التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

ثم بين - سبحانه - بعض الجرائم التي ارتكبها المشركون ، والتي تجعلهم مستحقين لعذاب الله ، فقال - تعالى - : { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام وَمَا كانوا أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ المتقون ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } .

والمعنى : وأى شئ يمنع من عذاب مشركى قريش بعد خروجك - يا محمد - وخروج المؤمنين المستضعفين من بين أظهرهم ؟ إنه لا مانع أبدا من وقوع العذاب عليهم وقد وجد مقتضيه منهم ، حيث اجترحوا من المنكرات والسيئات ما يجعلهم مستحقين للعقاب الشديد .

فالاستفهام في قوله { وَمَا لَهُمْ . . } إنكارى بمعنى النفى . أى : لا مانع من تعذيب اله لهم وقوله { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام } جملة حالية مبينة لجريمة من جرائمهم الشنيعة ، أى : لا مانع يمنع من تعذيبهم : وكيف لا يعذبهم وحالهم أنهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالمسجد الحرام ، ومن زيارته . ومن مباشرة عباداتهم عنده . . ؟ إنهم لا بد أن يعذبوا على هذه الجرائم .

ولقد أوقع الله بهم عذابه في الدنيا : ومن ذلك ما حدث لهم يوم بدر من قتل صناديدهم ومن أسر وجهائهم .

وأما عذابهم في الآخرة فهو أشد وأبقى من عذابهم في الدنيا .

وقوله : { وَمَا كانوا أَوْلِيَآءَهُ } رد على ما كانوا يقولونه بالباطل : نحن ولاة البيت الحرام ، فلنا أن نصد من نشاء عن دخوله ، ولنا أن نبيح لمن نشاء دخوله .

أى : إن هؤلاء المشركين ما كانوا في يوم من الأيام أهلا لولاية البيت الحرام بسبب شركهم وعداوتهم - لله تعالى - رب هذا البيت .

وقوله { إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ المتقون ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } بيان للمستحقين لولاية البيت الحرام ، بعد نفيها عن المشركين .

أى : إن هؤلاء المشركين ليسوا أهلا لولاية البيت الحرام ، وليسوا أهلا لأن يكونوا أولياء لله - تعالى - بسبب كفرهم وجحودهم ، وإنما المستحقون لذلك هم المتقون الذين صانوا أنفسهم عن الكفر وعن الشرك وعن كل ما يغضب الله ، ولكن أكثر هؤلاء المشركين لا يعلمون ذلك بسبب جهلهم وتماديهم في الجحود والضلال .

وقد جاءت جملة { إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ المتقون } مؤكدة بأقوى ألوان التأكيد ، لنفى كل ولاية على البيت الحرام سوى ولا يتهم هم .

ونفى - سبحانه - العلم عن أكثر المشركين ، لأن قلة منهم كانت تعلم أنه لا ولاية لها على المسجد الحرام ولكنها كانت تجحد ذلك عناداً وغروراً . أو أن المراد بالأكثر الكل ، لأن للأكثر حكم الكل في كثير من الأحكام ، كما أن الأقل قد لا يعتبر فينزل منزلة العدم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

30

( وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام . وما كانوا أولياءه . إن أولياؤه إلا المتقون . ولكن أكثرهم لا يعلمون ) . .

إنه لا يمنع العذاب عنهم ما يدعونه من أنهم ورثة إبراهيم وسدنة بيت الله الحرام . . فهذه ليست سوى دعوى لا أساس لها من الواقع . إنهم ليسوا أولياء هذا البيت ولا أصحابه . إنهم أعداء هذا البيت وغاصبوه ! إن بيت الله الحرام ليس تركة يرثها الخلف عن السلف . إنه بيت الله يرثه أولياء الله المتقون لله . ومثله دعواهم أنهم ورثة إبراهيم - عليه السلام - فوراثة إبراهيم ليست وراثة دم ونسب ؛ إنما هي وراثة دين وعقيدة . والمتقون هم ورثة إبراهيم وبيت الله الذي بناه لله ؛ فإذا هم يصدون عنه أولياءه الحقيقيين المؤمنين بدين إبراهيم !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

وقوله عز وجل : { وما لهم ألا يعذبهم الله } توعد بعذاب الدنيا ، فتقديره وما يعلمهم أو يدريهم ونحو هذا من الأفعال التي توجب أن تكون «أن » في موضع نصب{[5317]} ، وقال الطبري : تقديره وما يمنعهم من أن يعذبوا ، والظاهر في قوله { وما } أنها استفهام على جهة التقرير والتوبيخ والسؤال ، وهذا أفصح في القول وأقطع لهم في الحجة ، ويصح أن تكون { ما } نافية ويكون القول إخباراً ، أي وليس لهم ألا يعذبوا وهم يصدون ، وقوله { وهم يصدون } على التأويلين جملة في موضع الحال ، و { يصدون } في هذا الموضع معناه يمنعون غيرهم ، فهو متعدٍّ كما قال الشاعر : [ الوافر ]

صددتِ الكأسَ عنا أمَّ عمرو . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ***{[5318]}

وقد تجيء صد عير متعدٍّ كما أنشد أبو علي : [ البسيط ]

صَّدت ُخَلْيَدُة عنّا ما تكلّمُنا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . {[5319]}

والضمير في قوله { أولياؤه } عائد على الله عز وجل من قوله { يعذبهم الله } ، أو على المسجد الحرام ، كل ذلك جيد ، روي الأخير عن الحسن ، والضمير الآخر تابع للأول وقوله { ولكن أكثرهم لا يعلمون } معناه لا يعلمون أنهم ليسوا بأوليائه بل يظنون أنهم أولياؤه ، وقوله { أكثرهم } ونحن نجد كلهم بهذه الصفة ، لفظ خارج إما على أن تقول إنه لفظ خصوص أريد به العموم وهذا كثير في كلام العرب ، ومنه حكى سيبويه من قولهم : قل من يقول ذلك ، وهم يريدون لا يقوله أحد .

وإما أن يقول : إنه أراد بقوله { أكثرهم } أن يعلم ويشعر أن بينهم وفي خلالهم قوماً قد جنحوا إلى الإيمان ووقع لهم علم وإن كان ظاهرهم الكفر فاستثارهم من الجميع بقوله { أكثرهم } وكذلك كانت حال مكة وأهلها ، فقد كان فيهم العباس وأم الفضل{[5320]} وغيرهما ، وحكى الطبري عن عكرمة قال الحسن بن أبي الحسن : إن قوله { وما لهم ألا يعذبهم الله } ، ناسخ لقوله { وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون } .

قال القاضي أبو محمد : وفي هذا نظر ، لأنه خبر لا يدخله نسخ .


[5317]:- قال الأخفش: إن [أن] زائدة، قال النحاس: لو كان كما قال لرفع [يعذبهم] فيكون الفعل في موضع الحال، كقوله تعالى: {وما لنا لا نؤمن بالله}. ويجوز أن تكون [أن] في موضع جر على تقدير (في) وتعلق بما تعلق به [لهم] والمعنى: أي شيء كائن أو مستقر لهم في ألا يعذبهم الله؟ أي: لا حظ لهم في انتفاء العذاب، فهم معذبون ولا بد.
[5318]:-هذا صدر بيت من معلقة عمرو بن كلثوم المشهورة التي بدأها بقوله: ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الأندرينا وقد روي (صبنت) بدلا من (صددت)- والصبن هو الصرف، ولكن الرواية المشهورة (صددت) والبيت بتمامه: صددت الكأس عنا أم عمرو وكان الكأس مجراها اليمينا والمعنى: صرفت الكأس عني يا أم عمرو، وكان مجرى الكأس على اليمين، فأجريتها على اليسار، أي أنك تعمدت أن تمنعي عني الكأس.
[5319]:- الواضح أن (صدّ) هنا بمعنى: أعرض، فخليدة قد أعرضت عنه وامتنعت عن تكليمه، ولم نقف على قائل البيت ولا على بقيته.
[5320]:-أم الفضل هي لُبابة بنت الحارث الهلالية امرأة العباس بن عبد المطلب، وهي لبابة الكبرى، ولها أربع أخوات أخرج فيهن الزبير بن بكار عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الأخوات الأربع مؤمنات: أم الفضل، وميمونة، وأسماء، وسلمى). فأما ميمونة فهي أم المؤمنين، وأما أسماء وسلمى فأختاهما من أبيهما. وكان يقال لوالدة أم الفضل: أكرم الناس أصهارا، ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، والعباس تزوج أختها شقيقتها لبابة، وحمزة تزوج أختها سلمى، وجعفر بن أبي طالب شقيقتها أسماء ثم تزوجها بعده أبو بكر رضي الله عنهم أجمعين، وقد ماتت أم الفضل في خلافة عثمان قبل زوجها العباس. (الإصابة).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا لَهُمۡ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ وَهُمۡ يَصُدُّونَ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ وَمَا كَانُوٓاْ أَوۡلِيَآءَهُۥٓۚ إِنۡ أَوۡلِيَآؤُهُۥٓ إِلَّا ٱلۡمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (34)

عطف على قوله : { وما كان الله ليعذبهم وأنتَ فيهم } [ الأنفال : 33 ] وهو ارتقاء في بيان أنهم أحقاء بتعذيب الله إياهم ، بياناً بالصراحة .

و { ما } استفهامية ، والاستفهام إنكاري ، وهي في محل المبتدأ و { لهم } خبره ، واللام للاستحقاق والتقدير ما الذي ثبت لهم لأن ينتفي عنهم عذاب الله فكلمة ( ما ) اسم استفهام إنكاري ، والمعنى : لم يثبت لهم شيء .

و { أنْ لا يعذبهم } مجرور بلام جر محذوفة بعد ( إن ) على الشائِع من حذف الجر مع ( أنْ ) والتقدير : أي شيء كان لهم في عدم تعذيبهم أي لم يكن شيء في عدم تعذيبهم أو مِن عدم تعذيبهم أي أنهم لا شيء يمنعهم من العذاب ، والمقصود الكناية عن استحقاقهم العذاب وحلوله بهم ، أوْ توقع حلوله بهم ، تقول العرب : مَالك أنْ لا تُكْرِمَ ، أي : أنت حقيق بأن تكَرم ولا يمنعك من الإكرام شيء ، فاللفظ نفي لمانع الفعل ، والمقصود أن الفعل توفرت أسبابه ثم انتفت موانعه ، فلم يبق ما يحول بينك وبينه .

وقد يتركون ( أن ) ويقولون : مالك لا تفعل فتكون الجملة المنفية بعد الاستفهام في موضع الحال وتكون تلك الحال هي مُثير الاستفهام الإنكاري ، وهذا هو المعنى الجاري على الاستعمال .

وجوزوا أن تكون { ما } في الآية نافية فيكون { أن لا يعذبهم } اسمها و { لهم } خبرها والتقدير وما عدم التعذيب كائناً لهم .

وجملة : { وهم يصدون عن المسجد الحرام } في موضع الحال على التقديرين .

والصد الصرف ، ومفعول { يصدون } محذوف دل عليه السياق ، أي يصدون المؤمنين عن المسجد الحرام بقرينة قوله : { إنْ أولياؤه إلاّ المتقون } فكان الصد عن المسجد الحرام جريمة عظيمة يستحق فاعلوه عذاب الدنيا قبيل عذاب الآخرة ، لأنه يؤول إلى الصد عن التوحيد لأن ذلك المسجد بنَاه مُؤسسه ليكون علَماً على توحيد الله ومأوى للموحدين ، فصدهم المسلمين عنه ، لأنهم آمنوا بإله واحد ، صرف له عن كونه علَماً على التوحيد ، إذ صار الموحدون مَعدودين غيرَ أهل لزيادته ، فقد جعلوا مضادين له ، فلزم أن يكون ذلك المسجد مضاداً للتوحيد وأهلِه ، ولذلك عقب بقوله : { وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلاّ المتقون } وهذا كقوله : { ومن يُرد فيه بإلحادٍ بظلمٍ نذقه من عذابٍ أليمٍ } [ الحج : 25 ] ، والظلم الشرك لقوله : { إن الشرك لظلمٌ عظيمٌ } [ لقمان : 13 ] .

وهذا الصد الذي ذكرتْه الآية : هو عزمهم على صدّ المسلمين المهاجرين عن أن يحجوا ويعْتمروا ، ولعلهم أعلنوا بذلك بحيث كان المسلمون لا يدخلون مكة . وفي « الكشاف » : « كانوا يقولون نحن وُلاَة البيت والحرم فنصد من نشاء ونُدخل من نشاء » .

قلت : ويشهد لذلك قضية سعد بن معاذ مع أبي جهل ففي « صحيح البخاري » عن عبد الله بن مسعود ، أنه حدث عن سعد بن معاذ : « أنه كان صديقاً لأمية بن خلف ، وكان أمية إذا مرَّ بالمدينة نزل على سعد ، وكان سعد إذا مرَّ بمكة نزل على أمية ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انطلق سعد معتمراً فنزل على أمية بمكة فقال لأمية انظُرْ لي ساعة خلوة لعليَ أطوف بالبيت فخرج قريباً من نصف النهار ، فلقيهما أبو جهل ، فقال : يا أبا صفوان مَن ( كنية أمية بن خلف ) هذا معك فقال : هذا سعد ، فقال له أبو جهل : ألا أراك تطوف باليبت آمناً وقد آوَيْتُم الصباة أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعتَ إلى أهلك سالماً » الحديث .

وقد أفادت الآية : أنهم استحقوا العذاب فنبهت على أن ما أصابهم يوم بدر ، من القتل والأسر ، هو من العذاب ، ولكن الله قد رحم هذه الأمة تكرمة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فلم يؤاخذ عامتهم بظلم الخاصة بل سلط على كل أحد من العذاب ما يُجازي كفره وظُلمه وإذايته النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين ، ولذلك عذب بالقتل والأسر والإهانة نفراً عُرفوا بالغلو في كفرهم وأذاهم ، مثل النضر بن الحارث ، وطعيمة بن عدي ، وعُقبة بن أبي مُعَيط ، وأبي جهل ، وعذب بالخوف والجوع من كانوا دون هؤلاء كفراً واستبقاهم وأمهلهم فكان عاقبة أمرهم أن أسلموا بقرب أو بُعد وهؤلاء مثل أبي سفيان ، وحكيم بن حزام ، وخالد بن الوليد ، فكان جزاؤه إياهم على حسب علمه ، وحقق بذلك رجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال : " لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده " وجملة : { وما كانوا أولياءه } في موضع الحال من ضمير { يصُدون } والمقصود من هذه الحال إظهار اعتدائهم في صدهم عن المسجد الحرام ، فإن مَن صدّ عما هو له من الخير كان ظالماً ، ومَن صدّ عما ليس من حقه كان أشدّ ظلماً ، ولذلك قال تعالى : { ومَن أظْلَم ممن منعَ مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه } [ البقرة : 114 ] أي لا أظلمَ منه أحد لأنه منع شيئاً عن مستحقه .

وجملة : { إن أولياؤه إلاّ المتقون } تعيين لأوليائه الحق ، وتقرير لمضمون { وما كانوا أولياءه } مع زيادة ما أفاده القصر من تعيين أوليائِه ، فهي بمنزلة الدليل على نفي ولاية المشركين ، ولذلك فصلت .

وإنما لم يُكتف بجملة القصر مع اقتضائه أن غير المتقين ليسوا أولياء المسجد الحرام ، لقصد التصريح بظلم المشركين في صدهم المسلمين عن المسجد الحرام بأنهم لا ولاية لهم عليه ، فكانت جملة : { وما كانوا أولياءه } أشد تعلقاً بجملة : { وهم يصدون عن المسجد الحرام } من جملة : { إِن أولياؤه إلاّ المتقون } وكانت جملة : { إن أولياءه إلا المتقون } كالدليل ، فانتظم الاستدلال أبدع انتظام ، ولما في إناطة ولاية المسجد الحرام بالمتقين من الإشارة إلى أن المشركين الذين سلبت عنهم ولايته ليسوا من المتقين ، فهو مذمة لهم وتحقيق للنفي بحجة .

والاستدراك الذي أفاده { لكن } ناشىء عن المقدمتين اللتين تضمنتهما جملتا { وما كانوا أولياءه ، إن أولياؤه إلاّ المتقون } لأن ذلك يثير فرض سائل يسأل عن الموجب الذي أقحمهم في الصد عننِ المسجد الحرام ، ويحسبون أنهم حقيقون بولايته لما تقدم عن « الكشاف » ، فحذف مفعول { يعلمون } لدلالة الاستدراك عليه لتعلق الاستدراك بقوله : { وما كانوا أولياءه } .

وإنما نفَى العلم عن أكثرهم دون أن يقال ولكنهم لا يعلمون فاقتضى أن منهم من يعلم أنهم ليسوا أولياء المسجد الحرام ، وهم من أيقنوا بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم واستفاقوا من غفلتهم القديمة ، ولكن حملهم على المشايعة للصادين عن المسجد الحرام ، العنادُ وطلبُ الرئاسة ، وموافقة الدهماء على ضلالهم ، وهؤلاء هم عقلاء أهل مكة ومن تهيأ للإيمان منهم مثل العباسسِ وعَقيل بن أبي طالب وأبي سفيان بن حرب وحَكيم بن حزم وخالد بن الوليد ، ومن استبقاهم الله للإسلام فكانوا من نصرائه من بعد نزول هذه الآية .