ثم بين - سبحانه - حالهم فى سلوكهم وفى معاشهم فقال - تعالى - : { والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ . . . } .
أى : أن من صفاتهم أنهم ملتزمون فى إنفاقهم التوسط ، فلا هم مسرفون ومتجاوزون للحدود التى شرعها الله - تعالى - ولا هم بخلاء فى نفقتهم إلى درجة التقتير والتضييق ، وإنما هم خيار عدول يعرفون أن خير الأمور أوسطها .
واسم الإشارة فى قوله - تعالى - : { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } يعود إلى المذكور من الإسراف والتقتير . والقوام : الشىء بين الشيئين . وقوام الرجل : قامته وحسن طوله وهيئته ، وهو : خبر لكان ، واسمها : مقدر فيها .
أى : وكان إنفاقهم " قواما " أى وسطا بين الإسراف والتقتير والتبذير والبخل ، فهم فى حياتهم نموذج يقتدى به فى القصد والاعتدال والتوازن . وذلك لأن الإسراف والتقتير كلاهما مفسد لحياة الأفراد والجماعات والأمم ، لأن الإسراف تضييع للمال فى غير محله . والتقتير إمساك له عن وجوهه المشروعة ، أما الوسط والاعتدال فى إنفاق المال ، فهو سمة من سمات العقلاء الذين على أكتفاهم تنهض الأمم ، وتسعد الأفراد والجماعات .
وقوله : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } أي : ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة ، ولا بخلاء على أهْليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم ، بل عَدْلا خيارًا ، وخير الأمور أوسطها ، لا هذا ولا هذا ، { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا } ، كَمَا قَالَ : { وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا } [ الإسراء : 29 ] .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عصام{[21594]} بن خالد ، حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني ، عن ضَمْرَة ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من فقه الرجل رفقه في معيشته " . ولم يخرجوه{[21595]} .
وقال [ الإمام ]{[21596]} أحمد أيضًا : حدثنا أبو عبيدة الحداد ، حدثنا سُكَين{[21597]} بن عبد العزيز العَبْدي ، حدثنا إبراهيم الهَجَري عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما عال من اقتصد " . ولم يخرجوه{[21598]} .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا أحمد بن يحيى ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون{[21599]} حدثنا سعيد{[21600]} بن حكيم ، عن مسلم بن حبيب ، عن بلال - يعني العبسي - عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما أحسن القصد في الغنى ، وأحسن القصد في الفقر ، وأحسن القصد في العبادة " ثم قال : لا نعرفه يروى إلا من حديث حذيفة رضي الله عنه{[21601]} .
وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله فهو سرف .
وقال غيره : السرف النفقة في معصية الله .
وقال الحسن البصري : ليس النفقة في سبيل الله سرفا [ والله أعلم ]{[21602]} .
{ والذين إذا انفقوا لم يسرفوا } لم يجاوزا حد الكرم . { ولم يقتروا } ولم يضيقوا تضييق الشحيح . وقيل الإسراف هو الإنفاق في المحارم والتقتير منع الواجب ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء وكسر التاء ونافع وابن عامر والكوفيون بضم الياء وكسر التاء من أقتر ، وقرئ بالتشديد والكل واحد . { وكان بين ذلك قواما } وسطا عدلا سمي به لاستقامة الطرفين كما سمي سواء لاستوائهما ، وقرئ بالكسر وهو ما يقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص وهو خير ثان أو حال مؤكدة ، ويجوز أن يكون الخبر بين ذلك لغوا ، وقيل إنه اسم{ كان } لكنه مبني لإضافته إلى غير متمكن وهو ضعيف لأنه بمعنى القوام فيكون كالإخبار بالشيء عن نفسه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.