التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُواْ خَٰسِرِينَ} (53)

ثم حكى - سبحانه - ما قاله المؤمنون الصادقون على سبيل الإِنكار لمسالك المنافقين الخبيثة وتوبيخهم على ضعف إيمانهم ، وهوان نفوسهم فقال - تعالى : { وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ أهؤلاء الذين أَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ } .

قال الآلوسي : قوله : { وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ } كلام مستأنف لبيان كمال سوء حال الطائفة المذكورة : - وهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي بإثبات الواو مع الرفع .

وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر بغير واو على أنه استئناف بياني ، كأنه قيل : فماذا يقول المؤمنون حينئذ ؟ .

وقرأ أبو عمرو ويعقوب : ويقول بالنصب عطفا على { فَيُصْبِحُواْ } .

وقوله : { جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي : أقوى أيمانهم وأغلظها . والجهد : الوسع والطاقة والمشقة .

يقال جهد نفسه يجهدها في الأمر إذا بلغ بها أقصى وسعها وطاقتها فيه . والمراد : أنهم أكدوا الإِيمان ووثقوها بكل ألفاظ التأكيد والتوثيق .

والمعنى : ويقول الذين آمنوا بعضهم لبعض مستنكرين ما صدر عن المنافقين من خداع وكذب ، ومتعجبين من ذبذبتهم والتوائهم : يقولون مشيرين إلى المنافقين : أهؤلاء الذين أقسموا بالله مؤكدين إيمانهم بأقوى المؤكدات وأوثقها ، بأن يكونوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ومعنا في ولايتهم ونصرتهم ومعونتهم .

. . ؟

فالاستفهام للإِنكار والتعجيب من أحوال هؤلاء المنافقين الذين مردوا على الخداع والكذب .

وقد ذكر صاحب الكشاف وجها آخر في معنى ويقول الذين آمنوا فقال : فإن قلت : لمن يقولون هذا القول ؟ قلت : إما أن يقوله بعضهم لبعض تعجبا من حالهم ، واغتباطا بما من الله عليهم من التوفيق في الإِخلاص { أهؤلاء الذين أَقْسَمُواْ } لكم بأغلظ الإِيمان أنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار .

وإما أن يقولوه لليهود ، لأنهم - أي المنافقون - حلفوا لهم بالمعاضدة والنصرة كما حكى الله عنهم { وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } ثم خذلوهم - ، :

وعلى كلا الوجهين فالجملة الكريمة تنعى على المنافقين كذبهم وجبنهم ، وتعجب الناس من طباعهم الذميمة ، وأخلاقهم المرذولة .

وقوله : { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } أي : فسدت أعمالهم وبطلت فصابروا خاسرين في الدنيا والآخرة .

ويحتمل أن تكون هذه الجملة مما حكاه الله - تعالى - من قول المؤمنين ويحتمل أنها من كلام الله - تعالى - وقد ساقها على سبيل الحكم عليهم بفساد أعمالهم ، وسوء مصيرهم .

هذا ، وقد اشتملت هذه الآيات الكريمة على ضرورب من توكيد النهي عن موالاة أعداء الله - تعالى - بأساليب متعددة .

منها : النهي الصريح كما في قوله - تعالى - : { لاَ تَتَّخِذُواْ اليهود والنصارى أَوْلِيَآءَ } .

ومنها : بيان علة الني كما في قوله : { بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } .

ومنها : التصريح بأن من يواليهم فهو منهم وذلك في قوله : { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ } .

ومنها : تسجيل الظلم على من يواليهم كما في قوله : { إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين } .

ومنها : الإِخبار بأن موالاتهم من طبيعة الذين في قلوبهم مرض قال - تعالى - : { فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } .

ومنها : قطع أطماع الموالين لهم وتبشير المؤمنين بالفوز قال - تعالى - : { فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ } .

ومنها : الإِخبار عن حال الموالين لهم بقوله : { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } .

وهنا قد يرد سؤال وهو : إن الآيات الكريمة وما يشبهها من الآيات القرآنية تؤكد النهي عن موالاة غير المسلمين ومودتهم فهل هذا النهي على إطلاقه ؟

والجواب عن ذلك أن غير المسلمين أقسام ثلاثة : القسم الأول : وهم الذين يعيشون مع المسلميلن ويسالمونهم ، ولا يعملون لحساب غيرهم ؛ ولم يبدر منهم ما يفضي إلى سوء الظن بهم وهؤلاء لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم ، ولا مانع من مودتهم والإِحسان إليهم كما في قوله - تعالى - { لاَّ يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وتقسطوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين } والقسم الثاني : وهم الذين يقاتلون المسلمين ، ويسيئون إليهم بشتى الطرق وهؤلاء لا تصح مصافاتهم ، ولا تجوز موالاتهم ، وهم الذين عناهم الله في الآيات التي معنا وفيما يشبهها من آيات كما في قوله - تعالى -

{ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الذين قَاتَلُوكُمْ فِي الدين وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ على إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فأولئك هُمُ الظالمون } والقسم الثالث : قوم لا يعلنون العداوة لنا ولكن القرائن تدل على أنهم لا يبحبوننا بل يحبون أعداءنا ، وهؤلاء يأمرنا ديننا بأن نأخذ حذرنا منهم دون أن نعتدي .

ومهما تكن أحوال غير المسلمين ؛ فإنه لا يجوز لولي الأمر المسلم أن يوكل إليهم ما يتعلق بأسرار الدولة الإسلامية . أو أن يتخذهم بطانة له بحيث يطلعون على الأمور التي يؤدي إفشاؤها إلى خسارة الأمة في السلم أو الحرب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ إِنَّهُمۡ لَمَعَكُمۡۚ حَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَأَصۡبَحُواْ خَٰسِرِينَ} (53)

فلما انعقدت الأسباب الفاضحة لهم ، تبين أمرهم لعباد الله المؤمنين ، فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنهم من المؤمنين ، ويحلفون على ذلك ويتأولون ، فبان كذبهم وافتراؤهم ؛ ولهذا قال تعالى : { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ }

وقد اختلف القراء في هذا الحرف ، فقرأه الجمهور بإثبات الواو في قوله : { وَيَقُولُ الَّذِينَ } ثم منهم من رفع { وَيَقُولُ } على الابتداء ، ومنهم من نصب عطفًا على قوله : { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } تقديره " أن يأتي " " وأن يقول " ، وقرأ أهل المدينة : { يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا } بغير واو ، وكذلك هو في مصاحفهم على ما ذكره ابن جرير ، قال ابن جُرَيْج ، عن مجاهد : { فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } حينئذ { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ }

/خ53