التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ} (81)

وهنا - وبعد أن بلغ الضيق بلوط ما بلغ - كشف له الملائكة عن حقيقتهم ، وبشروه بما يدخل الطمأنينة على قلبه { قَالُواْ يالوط إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يصلوا إِلَيْكَ } أى : إنا رسل ربك أرسلنا إليك لنخبرك بهلاكهم ، فاطمئن فإنهم لن يصلوا إليك بسوء فى نفسك أو فينا .

روى أن الملائكة لما رأو ما لقيه لوط - عليه السلام - من الهم والكرب بسببهم قالوا له : يا لوط إن ركنك لشديد . . . ثم ضربهم جبريل بجناحه فطمس أعينهم ، فارتدوا على أدبارهم يقولون النجاء ، وإليه الإِشارة بقوله - تعالى - فى سورة القمر : { وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ } وقوله : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الليل } أى : فاخرج من هذه القرية مصحوباً بالمؤمنين من أهلك فى جزء من الليل يكفى لابتعادك عن هؤلاء المجرمين .

قال القرطبى : قرئ " فاسر وفأسر بوصل الهمزة وقطعها لغتان فصيحتان . قال - تعالى - { والليل إِذَا يَسْرِ } وقال

{ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ . . . } وقيل " فأسر " بالقطع تقال لمن سار من أول الليل . . . وسرى لمن سار فى آخره ، ولا يقال فى النهار إلا سار . . .

وقوله : { وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امرأتك إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ . . . ْ معطوف على ما قبله وهو قوله : { فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ . . . } .

أى : فأسر بأهلك فى جزء من الليل ، ولا يلتفت منكم أحد إلى ما وراءه ، اتقاء لرؤية العذاب ، { إِلاَّ امرأتك } يا لوط فاتركها ولا تأخذها معك لأنها كافرة خائنة ، ولأنها سيصيبها العذاب الذى سينزل بهؤلاء المجرمين . فيهلكها معهم .

قال الإِمام الرازى ما ملخصه : قوله { إِلاَّ امرأتك } بالرفع ، وقرأ الباقون بالنصب .

قال الواحدى : من نصب فقد جعلها مستثناة من الأهل ، على معنى : فأسر بأهلك إلا امرأتك أى فلا تأخذها معك . . .

وأما الذين رفعوا فالتقدير ؛ ولا يلتفت منكم أحد لكن امرأتك تلتفت فيصيبها ما أصابهم .

روى عن قتادة أنه قال : إنها كنت مع لوط حين خرج من القرية ، " فلما سمعت العذاب التفتت وقالت واقوماه فأصابها حجر فأهلكها " .

وقوله - سبحانه - { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ } بشارة أخرى للوط - عليه السلام - الذى تمنى النصرة على قومه .

أى : إن موعد هلاك هؤلاء المجرمين يبتدئ من طولع الفجر وينتهى مع طلوع الشمس ، أليس الصبح بقريب من هذا الوقت الذى نحدثك فيه ؟

قال - تعالى - فى سورة الحجر : { فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُشْرِقِينَ } أى : وهم داخلون فى وقت الشروق . فكان ابتداء العذاب عند طلوع الصبح وانتهاؤه وقت الشروق .

والجملة الكريمة { إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح . . . } كالتعليل للأمر بالإِسراء بأهله بسرعة ، أو جواب عما جاش بصدره من استعجالة العذاب لهؤلاء المجرمين .

والاستفهام فى قوله - سبحانه - { أَلَيْسَ الصبح بِقَرِيبٍ } للتقرير أى : بلى إنه لقريب .

قال الآلوسى : روى أنه - عليه السلام - سأل الملائكة عن موعد هلاك قومه فقالوا له ؛ موعدهم الصبح . فقال : أريد أسرع من ذلك . فقالوا له ؛ أليس الصبح بقريب . ولعله إنما جعل ميقات هلاكهم الصبح لأنه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذ أفظع ، ولأنه أنسب يكون ذلك عبرة للناظرين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ} (81)

69

وعندما ضاقت واستحكمت حلقاتها ، وبلغ الكرب أشده . . كشف الرسل للوط عن الركن الشديد الذي يأوي إليه :

( قالوا : يا لوط ، إنا رسل ربك ، لن يصلوا إليك ) . .

وأنبأوه نبأهم ، لينجو مع أهل بيته الطاهرين ، إلا امرأته فإنها كانت من القوم الفاسدين :

( فأسر بأهلك بقطع من الليل ، ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك . إنه مصيبها ما أصابهم ، إن موعدهم الصبح . أليس الصبح بقريب ؟ ) . .

والسرى : سير الليل ، والقطع من الليل : بعضه ، ولا يلتفت منكم أحد . أى لا يتخلف ولا يعوق . لأن الصبح موعدهم مع الهلاك . فكل من بقي في المدينة فهو هالك مع الهالكين .

( أليس الصبح بقريب ؟ ) . .

سؤال لإنعاش نفس لوط بعد ما ذاق . لتقريب الموعد وتأكيده . فهو قريب . مع مطلع الصباح . ثم يفعل الله بالقوم - بقوته - ما لم تكن قوة لوط التي تمناها فاعلة !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالُواْ يَٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوٓاْ إِلَيۡكَۖ فَأَسۡرِ بِأَهۡلِكَ بِقِطۡعٖ مِّنَ ٱلَّيۡلِ وَلَا يَلۡتَفِتۡ مِنكُمۡ أَحَدٌ إِلَّا ٱمۡرَأَتَكَۖ إِنَّهُۥ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمۡۚ إِنَّ مَوۡعِدَهُمُ ٱلصُّبۡحُۚ أَلَيۡسَ ٱلصُّبۡحُ بِقَرِيبٖ} (81)

فلما رأت الملائكة ما على لوط من الكرب { قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك } لن يصلوا إلى إضرارك بإضرارنا فهون عليك ودعنا وإياهم ، فخلاهم أن يدخلوا فضرب جبريل عليه السلام بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم ، فخرجوا يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة . { فأسْرِ بأهلك } بالقطع من الإسراء ، وقرأ ابن كثير ونافع بالوصل حيث وقع في القرآن من السري . { بقطع من الليل } بطائفة منه . { ولا يلتفت منكم أحد } ولا يتخلف أو لا ينظر إلى ورائه والنهي في اللفظ أحد وفي المعنى للوط . { إلا امرأتك } استثناء من قوله : { فأسر بأهلك } ويدل عليه أنه قرئ فأسر بأهلك بقطع من الليل إلا امرأتك ، وهذا إنما يصح على تأويل الالتفات بالتخلف فإنه إن فسر بالنظر إلى الوراء في الذهاب ناقض ذلك قراءة ابن كثير وأبي عمرو بالرفع على البدل من أحد ، ولا يجوز حمل القراءتين على الروايتين في أنه خلفها مع قومها أو أخرجها فلما سمعت صوت العذاب التفتت وقالت يا قوماه فأدركها حجر فقتلها ، لأن القواطع لا يصح حملها على المعاني المتناقضة ، والأولى جعل الاستثناء في القراءتين من قوله : { ولا يلتفت } مثله في قوله تعالى : { ما فعلوه إلا قليل } ولا يبعد أن يكون أكثر القراء على غير الأفصح ، ولا يلزم من ذلك أمرها بالالتفات بل عدم نهيها عنه استصلاحا ولذلك علل طريقة الاستئناف بقوله : { إنه مُصيبها ما أصابهم } ولا يحسن جعل الاستثناء منقطعا على قراءة الرفع . { إن موعدهم الصبح } كأنه علة الأمر بالإسراء . { أليس الصّبح بقريب } جواب لاستعجال لوط واستبطائه العذاب .