ثم بين - سبحانه - حال المستعد لهداية الإسلام ، وحال المستعد للضلال فقال :
{ فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } .
أى : فمن يرد الله أن يهديه للإسلام ، ويوفقه له ، يوسع صدره لقبوله ، ويسهله له بفضله وإحسانه .
وشرح الصدر : توسعته ، يقال : شرح الله صدره فانشرح ، أى : وسعه فاتسع ، وهو مجاز أو كناية عن جعل النفس مهيأة لحلول الحق فيها . مصفاة عما يمنعه وينافيه .
روى عبد الرازق أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية : كيف يشرح صدره ؟ فقال : " نور يقذف فينشرح له وينفسح ، قالوا : فهل لذلك من أمارة يعرف بها ؟ قال : الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافة عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل لقاء الموت " .
وقوله : { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } أى ومن يرد أن يضله لسوء اختياره ، وإيثاره الضلالة على الهداية يصير صدره ضيقا متزايد الضيق لا منفذ فيه للإسلام .
والحرج : مصدر حرج صدره حرجا فهو حرج ، أى : ضاق ضيقا شديداً . وصف به الضيق للمبالغة ، كأنه نفس الضيق ، وأصل الحرج مجتمع الشىء ويقال : للحديقة الملتفة الأشجار التى يصعب دخولها حرجة .
وقرىء حرجا - بكسر الراء - صفة لقوله { ضَيِّقاً } .
روى أن جماعة من الصحابة قرأوا أمام عمر - رضى الله عنه - " ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا " بكسر الراء فقال عمر : يا فتى ما الحرجة فيكم ؟ قال الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار التى لا تصل إليها راعية ولا وحشية . فقال عمر : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شىء من الخير " .
وقوله { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السمآء } استئناف ، أو حال من ضمير الوصف ، أو وصف آخر لقلب الضال ، والمراد المبالغة فى ضيق صدره حيث شبه بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما هو خارج عن دائرة الاستطاعة .
أى : كأنما إذا دعى إلى الإسلام قد كلف الصعود إلى السماء وهو لا يستطيعه بحال . ويصعد أى : يتصعد ، بمعنى يتكلف الصعود فلا يقدر عليه .
وفيه إشارة إلى أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود .
وقوله : { كذلك يَجْعَلُ الله الرجس عَلَى الذين لاَ يُؤْمِنُونَ } أى : مثل جعل الصدر ضيقا حرجا بالإسلام ، يجعل الله الرجس . أى : العذاب ، أو الخذلان ، أو اللعنة فى الدنميا على الذين لا يؤمنون بالإسلام .
ثم تختم الجولة بتصوير حالة الهدى وحالة الايمان في داخل القلوب والنفوس :
( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام . ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء . . كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) . .
من يقدر الله له الهداية - وفق سنته الجارية من هداية من يرغب في الهدى ويتجه إليه بالقدر المعطى له من الاختيار بقصد الابتلاء - ( يشرح صدره للإسلام ) ؛ فيتسع له ؛ ويستقبله في يسر ورغبة ، ويتفاعل معه ، ويطمئن إليه ؛ ويستروح به ويستريح له .
ومن يقدر له الضلال - وفق سنته الجارية من إضلال من يرغب عن الهدى ويغلق فطرته عنه ( يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) . . فهو مغلق مطموس يجد العسر والمشقة في قبوله ، ( كأنما يصعد في السماء ) . . وهي حالة نفسية تجسم في حالة حسية ، من ضيق النفس ، وكربة الصدر ، والرهق المضني في التصعد إلى السماء ! وبناء اللفظ ذاته ( يصعد )- كما هو في قراءة حفص - فيه هذا العسر والقبض والجهد . وجرسه يخيل هذا كله ، فيتناسق المشهد الشاخص ، مع الحالة الواقعة ، مع التعبير اللفظي في إيقاع واحد .
وينتهي المشهد بهذا التعقيب المناسب :
( كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) . .
. . كذلك . . بمثل هذا الذي يجري به قدر الله من شرح صدر الذي يريد الله به الهدى ، ومن العسر والجهد والمشقة لمن يريد به الضلال . . كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون .
ومن معاني الرجس : العذاب . ومن معانيه كذلك : الارتكاس - وكلاهما يلون هذا العذاب بمشهد الذي يرتكس في العذاب ويعود إليه ولا يفارقه ! وهو الظل المقصود !
على أنه تبقى في النفس بقية من الحديث عن قوله تعالى : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام . ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء . كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ) . .
إن تصور الحقيقة التي يقررها هذا النص وأمثاله في القرآن الكريم من النصوص التي تتعلق بالتعامل والارتباط بين مشيئة الله - سبحانه - واتجاهات البشر ؛ وما يصيبهم من الهدى والضلال ، وما ينالهم بعد ذلك من جزاء وثواب وعقاب . . إن هذا كله يحتاج إلى استخدام منطقة أخرى من مناطق الإدراك البشري وراء منطقة المنطق الذهني ! وكل ما ثار من الجدل بشأن هذه القضية سواء في تاريخ الفكر الإسلامي ، وبخاصة بين المعتزلة وأهل السنة والمرجئة - أو في تاريخ اللاهوت والفلسفة - وكل القضايا والتعبيرات عنها ، موسومة بطابع المنطق الذهني .
إن تصور هذه الحقيقة يحتاج إلى استخدام منطقة أخرى من مناطق الإدراك البشري وراء منطقة المنطق الذهني . وكذلك يقتضي التعامل مع " الواقع الفعلي " لا مع " القضايا الذهنية " . فالقرآن يصور الحقيقة الفعلية في الكينونة البشرية وفي الوجود الواقع ؛ وهذه الحقيقة يتراءى فيها التشابك بين مشيئة الله وقدره وبين إرادة الإنسان وعمله . في محيط لا يدركه المنطق الذهني كله .
فإذا قيل : إن إرادة الله تدفع الإنسان دفعا إلى الهدى أو الضلال . . لم تكن هذه هي الحقيقة الفعلية . وإذا قيل : إن إرادة الإنسان هي التي تقرر مصيره كله . . لم تكن هذه هي الحقيقة الفعلية كذلك ! إن الحقيقة الفعلية تتألف من نسب دقيقة - وغيبية كذلك - بين طلاقة المشيئة الإلهية وسلطانها الفاعل ، وبين اختيار العبد واتجاهه الإرادي . بلا تعارض بين هذه وتلك ولا تصادم . .
ولكن تصور الحقيقة " الفعلية " كما هي في واقعها هذا لا يمكن أن يتم في حدود المنطق الذهني . وفي شكل القضايا الذهنية والعبارة البشرية عنها . . إن نوع الحقيقة هو الذي يحدد منهج تناولها وأسلوب التعبير عنها . . وهذه الحقيقة لا يصلح لها منهج المنطق الذهني ولا القضايا الجدلية .
كذلك يحتاج تصور هذه الحقيقة كما هي في واقعها الفعلي إلى تذوق كامل في تجربة روحية وعقلية . . إن الذي تتجه فطرته إلى الإسلام يجد في صدره انشراحاً له . . هو من صنع الله قطعاً . . فالانشراح حدث لا يقع إلا بقدر من الله يخلقه ويبرزه . والذي تتجه فطرته إلى الضلال يجد في صدره ضيقا وتقبضا وعسراً . . هو من صنع الله قطعا . . لأنه حدث لا يتم وقوعه الفعلي إلا بقدر من الله يخلقه ويجري به كذلك . . وكلاهما من إرادة الله بالعبد . . ولكنها ليست إرادة القهر . إنما هي الإرادة التي انشأت السنة الجارية النافذة من أن يبتلي هذا الخلق المسمى بالإنسان بهذا القدر من الإرادة . وأن يجري قدر الله بإنشاء ما يترتب على استخدامه لهذا القدر من الإرادة في الاتجاه للهدى أو للضلال .
وحين توضع قضية ذهنية في مواجهة قضية ذهنية . وحين يتم التعامل مع هذه القضايا ، بدون استصحاب الملامسة الباطنية للحقيقة ، والتجربة الواقعية في التعامل معها ، فإنه لا يمكن أبداً أن يتم تصور كامل وصحيح لهذه الحقيقة . . وهذا ما وقع في الجدل الإسلامي . . وفي غيره كذلك !
إنه لا بد من منهج آخر ومن تذوق مباشر للتعامل مع هذه الحقيقة الكبيرة . .
{ فمن يرد الله أن يهديه } يعرفه طريق الحق ويوفقه للإيمان . { يشرح صدره للإسلام فيتسع له وينفسح فيه مجاله ، وهو كناية عن جعل النفس قابلة للحق مهيأة لحلوله فيها مصفاة عما يمنعه وينافيه ، وإليه أشار إليه أفضل الصلاة والسلام حين سأل عنه فقال " نور يقذفه الله سبحانه وتعالى في قلب المؤمن فينشرح له وينفسح " فقالوا : هل لذلك من أمارة يعرف بها فقال : نعم الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله " . { ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا } بحيث ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان . وقرأ ابن كثير { ضيقا } بالتخفيف ونافع وأبو بكر عن عاصم حرجا بالكسر أي شديد الضيق ، والباقون بالفتح وصفا بالمصدر . { كأنما يصعد في السماء } شبهة مبالغة في ضيق صدره بمن يزاول ما لا يقدر عليه ، فإن صعود السماء مثل فيما يبعد عن الاستطاعة ، ونبه به على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع الصعود . وقيل معناه كأنما يتصاعد إلى السماء نبوا عن الحق وتباعدا في الهرب منه ، وأصل يصعد يتصعد وقد قرئ به وقرأ ابن كثير { يصعد } وأبو بكر عن عاصم يصاعد بمعنى يتصاعد . { كذلك } أي كما يضيق صدره ويبعد قلبه عن الحق . { يجعل الله الرجس على الذين يؤمنون } يجعل العذاب أو الخذلان عليهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر للتعليل .
وقوله تعالى : { فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام } ، الآية ، «من » أداة شرط ، و { يشرح } جواب الشرط ، والآية نص في أن الله عز وجل يريد هدى المؤمن وضلال الكافر ، وهذا عند جميع أهل السنة بالإرادة القديمة التي هي صفة ذاته تبارك وتعالى ، و «الهدى » في هذه الآية هو خلق الإيمان في القلب واختراعه ، و «شرح الصدر » هو تسهيل الإيمان وتحبيبه وإعداد القلب لقبوله وتحصيله ، والهدى لفظة مشتركة تأتي بمعنى الدعاء كقوله عز وجل : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }{[5081]} وتأتي بمعنى إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق والأعمال المفضية إليها ، كقوله تعالى : { فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم }{[5082]} وغير ذلك ، إلا أنها في هذه الآية وفي قوله { من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون }{[5083]} ، وفي قوله { إنك لا تهدي من أحببت }{[5084]} ونحوها لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان واختراعه ، إذ الوجوه من الهدى تدفعها قرائن الكلام مما قبل وبعد ، وقوله { يشرح صدره } ألفاظ مستعارة ها هنا إذ الشرح التوسعة والبسط في الأجسام وإذا كان الجرم مشروحاً موسعاً كان معداً ليحل فيه ، فشبه توطئة القلب وتنويره وإعداده للقبول بالشرح والتوسيع ، وشبه قبوله وتحصيله للايمان بالحلول في الجرم المشروح ، و «الصدر » عبارة عن القلب وهو المقصود إذ الإيمان من خصاله ، وكذلك الإسلام عبارة عن الإيمان إذ الإسلام أعم منه ، وإنما المقصود هنا الإيمان فقط بدليل قرينة الشرح والهدى ، ولكنه عبر بالإسلام إذ هو أعم . وأدنى الهدى حب الأعمال وامتثال العبادات . وفي { يشرح } ضمير عائد على الهدى ، قال : وعوده على الله عز وجل أبين .
قال القاضي أبو محمد : والقول بأن الضمير عائد على المهدي قول يتركب عليه مذهب القدرية في خلق الأفعال وينبغي أن يعتقد ضعفه وأن الضمير إنما هو عائد على اسم الله عز وجل ، فإن هذا يعضده اللفظ والمعنى ، وروي عن النبي عليه السلام أنه لما نزلت هذه الآية ، «قالوا يا رسول الله ، كيف يشرح الصدر ؟ قال :«إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفسح ، قالوا وهل لذلك علامة يا رسول الله ؟ قال : نعم : الإنابة إلى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل الفوت »{[5085]} والقول في قوله { ومن يرد أن يضله } كالقول في قوله { فمن يرد الله أن يهديه } ، وقوله { يجعل صدره ضيقاً حرجاً } ألفاظ مستعارة تضاد شرح الصدر للإسلام ، ويجعل في هذا الموضع تكون بمعنى يحكم له بهذا الحكم ، كما تقول :«هذا يجعل البصرة مصراً{[5086]} » أي يحكم لها بحكمها .
قال القاضي أبو محمد : وهذا المعنى يقرب من صير ، وحكاه أبو علي الفارسي ، وقال أيضاً يصح أن يكون «جعل » بمعنى سمى ، كما قال تعالى { وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن إناثاً }{[5087]} أي سموهم ، قال وهذه الآية تحتمل هذا المعنى .
قال القاضي أبو محمد : وهذا الوجه يضعف في هذه الآية ، وقرأ جمهور الناس والسبعة سوى ابن كثير «ضيِّقاً » بكسر الياء وتشديدها ، وقرأ ابن كثير «ضيْقاً » بسكون الياء وكذلك قرأ في الفرقان{[5088]} ، قال أبو علي وهما بمنزلة الميِّت والميْت ، قال الطبري وبمنزلة الهيِّن والليِّن والهيْن والليْن ، قال ويصح أن يكون الضيق مصدراً من قولك ضاق والأمر يضيق ضيقاً وضيقاً ، وحكي عن الكسائي أنه قال الضِّيق بشد الضاد وكسرها في الأجرام والمعاش ، والضَّيِق بفتح الضاد : في الأمور والمعاني ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي «حرَجاً » بفتح الراء وقرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر «حرِجاً » بكسرها ، قال أبو علي فمن فتح الراء كان وصفاً بالمصدر كما تقول رجل َقمَن بكذا وحرَي بكذا ودنَف{[5089]} ، ومن كسر الراء فهو كدِنف وقمِن وفرِق{[5090]} ، وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قرأها يوماً بفتح الراء فقرأها له بعض الصحابة بكسر الراء ، فقال : ابغوني رجلاً من كنانة وليكن راعياً من بني مدلج ، فلما جاءه قال له : يا فتى ما الحرجة عندكم ؟ قال : الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية . قال عمر : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شيء من الخير ، وقوله تعالى : { كأنما يصعد في السماء } أي كأن هذا الضيق الصدر يحاول الصعود في السماء متى حاول الإيمان أو فكر فيه ويجد صعوبته عليه كصعوبة الصعود في السماء ، قال بهذا التأويل ابن جريج وعطاء الخراساني والسدي ، وقال ابن جبير : المعنى لا يجد مسلكاً إلا صعداً من شدة التضايق ، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي «يصعد » بإدغام التاء من يتصعد في الصاد ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «يصّاعد » بإدغام التاء من يتصاعد في السماء ، وقرأ ابن كثير وحده «يصعد »{[5091]} ، وقرأ ابن مسعود والأعمش وابن مصرف «يتصعد » بزيادة تاء ، و { في السماء } يريد من سفل إلى علو في الهواء ، قال أبو علي : ولم يرد السماء المظلة بعينها ، وإنما هو كما قال سيبويه والقيدود : الطويل في غير سماء ، يريد في غير ارتفاع صعداً قال ومن هذا قوله عز وجل :
{ قد نرى تقلب وجهك في السماء }{[5092]} أي في وجهة الجو .
قال القاضي أبو محمد : وهذا على غير من تأول تقلب الوجه أنه الدعاء إلى الله عز وجل في الهداية إلى قبلة فإن مع الدعاء يستقيم أن يقلب وجهه في السماء المظلة حسب عادة الداعين إذ قد ألفوا مجيء النعم والآلاء من تلك الجهة ، وتحتمل الآية أن يكون التشبيه بالصاعد في عقبة كؤود كأنه يصعد بها الهواء ، و { يصعد } معناه يعلو ، و { يصعد } معناه يتكلف من ذلك ما يشق عليه . ومنه قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :«ما تصَّعدني شيء كما تصَّعدني خطبة النكاح » ، إلى غير ذلك من الشواهد ، «ويَّصاعد » في المعنى مثل «يَّصعد » وقوله تعالى : { كذلك يجعل الله الرجس } أي وكما كان هذه كله من الهدى والضلال بإرادة الله عز وجل ومشيئته كذلك يجعل الله الرجس ، قال أهل اللغة { الرجس } يأتي بمعنى العذاب ويأتي بمعنى النجس ، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال : { الرجس } كل ما لا خير فيه وقال بعض الكوفيين : الرجس والنجس لغتان بمعنى ، «ويجعل » في هذا الموضع يحسن أن تكون بمعنى يلقي كما تقول جعلت متاعك بعضه على بعض ، وكما قال عز وجل { ويجعل الخبيث بعضه على بعض }{[5093]} .
قال القاضي أبو محمد : وهذا المعنى في َجَعَل حكاه أبو علي الفارسي ، ويحسن أن تكون { يجعل } في هذه الآية بمعنى يصير ويكون المفعول الثاني في ضمن { على الذين لا يؤمنون } ، كأنه قال سبحانه :«قرين الدين » أو«لزيم الذين »ونحو ذلك .
الفاء مُرتِّبة الجملةَ الّتي بعدها على مضمون ما قبلها من قوله : { أو من كان ميّتاً فأحييناه } [ الأنعام : 122 ] وما ترتَّب عليه من التّفاريع والاعتراض . وهذا التّفريع إبطال لتعلّلاتهم بعلّة { حتى نوتى مثل ما أوتي رسل الله } [ الأنعام : 124 ] ، وأنّ الله منعهم ما علّقوا إيمانَهم على حصوله ، فتفرّع على ذلك بيان السّبب المؤثّر بالحقيقة إيمانَ المؤمن وكُفْرَ الكافر ، وهو : هداية الله المؤمنَ ، وإضلالُه الكافرَ ، فذلك حقيقة التّأثير ، دون الأسباب الظّاهرة ، فيعرف من ذلك أنّ أكابر المجرمين لو أوتوا ما سألوا لما آمنوا ، حتّى يريد الله هدايتهم إلى الإسلام ، كما قال تعالى : { إنّ الذين حقّت عليهم كلمات ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آية حتّى يَروا العذاب الأليم } [ يونس : 96 ، 97 ] وكما قال : { ولو أنَّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشَرْنا عليهم كلّ شيء قِبَلاً ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء الله } [ الأنعام : 111 ] .
والهدى إنَّما يتعلّق بالأمور النّافعة : لأنّ حقيقته إصابة الطريق الموصّل للمكان المقصود ، ومجازَه رشاد العقل ، فلذلك لم يحتج إلى ذكر متعلِّقه هنا لظهور أنَّه الهدى للإسلام ، مع قرينة قوله : { يشرح صدره للإسلام } ، وأمّا قوله : { فاهْدُوهم إلى صراط الجحيم } [ الصافات : 23 ] فهو تهكّم . والضّلال إنَّما يكون في أحوال مضرّة لأنّ حقيقته خطأ الطّريق المطلوب ، فلذلك كان مُشعراً بالضرّ وإن لم يذكر متعلّقه ، فهو هنا الاتّصاف بالكفر لأنّ فيه إضاعة خير الإسلام ، فهو كالضّلال عن المطلوب ، وإن كان الضّالّ غير طالب للإسلام ، لكنّه بحيث لو استقبَلَ من أمره ما استدبَر لطلبه .
والشّرْح حقيقته شقّ اللّحم ، والشّريحة القطعة من اللّحم تشقّ حتّى ترقّق ليقع شَيُّها . واستعمل الشّرح في كلامهم مجازاً في البيان والكشف ، واستعمل أيضاً مجازاً في انجلاء الأمر ، ويقين النّفس به ، وسكون البال للأمر ، بحيث لا يتردّد فيه ولا يغتمّ منه ، وهو أظهر التّفسيرين في قوله تعالى : { ألم نشرح لك صدرك } [ الشرح : 1 ] .
والصّدر مراد به الباطن ، مجازاً في الفهم والعقل بعلاقة الحلول ، فمعنى { يشرح صدره } يجعل لنفسه وعقله استعداداً وقبولاً لتحصيل الإسلام ، ويُوطّنه لذلك حتّى يسكن إليه ويرضى به ، فلذلك يشبَّه بالشّرح ، والحاصل للنّفس يسمّى انشراحاً ، يقال : لم تنشرح نفسي لكذا ، وانشرحتْ لكذا . وإذا حلّ نور التّوفيق في القلب كان القلب كالمتّسع ، لأنّ الأنوار توسّع مناظر الأشياء . روى الطّبري وغيره ، عن ابن مسعود : « أنّ ناساً قالوا : يا رسول الله كيف يشرحُ الله صدره للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل فيه النّور فينفسح قالوا وهل لذلك من علامة يعرف بها قال الإنابة إلى دار الخلود ، والتنحّي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل الفوت » .
ومعنى : { ومن يرد أن يضله } من يُرد دوام ضَلاله بالكفر ، أو من يُرد أن يضلّه عن الاهتداء إلى الإسلام ، فالمراد ضلال مستقبل ، إمَّا بمعنى دَوام الضلال الماضي ، وإمَّا بمعنى ضلال عن قبول الإسلام ، وليس المراد أن يضلّه بكفره القديم ، لأنّ ذلك قد مضى وتقرّر .
والضيِّقُ بتشديد الياء بوزن فَيْعِل مبالغة في وصف الشّيء بالضيّق ، يقال ضاق ضِيقاً بكسر الضاد وضَيقاً بفتحها والأشهر كسر الضاد في المصدر والأقيس الفتح ؛ ويقال بتخفيف الياء بوزن فَعْل ، وذلك مثل مَيِّت ومَيْت ، وهما وإن اختلفت زنتهما ، وكانت زنة فَيْعِل في الأصل تفيد من المبالغة في حصول الفعل ما لا تفيده زنة فَعْل ، فإنّ الاستعمال سوّى بينهما على الأصحّ . والأظهر أنّ أصل ضيِّق : بالتخفيف وصف بالمصدر ، فلذلك استويا في إفادة المبالغة بالوصف . وقرىء بهما في هذه الآية ، فقرأها الجمهور : بتشديد الياء ، وابن كثير : بتخفيفها . وقد استعير الضيِّق لضدّ ما استعير له الشّرح فأريد به الّذي لا يستعدّ لقبول الإيمان ولا تسكن نفسه إليه ، بحيث يكون مضطرب البال إذا عُرض عليه الإسلام ، وهذا كقوله تعالى : { حصرت صدورهم } وتقدّم في سورة النّساء ( 90 ) .
والحَرِج بكسر الراء صفة مشبّهة من قولهم : حَرِج الشّيء حرَجاً ، من باب فرح ، بمعنى ضاق ضيقاً شديداً ، فهو كقولهم : دَنِف ، وقَمِن ، وفَرِق ، وحَذِر ، وكذلك قرأه نافع ، وعاصم في رواية أبي بكر ، وأبو جعفر ، وأمّا الباقون فقرأوه بفتح الراء على صيغة المصدر ، فهو من الوصف بالمصدر للمبالغة ، فهو كقولهم : رجل دَنَف بفتح النّون وفَرَد بفتح الراء .
وإتْباع الضيِّق بالحرج : لتأكيد معنى الضيق ، لأنّ في الحرج من معنى شدّة الضّيق ما ليس في ضيق . والمعنى يجعل صدره غير متّسع لقبول الإسلام ، بقرينة مقابلته بقوله : { يشرح صدره للإسلام } . وزاد حالة المضلَّل عن الإسلام تبيينا بالتّمثيل ، فقال : { كأنما يصعد في السماء } .
قرأه الجمهور : { يصّعَّد } بتشديد الصاد وتشديد العين على أنَّه يَتفعَّل من الصعود ، أي بتكلّف الصعود ، فقلبت تاء التفعّل صاداً لأنّ التاء شبيهة بحروف الإطباق ، فلذلك تقلب طاء بعد حروف الإطباق في الافتعال قلباً مطّرداً ثمّ تدغم تارة في مماثلها أو مقاربها ، وقد تقلب فيما يشابه الافتعال إذا أريد التّخفيف بالإدغام ، فتدغم في أحد أحرف الإطباق ، كما هنا ، فإنَّه أريد تخفيف أحد الحروف الثّلاثة المتحرّكة المتوالية من ( يَتصعّد ) ، فسُكنت التاء ثمّ أدغمت في الصّاد إدغام المقارب للتخفيف . وقرأه ابن كثير : { يَصْعَد } بسكون الصّاد وفتح العين ، مخفّفاً . وقرأه أبو بكر ، عن عاصم : { يصّاعد } بتشديد الصّاد بعدها ألف وأصله يتصاعد .
وجملة { كأنما يصعد } في موضع الحال من ضمير : { صدْرَه } أو من صَدره ، مُثِّل حال المشرك حين يدعى إلى الإسلام أو حين يخلو بنفسه ، فيتأمل في دعوة الإسلام ، بحال الصّاعد ، فإنّ الصّاعد يضيق تنفّسه في الصّعود ، وهذا تمثيل هيئة معقولة بهيئة متخيَّلة ، لأنّ الصّعود في السّماء غير واقع .
والسّماء يجوز أن يكون بمعناه المتعارف ، ويجوز أن يكون السّماء أطلق على الجوّ الّذي يعلو الأرض . قال أبو عليّ الفارسي : « لا يكون السّماء المُظلةَ للأرض ، ولكن كما قال سيبويه{[232]} القيدود الطويل في غير سماء أي في غير ارتفاع صعداً » أراد أبو عليّ الاستظهار بكلام سيبويه على أنّ اسم السّماء يقال للفضاء الذّاهب في ارتفاع ( وليست عبارة سيبويه تفسيراً للآية ) .
وحرف { في } يجوز أن يكون بمعنى ( إلى ) ، ويجوز أن يكون بمعنى الظرفية : إمَّا بمعنى كأنّه بلغ السّماء وأخذ يصعد في منازلها ، فتكون هيئة تخييلية ، وإمّا على تأويل السّماء بمعنى الجوّ .
وجملة : { كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون } تذييل للتي قبلها ، فلذلك فصلت .
والرجس : الخبث والفساد ، ويطلق على الخبث المعنوي والنّفسي . والمراد هنا خبث النّفس وهو رجس الشّرك ، كما قال تعالى : { وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم } [ التوبة : 125 ] أي مرضاً في قلوبهم زائداً على مرض قلوبهم السّابق ، أي أرسخت المرض في قلوبهم ، وتقدّم في سورة المائدة ( 90 ) { إنَّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان } فالرجس يعمّ سائر الخباثات النّفسيّة ، الشّاملة لضيق الصّدر وحرجه ، وبهذا العموم كان تذييلاً ، فليس خاصّا بضيق الصدر حتّى يكون من وضع المظهر موضع المضمر .
وقوله : { كذلك } نائب عن المفعول المطلق المراد به التّشبيه والمعنى : يجعل الله الرجس على الّذين لا يؤمنون جَعْلا كهذا الضيق والحرج الشّديد الّذي جعله في صدور الّذين لا يؤمنون .
و { على } في قوله : { على الذين لا يؤمنون } تفيد تمكّن الرجس من الكافرين ، فالعُلاوة مجاز في التمكّن ، مثل : { أولئك على هدى من ربّهم } [ البقرة : 5 ] والمراد تمكّنه من قلوبهم وظهور آثاره عليهم . وجيء بالمضارع في { يَجعل } لإفادة التّجدّد في المستقبل ، أي هذه سنّة الله في كلّ من ينصرف عن الإيمان ، ويُعرض عنه .
و { الّذين لا يؤمنون } مَوصول يومىء إلى علّة الخبر ، أي يجعل الله الرجس متمكّناً منهم لأنَّهم يعرضون عن تلقّيه بإنصاف ، فيجعل الله قلوبهم متزائدة بالقساوة . والموصول يعمّ كلّ من يُعرض عن الإيمان ، فيشمل المشركين المخبر عنهم ، ويشمل غيرهم من كلّ من يُدعى إلى الإسلام فيُعرض عنه ، مثل يهود المدينة والمنافقين وغيرهم . وبهذا العموم صارت الجملة تذييلاً ، وصار الإتيان بالموصول جارياً على مقتضى الظاهر ، وليس هو من الإظهار في مقام الإضمار .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه فيوفقه له، "يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ "يقول: فسح صدره لذلك وهوّنه عليه وسهله له بلطفه ومعونته، حتى يستنير الإسلام في قلبه، فيضيئ له ويتسع له صدره بالقبول. كالذي جاء الأثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:
حدثنا سوار بن عبد الله العنبري، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يحدّث، عن عبد الله بن مرّة، عن أبي جعفر، قال: لما نزلت هذه الآية: فَمَنْ يُرِدَ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ قالوا: كيف يشرح الصدر؟ قال: «إذا نَزَلَ النّورُ في القَلْبِ انْشَرَحَ له الصّدْرُ وانْفَسَحَ». قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها؟ قال: «نَعَمْ، الإنَابَةُ إلى دَار الخُلُودِ، والتّجَافي عن دَارِ الغُرُورِ، والاسْتِعْدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ الفَوْتِ»...
"وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقا حَرَجا" يقول تعالى ذكره: ومن أراد الله إضلاله عن سبيل الهدى يشغله بكفره وصدّه عن سبيله، ويجعل صدره بخذلانه وغلبة الكفر عليه حرجا. والحرج: أشدّ الضيق، وهو الذي لا ينفذ من شدّة ضيقه، وهو ههنا الصدر الذي لا تصل إليه الموعظة ولا يدخله نور الإيمان لرَيْنِ الشرك عليه. وأصله من الحرج، والحَرَجُ جمع حَرَجة: وهي الشجرة الملتفّ بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء لشدّة التفافها بها...
"كأنّمَا يَصّعّدُ فِي السّماءِ"؛ وهذا مثل من الله تعالى ذكره ضربه لقلب هذا الكافر في شدّة تضييقه إياه عن وصوله إليه، مثل امتناعه من الصعود إلى السماء وعجزه عنه لأن ذلك ليس في وسعه...
"كَذَلِكَ يَجْعَلُ الله الرّجْسَ على الّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ" يقول تعالى ذكره: كما يجعل الله صدر من أراد إضلاله ضيقا حَرَجا، كأنما يصعد في السماء من ضيقه عن الإيمان، فيجزيه بذلك، كذلك يسلط الله الشيطان عليه وعلى أمثاله ممن أبى الإيمان بالله ورسوله، فيغويه ويصدّه عن سبيل الحقّ.
وقد اختلف أهل التأويل في معنى الرجس، فقال بعضهم: هو كلّ ما لا خير فيه... وقال آخرون: الرجس: العذاب.
وقال آخرون: الرجس: الشيطان. عن ابن عباس، قوله: الرّجْسَ قال: الشيطان.
وكان بعض أهل المعرفة بلغات العرب من الكوفين يقول: الرّجْس والنّجْس لغتان... وكان بعض نحويي البصريين يقول: الرّجْس والرّجْز سوَاء، وهما العذاب.
والصواب في ذلك من القول عندي ما قاله ابن عباس، ومن قال: إن الرجس والنجس واحد، للخبر الذي رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول إذا دخل الخلاء: «اللّهُمّ إنّي أعُوذ بِكَ مِنَ الرّجْسِ النّجْسِ الخَبِيثِ المُخْبِثِ الشّيْطانِ الرّجِيمِ»...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
... وصف قلب المؤمن بالسعة لما انتفع بقلبه في الدنيا والآخرة، والكافر لم ينتفع بقلبه، فوصفه بالضيق والحرج، وهو كما وصف الكافر بالصمم والبكم والخرس لما لم ينتفع بهذه الحواس، وكذلك سماه ميتا لما لم ينتفع بحياته، وسمى المؤمن حيا لما انتفع بحياته، فعلى ذلك هذا؛ وصف الكافر بضيق الصدر لما [لم] ينتفع به...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَمَن يُرِدِ الله أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسلام} يلطف به حتى يرغب في الإسلام وتسكن إليه نفسه ويحبّ الدخول فيه.
{وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ} أن يخذله ويخليه وشأنه... {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيّقاً حَرَجاً} يمنعه ألطافه، حتى يقسو قلبه، وينبو عن قبول الحق وينسدّ فلا يدخله الإيمان... {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السماء}: كأنما يزاول أمراً غير ممكن. لأن صعود السماء مثل فيما يمتنع ويبعد من الاستطاعة، وتضيق عنه المقدرة...
{يَجْعَلُ الله الرجس} يعني الخذلان ومنع التوفيق، وصفه بنقيض ما يوصف به التوفيق من الطيب. أو أراد الفعل المؤدّي إلى الرجس وهو العذاب، من الارتجاس وهو الاضطراب.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
... و «شرح الصدر» هو تسهيل الإيمان وتحبيبه وإعداد القلب لقبوله وتحصيله... وقوله {يشرح صدره} ألفاظ مستعارة ها هنا إذ الشرح: التوسعة والبسط في الأجسام، وإذا كان الجرم مشروحاً موسعاً كان معداً ليحل فيه، فشبه توطئة القلب وتنويره وإعداده للقبول بالشرح والتوسيع، وشبه قبوله وتحصيله للإيمان بالحلول في الجرم المشروح...
تقدير الآية: أن من أراد الله تعالى منه الإيمان قوى دواعيه إلى الإيمان، ومن أراد الله منه الكفر قوى صوارفه عن الإيمان، وقوى دواعيه إلى الكفر...
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
وإذ قد بين تعالى عاقبة المجرمين الماكرين الذين حرموا الاستعداد للإسلام بعد بيان حالهم، قفى عليه بالمقابلة بينهم وبين المستعدين له، ثم ببيان ظهور هدايته، واستقامة محجته وبجزاء المهتدين به على حسب سنته في كتابه فقال:
{فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ} هذا وصف لحال المستعد لهداية الإسلام بسلامة فطرته وطهارة نفسه من الخلقين الصادين عن إجابة دعوة الحق وهما الكبرياء والحسد وبتحليها أي نفسه بالهاديين إلى الحق والرشاد وهما استقلال الفكر الصاد عن تقليد الآباء والأجداد وقوة الإرادة الصارفة عن اتباع الرؤساء أو مجاراة الأنداد. فمن كان كذلك كان أهلا بإرادة الله تعالى وتقديره لقبول دعوة الإسلام الذي هو دين الفطرة ومهذبها، فإذا ألقيت إليه وجد لها في صدره انشراحا واتساعا بما يشعر به قلبه من السرور وداعية القبول، وذلك أنه لا يجد مانعا من النظر الصحيح فيما ألقي إليه فيتأمله فتظهر له آيته، وتتضح له دلالته فتتوجه إليه إرادته ويذعن له قلبه فتتبعه جوارحه، وهذا هو النور الذي يفيض عليه من القرآن أو الذي يسير فيه باتباعه له، فهذه الآية مقابلة لآية المثل الذي ضربه الله تعالى في هذا السياق للمؤمنين والكافرين وما العهد بها ببعيد، وفي معناها قوله تعالى: {أفمن شرح الله صدره للسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين} (الزمر 22).
{وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء}... وهذا وصف للكافر غير المستعد لقبول الإسلام بما أفسد من فطرته بالشرك وأعماله وبما تدنست به نفسه من رذيلتي الكبر والحسد اللذين يصرفان المدنس بهما عن التأمل فيما يدعى إليه والحرص على استبانة الحق والباطل فيه، ويشغلانه بما يكون من شأنه مع الداعي له إلى الشيء، فيعز على المستكبر والحاسد أن يكون تابعا لغيره، وهو يرى نفسه أجدر بالإمامة منها بالقدوة، أو بما سلبه استقلال الفكر وصحة النظر من التقليد الأعمى الأصم، أو ما حرمه حرية التصرف وهو ضعف الإرادة عن مخالفة الجمهور، فهو إذا عرضت عليه الدعوة يجد صدره ضيقا حرجا أو ذا حرج شديد، وهو تأكيد للضيق لأنه بمعناه وقيل بل هو أضيق الضيق، وجعله الراغب وغيره مشتقا من الحرجة التي هي الشجر الكثير الملتف بعضه ببعض بحيث لا يتسع للزيادة... والمعنى أنه يجد صدره شديد الضيق لا يتسع لقبول شيء جديد مناف لما استحوذ على قلبه وفكره من التقاليد أو لما يزلزل كبرياءه ويصادم حسده من الخضوع والاتباع لمن يرى نفسه أولى منه بالرياسة والإمامة، فيكون استثقاله لإجابة الدعوة وشعوره بالعجز عنها كشعوره بالعجز عن الصعود بجسمه في جو السماء لأجل الوصول إليها أو التصاعد فيها بالتدريج أو التصعد أي التكلف له وصعود السماء يضرب به المثل فيما لا يستطاع أو ما يشق على النفس حتى كأنه غير مستطاع...
{كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي مثل جعل الصدر ضيقا حرجا بالإسلام وعلى هذا النحو في سنة الله فيه وتقديره له بما ذكرنا من أسبابه يجعل الله الرجس على الذين يعرضون عن الإيمان، فيظهر في أعمالهم وتصرفاتهم، ولا سيما مع أهل الدعوة فيكون معظمها قبيحا سيئا في ذاته أو فيما بعث عليه من قصد ونية، فإن الرجس يطلق في اللغة على كل ما يسوء أو يستقذر حسا أو عقلا وعرفا. وقد أطلنا في شرح معناه في تفسير آية الخمر من سورة المائدة (5: 93) فهو يفسر في كل كلام بما يناسب المقام...وقال تعالى في سورة يونس {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون} (يونس 100) وكأن الجعل في الآيتين ضمن معنى الإلقاء أي على ذلك النحو في أسباب جعل الصدر ضيقا حرجا بأصل الإسلام يقع الرجس بتقدير الله تعالى على الذين لا يؤمنون بأن يكون لازما لهم، وتلقى تبعته عليهم، لأن الإيمان الذي اجتنبوه هو الذي يصد عنه، ويطهر الأنفس منه، ولأجل هذا لم يقل: كذلك يجعل الله الرجس عليهم، أو على الكافرين...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
الفاء مُرتِّبة الجملةَ الّتي بعدها على مضمون ما قبلها من قوله: {أو من كان ميّتاً فأحييناه} [الأنعام: 122] وما ترتَّب عليه من التّفاريع والاعتراض. وهذا التّفريع إبطال لتعلّلاتهم بعلّة {حتى نوتى مثل ما أوتي رسل الله} [الأنعام: 124]، وأنّ الله منعهم ما علّقوا إيمانَهم على حصوله، فتفرّع على ذلك بيان السّبب المؤثّر بالحقيقة إيمانَ المؤمن وكُفْرَ الكافر، وهو: هداية الله المؤمنَ، وإضلالُه الكافرَ، فذلك حقيقة التّأثير، دون الأسباب الظّاهرة، فيعرف من ذلك أنّ أكابر المجرمين لو أوتوا ما سألوا لما آمنوا، حتّى يريد الله هدايتهم إلى الإسلام، كما قال تعالى: {إنّ الذين حقّت عليهم كلمات ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آية حتّى يَروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97] وكما قال: {ولو أنَّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشَرْنا عليهم كلّ شيء قِبَلاً ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء الله} [الأنعام: 111]. والهدى إنَّما يتعلّق بالأمور النّافعة: لأنّ حقيقته إصابة الطريق الموصّل للمكان المقصود، ومجازَه رشاد العقل، فلذلك لم يحتج إلى ذكر متعلِّقه هنا لظهور أنَّه الهدى للإسلام، مع قرينة قوله: {يشرح صدره للإسلام}، وأمّا قوله: {فاهْدُوهم إلى صراط الجحيم} [الصافات: 23] فهو تهكّم. والضّلال إنَّما يكون في أحوال مضرّة لأنّ حقيقته خطأ الطّريق المطلوب، فلذلك كان مُشعراً بالضرّ وإن لم يذكر متعلّقه، فهو هنا الاتّصاف بالكفر لأنّ فيه إضاعة خير الإسلام، فهو كالضّلال عن المطلوب، وإن كان الضّالّ غير طالب للإسلام، لكنّه بحيث لو استقبَلَ من أمره ما استدبَر لطلبه. والشّرْح حقيقته شقّ اللّحم، والشّريحة القطعة من اللّحم تشقّ حتّى ترقّق ليقع شَيُّها. واستعمل الشّرح في كلامهم مجازاً في البيان والكشف، واستعمل أيضاً مجازاً في انجلاء الأمر، ويقين النّفس به، وسكون البال للأمر، بحيث لا يتردّد فيه ولا يغتمّ منه، وهو أظهر التّفسيرين في قوله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} [الشرح: 1]. والصّدر مراد به الباطن، مجازاً في الفهم والعقل بعلاقة الحلول، فمعنى {يشرح صدره} يجعل لنفسه وعقله استعداداً وقبولاً لتحصيل الإسلام، ويُوطّنه لذلك حتّى يسكن إليه ويرضى به، فلذلك يشبَّه بالشّرح، والحاصل للنّفس يسمّى انشراحاً، يقال: لم تنشرح نفسي لكذا، وانشرحتْ لكذا. وإذا حلّ نور التّوفيق في القلب كان القلب كالمتّسع، لأنّ الأنوار توسّع مناظر الأشياء. روى الطّبري وغيره، عن ابن مسعود: « أنّ ناساً قالوا: يا رسول الله كيف يشرحُ الله صدره للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل فيه النّور فينفسح قالوا وهل لذلك من علامة يعرف بها قال الإنابة إلى دار الخلود، والتنحّي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الفوت». ومعنى: {ومن يرد أن يضله} من يُرد دوام ضَلاله بالكفر، أو من يُرد أن يضلّه عن الاهتداء إلى الإسلام، فالمراد ضلال مستقبل، إمَّا بمعنى دَوام الضلال الماضي، وإمَّا بمعنى ضلال عن قبول الإسلام، وليس المراد أن يضلّه بكفره القديم، لأنّ ذلك قد مضى وتقرّر. والضيِّقُ بتشديد الياء بوزن فَيْعِل مبالغة في وصف الشّيء بالضيّق، يقال ضاق ضِيقاً بكسر الضاد وضَيقاً بفتحها والأشهر كسر الضاد في المصدر والأقيس الفتح؛ ويقال بتخفيف الياء بوزن فَعْل، وذلك مثل مَيِّت ومَيْت، وهما وإن اختلفت زنتهما، وكانت زنة فَيْعِل في الأصل تفيد من المبالغة في حصول الفعل ما لا تفيده زنة فَعْل، فإنّ الاستعمال سوّى بينهما على الأصحّ. والأظهر أنّ أصل ضيِّق: بالتخفيف وصف بالمصدر، فلذلك استويا في إفادة المبالغة بالوصف. وقرىء بهما في هذه الآية، فقرأها الجمهور: بتشديد الياء، وابن كثير: بتخفيفها. وقد استعير الضيِّق لضدّ ما استعير له الشّرح فأريد به الّذي لا يستعدّ لقبول الإيمان ولا تسكن نفسه إليه، بحيث يكون مضطرب البال إذا عُرض عليه الإسلام، وهذا كقوله تعالى: {حصرت صدورهم} وتقدّم في سورة النّساء (90). والحَرِج بكسر الراء صفة مشبّهة من قولهم: حَرِج الشّيء حرَجاً، من باب فرح، بمعنى ضاق ضيقاً شديداً،... وإتْباع الضيِّق بالحرج: لتأكيد معنى الضيق، لأنّ في الحرج من معنى شدّة الضّيق ما ليس في ضيق. والمعنى يجعل صدره غير متّسع لقبول الإسلام، بقرينة مقابلته بقوله: {يشرح صدره للإسلام}. وزاد حالة المضلَّل عن الإسلام تبيينا بالتّمثيل، فقال: {كأنما يصعد في السماء}. قرأه الجمهور: {يصّعَّد} بتشديد الصاد وتشديد العين على أنَّه يَتفعَّل من الصعود، أي بتكلّف الصعود،... مُثِّل حال المشرك حين يدعى إلى الإسلام أو حين يخلو بنفسه، فيتأمل في دعوة الإسلام، بحال الصّاعد، فإنّ الصّاعد يضيق تنفّسه في الصّعود، وهذا تمثيل هيئة معقولة بهيئة متخيَّلة، لأنّ الصّعود في السّماء غير واقع. والسّماء يجوز أن يكون بمعناه المتعارف، ويجوز أن يكون السّماء أطلق على الجوّ الّذي يعلو الأرض...
وجملة: {كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون} تذييل للتي قبلها، فلذلك فصلت. والرجس: الخبث والفساد، ويطلق على الخبث المعنوي والنّفسي. والمراد هنا خبث النّفس وهو رجس الشّرك، كما قال تعالى: {وأمّا الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم} [التوبة: 125] أي مرضاً في قلوبهم زائداً على مرض قلوبهم السّابق، أي أرسخت المرض في قلوبهم، وتقدّم في سورة المائدة (90) {إنَّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان} فالرجس يعمّ سائر الخباثات النّفسيّة، الشّاملة لضيق الصّدر وحرجه، وبهذا العموم كان تذييلاً، فليس خاصّا بضيق الصدر حتّى يكون من وضع المظهر موضع المضمر. وقوله: {كذلك}:... يجعل الله الرجس على الّذين لا يؤمنون جَعْلا كهذا الضيق والحرج الشّديد الّذي جعله في صدور الّذين لا يؤمنون. و {على} في قوله: {على الذين لا يؤمنون} تفيد تمكّن الرجس من الكافرين، فالعُلاوة مجاز في التمكّن، مثل: {أولئك على هدى من ربّهم} [البقرة: 5] والمراد تمكّنه من قلوبهم وظهور آثاره عليهم. وجيء بالمضارع في {يَجعل} لإفادة التّجدّد في المستقبل، أي هذه سنّة الله في كلّ من ينصرف عن الإيمان، ويُعرض عنه. و {الّذين لا يؤمنون} مَوصول يومئ إلى علّة الخبر، أي يجعل الله الرجس متمكّناً منهم لأنَّهم يعرضون عن تلقّيه بإنصاف، فيجعل الله قلوبهم متزائدة بالقساوة. والموصول يعمّ كلّ من يُعرض عن الإيمان، فيشمل المشركين المخبر عنهم، ويشمل غيرهم من كلّ من يُدعى إلى الإسلام فيُعرض عنه، مثل يهود المدينة والمنافقين وغيرهم. وبهذا العموم صارت الجملة تذييلاً، وصار الإتيان بالموصول جارياً على مقتضى الظاهر، وليس هو من الإظهار في مقام الإضمار...
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
بين الله تعالى في هذه الآية أن الناس صنفان صنف سلك طريق الهداية فهداه الله تعالى وشرح صدره للإسلام فدخله مطمئنا نير القلب وقسم قد كتب الله تعالى عليه الشقوة فضاق صدره ولم يدخل النور قلبه وهذا بعض ما يشير إليه النص السامي...
وإن هذا يدل على أن شرح القلب يكون بتوسعة المدارك وفهم قيمة هذه الحياة الفانية، وإدراك أنها قنطرة للحياة الباقية،... ليس الإضلال من غير عمل من جانب من أراد الله تعالى إضلاله إنما يكون بعمل من جانبه قد كتبه الله تعالى عليه بأن تهوى نفسه في طريق الضلالة بالميل إليها والرغبة فيها والحرص على طريق يدفعه إليه الغرور ونسيان الآخرة وأن يعتقد أنه لا حياة إلا الدنيا وما فيها...
والمعنى انه شبهت حال الكافر في جهده وثقل الإيمان عليه بمخالفته الفطرة بذلك، بحال من يحمل عبئا ثقيلا، ويرد ان يصاعد إلى السماء فينوء به حمله ولا يصل. وإن ذلك يدل على أمرين: أولهما أنه مهما يكن الجحود فإن الفطرة تقاومه وتجعله عبثا ثقيلا، ومن يحارب الفطرة فإنه يبوء بخسران مبين. ثانيهما: أنها تشير إلى أن الضيق الشديد الذي جعله الله تعالى في قلب الكافر يجعله غير قادر على الرقى على الحقائق السماوية التي جاء بها الإسلام...
لقد عرفنا من قبل أن الهداية لها معنيان: المعنى الأول: الدلالة وهي أمر وارد وواجب حتى للكافر. فإن هدى الله للكافر أن يدله إلى طريق الخير، ولكن هناك هداية من نوع آخر وهي للذي آمن، ويصبح أهلا لمعونة الله بأن يخفف عنه أعباء التكاليف وييسرها له ويجعله يعشق كل الأوامر ويعشق البغض والتجافي عن كل النواهي...
{فمن يرد أن يهديه} أي يدله سبحانه كما دل كل العباد إلى النهج، لكن الذي اقتنع بالدلالة وآمن يسهل عليه تبعات التكليف مصداقا لقوله الحق: {ويزيد الله الّذين اهتدوا هدى والباقيات الصّالحات خيرٌ عند ربّك ثوابا وخيرٌ مردّا (76)} (سورة مريم)، فهذه هداية المعونة... {ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنّما يصّعّد في السّماء كذلك يجعل الله الرّجس على الّذين لا يؤمنون} وهل هذا تجن من الله على خلقه؟ لا، لأنه مادام دعاهم للإيمان فآمن بعضهم وصاروا أهلا للتجليات، وكفر بعضهم فلم يؤمنوا، فصاروا أهلا للحرج وضيق الصدر...
{ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنّما يصّعّد في السّماء} وذلك بسبب مشقات التكليف؛ لأنه لم يدخلها بعشق، فلا يدخل إلى مشقات التكليف بعشق إلا المؤمن فهو الذي يستقبل هذه التكاليف بشرح صدر وانبساط نفس وتذكر بما يكون له من الجزاء على هذا العمل، والذي يسهل مشقة الأعمال حلاوة تصور الجزاء عليها؛ فالذي يجتهد في دروسه إنما يستحضر في ذهنه لذة النجاح وآثار هذا النجاح في نفسه مستقبلا وفي أهله. أما الذي لا يستحضر نتائج ما يفعل فيكون العمل شاقا عليه...