وقوله : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ . . . } بيان للون آخر من معاذيرهم الكاذبة ، وجبنهم عن مواجهة الحقائق .
وأصل الخوض - كما يقول الآلوسى - الدخول في مائع مثل الماء والطين ، ثم كثر حتى صار اسماً لكل دخول فيه تلويث وأذى .
أى : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عن سبب استهزائهم بتعاليم الإِسلام ليقولن لك على سبيل الاعتذار ، إنما كنا نفعل ذلك على سبيل الممازحة والمداعبة لا على سبيل الجد .
وقوله : { قُلْ أبالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } إبطال لحجتهم ، وقطع لمعاذيرهم ، وتبكيت لهم على جهلهم وسوء أخلاقهم .
أى : قل لهم يا محمد - على سبيل التوبيخ والتجهيل - ألم تجدوا ما تستهزئون به في مزاحكم ولعبكم - كما تزعمون - سوى فرائض الله وأحكامه وآياته ورسوله الذي جاء لهدايتكم وإخراجكم من الظلمات إلى النور ؟
فالاستفهام للانكار والتوبيخ ، ودفع ما تذرعوا به من معاذيرهم واهية .
قال أبو معشر المديني{[13596]} عن محمد بن كعب القُرَظي وغيره قالوا : قال رجل من المنافقين : ما أرى قُرّاءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا ، وأكذبنا ألسنة ، وأجبننا عند اللقاء . فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء إلى رسول الله وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب . فقال : { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } إلى قوله : { مجرمين } وإن رجليه لتنسفان{[13597]} الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال عبد الله بن وهب : أخبرني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمر قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس{[13598]} ما رأيت مثل قُرائنا هؤلاء ، أرغبَ بطونا ، ولا أكذبَ ألسنًا ، ولا أجبن عند اللقاء . فقال رجل في المسجد : كذبتَ ، ولكنك منافق . لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن . قال عبد الله بن عمر : وأنا رأيته متعلقا بحَقَب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تَنكُبُه{[13599]} الحجارة{[13600]} وهو يقول : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } .
وقد رواه الليث ، عن هشام بن سعد ، بنحو من هذا{[13601]}
وقال ابن إسحاق : وقد كان جماعة من المنافقين منهم وَديعة بن ثابت ، أخو بني أمية بن زيد ، من بني عمرو بن عوف ، ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له : مُخَشّن{[13602]} بن حُميّر يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جِلادَ بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ؟ والله لكأنا بكم غدا مُقَرّنين في الحبال ، إرجافا وترهيبا للمؤمنين ، فقال مُخَشّن{[13603]}
بن حُمَيّر : والله لوددتُ أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة ، وإما نَنْفَلتُ أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني- لعمار بن ياسر : " أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا " . فانطلق إليهم عمار ، فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ، فقال وديعة بن ثابت ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على راحلته ، فجعل يقول وهو آخذ بحَقَبها : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ، [ فأنزل الله ، عز وجل : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } ] {[13604]} فقال مُخَشّن{[13605]} بن حُمير : يا رسول الله ، قعد بي اسمي واسم أبي . فكان الذي عفي عنه في هذه الآية مُخَشّن{[13606]} بن حُمّير ، فتسمى{[13607]} عبد الرحمن ، وسأل الله أن يقتل{[13608]} شهيدا لا يعلم بمكانه ، فقتل يوم اليمامة ، فلم يوجد له أثر{[13609]} وقال قتادة : { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } قال : فبينما النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، وركب من المنافقين يسيرون بين يديه ، فقالوا : يظن هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها . هيهات هيهات . فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا ، فقال : " عَليَّ بهؤلاء النفر " . فدعاهم ، فقال : " قلتم كذا وكذا " . فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب .
وقال عِكْرِمة في تفسير هذه الآية : كان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول : اللهم ، إني أسمع آية أنا أعنَى بها ، تقشعر منها الجلود ، وتجيب منها القلوب ، اللهم ، فاجعل وفاتي قتلا في سبيلك ، لا يقول أحد : أنا غسّلت ، أنا كفنت ، أنا دفنت ، قال : فأصيب يوم اليمامة ، فما أحد من المسلمين إلا وقد وجد غيره{[13610]}
القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } .
يقول تعالى جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المنافقين عما قالوا من الباطل والكذب ، ليقولنّ لك : إنما قلنا ذلك لعبا ، وكنا نخوض في حديث لعبا وهزوا . يقول الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد أبالله وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزءون .
وكان ابن إسحاق يقول : الذي قال هذه المقالة كما :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذي قال هذه المقالة فيما بلغني وديعة بن ثابت ، أخو بني أمية بن زيد من بني عمرو بن عوف .
حدثنا عليّ بن داود ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثنا الليث ، قال : ثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم : أن رجلاً من المنافقين قال لعوف بن مالك في غزوة تبوك : ما لقرّائنا هؤلاء أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنةً وأجبننا عند اللقاء فقال له عوف : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره ، فوجد القرآن قد سبقه ، فقال زيد : قال عبد الله بن عمر : فنظرت إليه متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تنكبه الحجارة ، يقول : إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ فيقول له النبيّ صلى الله عليه وسلم : أبا للّهِ وآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ما يزيده .
قال : ثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عمر ، قال : قال رجل في غزوة تبوك في مجلس ، ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء فقال رجل في المجلس : كذبت ، ولكنك منافق ، لأخبرنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن ، قال عبد الله بن عمر : فأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تنكبه الحجارة ، وهو يقول : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أباللّهِ وآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانِكُمْ .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا أيوب ، عن عكرمة ، في قوله : وَلَئِنْ سألْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ . . . . إلى قوله : بأنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ قال : فكان رجل ممن إن شاء الله عفا عنه يقول : اللهمّ إني أسمع آية أنا أُعْنَى بها ، تقشعرّ منها الجلود ، وتَجِلُ منها القلوب ، اللهمّ فاجعل وفاتي قتلاً في سبيلك ، لا يقول أحد : أنا غسلت ، أنا كفنت ، أنا دفنت قال : فأصيب يوم اليمامة ، فما من أحد من المسلمين إلا وجد غيره .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَلَئِنْ سألْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ . . . . الآية ، قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في غزوته إلى تبوك ، وبين يديه ناس من المنافقين ، فقال : أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها ؟ هيهات هيهات فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم : «احْبِسُوا عَليّ هَؤلاءِ الرّكْبَ » فأتاهم فقال : «قُلْتُمْ كَذَا ؟ قُلْتُمْ كَذَا ؟ » قالوا : يا نبيّ الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله تبارك وتعالى فيها ما تسمعون .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وَلَئِنْ سألْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قال : بينما النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ورَكْبٌ من المنافقين يسيرون بين يديه ، فقالوا : يظنّ هذا أن يفتح قصور الروم وحصونها فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قالوا ، فقال : «عليّ بِهَؤلاءِ النّفَرِ » فدعاهم فقال : «قُلْتُمْ كَذَا وكَذَا ؟ » فحلفوا : ما كنا إلا نخوض ونلعب .
حدثنا الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب وغيره ، قالوا : قال رجل من المنافقين : ما أرى قرّاءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطونا ، وأكذبنا ألسنة ، وأجبننا عند اللقاء فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته ، فقال : يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب فقال : أبا للّهِ وآياتِهِ ورَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ . . . . إلى قوله : مُجْرِمِينَ وإن رجليه لتسفعان بالحجارة ، وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قال : قال رجل من المنافقين : يحدّثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا في يوم كذا وكذا ، وما يدريه ما الغيب
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه .
{ ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب } روي : أن ركب المنافقين مروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقالوا : انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح قصور الشام وحصونه هيهات هيهات ، فأخبر الله تعالى به نبيه فدعاهم فقال : " قلتم كذا وكذا " فقالوا لا والله ما كنا في شيء من أمرك وأمر أصحابك ولكن كنا في شيء مما يخوض فيه الركب ليقصر بعضنا على بعض السفر . { قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون } توبيخا على استهزائهم بمن لا يصح الاستهزاء به ، وإلزاما للحجة عليهم ولا تعبأ باعتذارهم الكاذب .
الظاهر أنّها معطوفة على جملة : { يحلفون بالله لكم ليرضوكم } [ التوبة : 62 ] أو على جملة { ومنهم الذين يؤذون النبي } [ التوبة : 61 ] ، فيكون المراد بجملة : { يحلفون بالله لكم } [ التوبة : 62 ] أنّهم يحلفون إن لم تسألهم . فالحلف الصادر منهم حلف على الأعمّ من براءتهم من النفاق والطعن ، وجواب السؤال عن أمور خاصّة يُتهمون بها جواب يراد منه أنّ ما صدر منهم ليس من جنس ما يُتّهمون به ، فإذا سئلوا عن حديث يجري بينهم يستراب منهم أجابوا بأنّه خوض ولعب ، يريدون أنّه استجمام للراحة بين أتعاب السفر لما يحتاجه الكادُّ عملاً شاقّاً من الراحة بالمزح واللعب . وروي أنّ المقصود من هذه الآية : أنّ ركباً من المنافقين الذين خرجوا في غزوة تبوك نفاقاً ، منهم : وديعةُ بن ثابت العَوْفي ، ومخشي بن حُمَيِّر الأشجعي ، حليف بني سَلِمة ، وقفوا على عَقَبَة في الطريق ينظرون جيش المسلمين فقالوا انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتتح حصون الشام هيهات هيهات فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن مناجاتهم فأجابوا « إنّما كنّا نخوض ونلعب » .
وعندي أنّ هذا لا يتّجه لأنّ صيغة الشرط مستقبلة فالآية نزلت فيما هو أعمّ ، ممّا يسألون عنه في المستقبل ، إخباراً بما سيجيبون ، فهم يسألون عمّا يتحدّثون في مجالسهم ونواديهم ، التي ذكرها الله تعالى في قوله : { وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون } [ البقرة : 14 ] لأنّهم كانوا كثيري الإنفراد عن مجالس المسلمين . وحذف متعلّق السؤال لظهوره من قرينة قوله : { إنما كنا نخوض ونلعب } . والتقدير : ولئن سألتهم عن حديثهم في خلواتهم ، أعلم الله رسوله بذلك وفيه شيء من دلائل النبوءة . ويجوز أن تكون الآية قد نزلت قبل أن يسألهم الرسول ، وأنّه لمَّا سألهم بعدها أجابوا بما أخبرت به الآية .
والقصر للتعيين : أي ما تحدثْنا إلاّ في خوض ولعب دون ما ظننته بنا من الطعن والأذى .
والخوض : تقدّم في قوله تعالى : { وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا } في سورة الأنعام ( 68 ) .
واللعب تقدّم في قوله : { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو } في الأنعام ( 32 ) ، ولمّا كان اللعب يشمل الاستهزاء بالغير جاء الجواب عن اعتذارهم بقوله : كنتم تستهزءون } فلمّا كان اعتذارهم مبهماً ردّ عليهم ذلك إذ أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم جواب الموقن بحالهم بعد أن أعلمه بما سيعتذرون به فقال لهم { أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون } ، على نحو قوله تعالى : { فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة } [ الإسراء : 51 ] .
والاستفهام إنكاري توبيخي . وتقديم المعمول وهو { أبالله } على فعله العامل فيه لقصد قصر التعيين لأنّهم لما أتوا في اعتذارهم بصيغة قصر تعيين جيء في الردّ عليهم بصيغة قصر تعيين لإبطال مغالطتهم في الجواب ، فاعلمهم بأنّ لعبهم الذي اعترفوا به ما كان إلاّ استهزاء بالله وآياته ورسوله لا بغير أولئك ، فقصْر الاستهزاء على تعلّقه بمن ذكر اقتضى أنّ الاستهزاء واقع لا محالة لأنّ القصر قيد في الخبر الفعلي ، فيقتضي وقوعَ الفعل ، على ما قرّره عبد القاهر في معنى القصر الواقع في قول القائل : أنَا سعيتُ في حاجتك وأنّه يؤكّد بنحو : وحدي ، أوْ لا غيري ، وأنّه يقتضي وقوع الفعل فلا يقال : ما أنا قلت هذا ولا غيري ، أي ولا يقال : أنا سعيت في حاجتك وغيري ، وكذلك هنا لا يصحّ أن يفهم أبالله كنتم تستهزِئون أم لَمْ تكونوا مستهزئين .
والاستهزاء بالله وبآياته إلزام لهم : لأنّهم استهزأوا برسوله وبدينه ، فلزمهم الاستهزاء بالذي أرسله بآيات صدقه .