطان على الناس لا يشاركهم فيه غيرهم كقول فرعون : { ما علمت لكم من إله غيري } [ القصص : 38 ] وقولِه : { أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي } [ الزخرف : 51 ] ، وتلقيب أكاسرة الفرس أنفسهم بلقب : ملك الملوك ( شاهنشاه ) ، وتلقيب ملوك الهند أنفسهم بلقب ملك الدنيا ( شاه جهان ) . ويفسر هذا المعنى ما في الحديث في صفة يوم الحشر « ثم يقول الله أنا المَلِك أين ملوك الأرض » استفهاماً مراداً منه تخويفهم من الظهور يومئذٍ ، أي أين هم اليوم لماذا لم يظهروا بعظمتهم وخيلائهم .

ويجوز أيضاً أن يكون الاستفهام كناية عن التشويق إلى ما يرد بعده من الجواب لأن الشأن أن الذي يسمع استفهاماً يترقب جوابه فيتمكن من نفسه الجوابُ عند سماعه فَضْلَ تمكُّن ، على أن حصول التشويق لا يفوت على اعتبار الاستفهام للتقرير ، وقريب منه : { وإذَا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دَعان } [ البقرة : 186 ] .

و { اليوم } المعرف باللام هو اليوم الحاضر ، وحضوره بالنسبة إلى القول المحكي أنه يقال فيه ، أي اليوم الذي وقع فيه هذا القول كما هو شأن أسماء الزمان الظروف إذا عُرِّفت باللام .

وجملة { لله الواحد القَهَّار } يجوز أن تكون من بقية القول المقدر الصادر من جانب الله تعالى بأن يصدر من ذلك الجانب استفهام ويصدر منه جوابه لأنه لما كان الاستفهام مستعملاً في التقرير أو التشويق كان من الشأن أن يتولى الناطق به الجواب عنه ، ونظيره قوله تعالى : { عَمَّ يتساءَلُون عَننِ النبإ العَظِيم } [ النبأ : 1 ، 2 ] . ويجوز أن تكون مقول قول آخر محذوف ، أي فيقول المسؤولون : { لله الواحد القهَّار } إقراراً منهم بذلك ، والتقدير : فيقول البارزون لله الواحد القهار ، فتكون معترضة .

وذكر الصفتين { الواحد القَهَّار } دون غيرهما من الصفات العُلَى لأن لمعنييهما مزيد مناسبة بقوله : { لِمَننِ المُلْكُ اليَوْمَ } حيث شوهدت دلائل الوحدانية لله وقهره جميعَ الطغاة والجبارين .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ ٱلۡمُلۡكُ ٱلۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ ٱلۡوَٰحِدِ ٱلۡقَهَّارِ} (16)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم ذكر ذلك اليوم، فقال: {يوم هم بارزون} من قبورهم على ظهر الأرض مثل الأديم الممدود.

{لا يخفى على الله منهم شيء}: لا يستتر عن الله عز وجل منهم أحد.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني بقوله "يَوْمَ هُمْ بارزُونَ "يعني المنذَرين الذين أرسل الله إليهم رسله لينذروهم وهم ظاهرون يعني للناظرين لا يحول بينهم وبينهم جبل ولا شجر، ولا يستر بعضهم عن بعض ساتر، ولكنهم بقاعٍ صفصف لا أَمْتَ فيه ولا عوج...

وقوله: "لا يَخْفَى على اللّهِ مِنْهُمْ" أي: ولا من أعمالهم التي عملوها في الدنيا شَيْءٌ.

وقوله: "لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ" يعني بذلك: يقول الربّ: لمن الملك اليوم وترك ذكر «يقول» استغناء بدلالة الكلام عليه.

وقوله: "لِلّهِ الوَاحِدِ القَهّارِ" وقد ذكرنا الرواية الواردة بذلك فيما مضى قبل ومعنى الكلام: يقول الربّ: لمن السلطان اليوم؟ وذلك يوم القيامة، فيجيب نفسه فيقول: "لِلّهِ الوَاحِدِ" الذي لا مثل له ولا شبيه، "القَهّارِ" لكلّ شيء سواه بقدرته، الغالب بعزّته.

جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :

{لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} لقد كان الملك لله الواحد القهار كل يوم، لا ذلك اليوم على الخصوص، ولكن الغافلين لا يسمعون هذا النداء إلا ذلك اليوم، فهو نبأ عما يتجدد للغافلين من كشف الأحوال حيث لا ينفهم الكشف، فنعوذ بالله الحليم الكريم من الجهل والعمى، فإنه أصل أسباب الهلاك (نفسه: 4/95)...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شيء} بيان وتقرير لبروزهم، والله تعالى لا يخفى عليه منهم شيء برزوا أو لم يبرزوا، فما معناه؟ قلت: معناه أنهم كانوا يتوهمون في الدنيا إذا استتروا بالحيطان والحجب: أنّ الله لا يراهم ويخفى عليه أعمالهم، فهم اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما كانوا يتوهمونه. قال الله تعالى: {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون} [فصلت: 22].

{لّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار} قيل: يجمع الله الخلائق يوم القيامة في صعيد واحد بأرض بيضاء كأنها سبيكة فضة لم يُعْصَ اللهُ فيها قط «فأوّل ما يتكلم به أن ينادي منادٍ:"لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار. اليوم تجزى كل نفس" الآية. فهذا يقتضي أن يكون المنادي هو المجيب.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

كم عدد الصفات التي وصف بها يوم القيامة في هذه الآية، فنقول:

الصفة الأولى: كونه يوم التلاق.

الصفة الثانية: قوله {يوم هم بارزون} وفي تفسير هذا البروز وجوه:

الأول: أنهم برزوا عن بواطن القبور.

الثاني: ليس عليهم ثياب إنما هم عراة مكشوفون كما جاء في الحديث: «يحشرون عراة حفاة غرلا».

الصفة الثالثة: قوله {لا يخفى على الله منهم شيء} والمراد يوم لا يخفى على الله منهم شيء، والمقصود منه الوعيد.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

يومئذ يتضاءل المتكبرون، وينزوي المتجبرون، ويقف الوجود كله خاشعاً، والعباد كلهم خضعاً، ويتفرد مالك الملك الواحد القهار بالسلطان. وهو سبحانه متفرد به في كل آن. فأما في هذا اليوم فينكشف هذا للعيان، بعد انكشافه للجنان. ويعلم هذا كل منكر ويستشعره كل متكبر. وتصمت كل نأمة وتسكن كل حركة...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{يَوْمَ هُم بارزون} بدل من {يَوْمَ التَّلاَقي}. و {هم بارزون} جملة اسمية، والمضاف ظرف مستقبل وذلك جائز على الأرجح بدون تقدير.

وضمير الغيبة عائد إلى {الكافِرُونَ} من قوله: {وَلَوْ كَرِهَ الكافرون}.

وجملة {لا يَخْفَى على الله منهم شيءٌ} بيان لجملة {هُم بارزون} والمعنى: أنهم واضحة ظواهرهم وبواطنهم فإن ذلك مقتضى قولهم: {مِنْهم شَيءٌ}.

وإظهار اسم الجلالة لأن إظهاره أصْرح لبعد معاده بما عقبه من قوله: {على مَن يَشَاءُ من عِبادهِ} ولأن الأظهر أن ضمير {ليُنذِر} عائد إلى {مَن يَشَاء}.

ومعنى {مِنهُم} من مجموعهم، أي من مجموع أحوالهم وشؤونهم، ولهذا أوثر ضمير الجمع لما فيه من الإِجمال الصالح لتقدير مضاف مناسب للمقام، وأوثر أيضاً لفظ {شَيْءٌ} لتوغله في العموم، ولم يقل لا يخفى على الله منهم أحد، أو لا يخفى على الله من أحدٍ شيءٌ، أي من أجزاء جسمه، فالمعنى: لا يخفى على الله شيء من أحوالهم ظاهرها وباطنها.

{لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار}

مقول لقول محذوف، وحذف القول من حديث البحر. والتقدير: يقول الله لمن الملك اليوم، ففعل القول المحذوف جملة في موضع الحال، أو استئناف بياني جواباً عن سؤال سائل عماذا يقع بعد بروزهم بين يدي الله.

والاستفهام إما تقريري ليشهد الطغاة من أهل المحشر على أنفسهم أنهم كانوا في الدنيا مخطئين فيما يزعمونه لأنفسهم من مُلك لأصنامهم حين يضيفون إليها التصرف في ممالك من الأرض والسماء.

ويجوز أيضاً أن يكون الاستفهام كناية عن التشويق إلى ما يرد بعده من الجواب؛ لأن الشأن أن الذي يسمع استفهاماً يترقب جوابه فيتمكن من نفسه الجوابُ عند سماعه فَضْلَ تمكُّن، على أن حصول التشويق لا يفوت على اعتبار الاستفهام للتقرير، وقريب منه: {وإذَا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دَعان} [البقرة: 186].

و {اليوم} المعرف باللام هو اليوم الحاضر، وحضوره بالنسبة إلى القول المحكي أنه يقال فيه، أي اليوم الذي وقع فيه هذا القول كما هو شأن أسماء الزمان الظروف إذا عُرِّفت باللام.

وذكر الصفتين {الواحد القَهَّار} دون غيرهما من الصفات العُلَى؛ لأن لمعنييهما مزيد مناسبة بقوله {لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ} حيث شوهدت دلائل الوحدانية لله وقهره جميعَ الطغاة والجبارين.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

(لمن الملك اليوم)؟

يأتي الجواب: (لله الواحد القهار).

مَن الذي يطرح السؤال، وَ مَن الذي يجيب عليه؟

الآية لا تتحدّث عن ذلك، والتفاسير مختلفة في هذا الصدد.

ولكن يبدو من الظاهر أنّ هذا السؤال وجوابه لا يطرحان من قبل فرد معين، بل هو سؤال يطرحه الخالق والمخلوق، الملائكة والإنسان، المؤمن والكافر، تطرحه جميع ذرات الوجود، وكلّهم يجيبون عليه بلسان حالهم، بمعنى أنّك أينما تنظر تشاهد آثار حاكميته، وأينما تدقق ترى علائم قاهريته واضحة.

فلو أصخت السمع إلى أي ذرة من ذرات الوجود، لسمعتها تقول: (لمن الملك) وفي الجواب تسمعها نفسها تقول: (لله الواحد القهّار).

في هذا اليوم أيضاً تطغى الحاكمية الإلهية على كلّ شيء، وتبسط قدرتها في كلّ الأرجاء، لكن في يوم القيامة سيكون لها ظهور وبروز من نوع جديد، فهناك لا يوجد كلام عن حكومة الجبارين، ولا نسمع ضجيج الطواغيت السكارى، ولا نرى أثراً لإبليس وجنوده وجيوشه من الإنس و الجن.