ثم أرشد - سبحانه - عباده المؤمنين إلى ما يعينهم إلى ما يعينهم على الاستقامة وعلى عدم الركون إلى الظالمين ، فقال : { وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات ذلك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ } .
والمراد بإقامتها الإِتيان بها فى أوقاتها كاملة الأركان والخشوع والإِخلاص لله رب العالمين .
والمراد بالصلاة هنا : الصلاة المفروضة .
قال القرطبى : لم يختلف أحد من أهل التأويل فى أن الصلاة فى هذه الآية ، المراد بها الصلوات المفروضة . وخصها بالذكر لأنها ثانية أركان الإِسلام ، وإليها يفزع فى النوائب ، وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - " إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة " .
وطرفى النهار : أى أول النهار وآخره ، لأن طرف الشئ منتهاه من أوله أو من آخره .
والنهار : يتناول ما بين مطلع الفجر إلى غروب الشمس . سمى بذلك لأن الضياء ينهر فيه أى يبرز كما يبرز النهر .
والصلاة التى تكون فى هذين الوقتين ، تشمل صلاة الغداة وهى صلاة الصبح ، وصلاة العشى وهى صلاة الظهر والعصر ، لأن لفظ العشى يكون من الزوال إلى الغروب .
وقيل الصلاة التى تكون فى هذين الوقتين هى صلاة الصبح والمغرب .
وقوله { وَزُلَفاً مِّنَ الليل } معطوف على طرفى النهار .
والزلف جمع زلفه كغرف وغرفة - والمراد بها الساعات القريبة من آخر النهار ، إذا الإِزلاف معناه القرب ومنه قوله - تعالى - { وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ . . . } أى : قربت منهم . وتقول أزلفنى فلان منه : أى قربنى .
فمعنى { وَزُلَفاً مِّنَ الليل } يعنى صلاة المغرب والعشاء . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " هما زلفتا الليل : المغرب والعشاء " .
ويحتمل أن تكون هذه الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإِسراء ، فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان : صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها ، وفى أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة ، ثم نسخ فى حق الأمة ، وثبت وجوبه عليه ، ثم نسخ عنه أيضا فى قول .
وجملة { إِنَّ الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات } مسوقة مساق التعليل للأمر بإقامة الصلاة ، وأكدت بحرف { إن } للاهتمام وتحقيق الخبر ، والحسنات صفة لموصوف محذوف ، وكذلك السيئات .
والمعنى : إن الأعمال الحسنة - كالصلاة والزكاة والصيام والحج ، والاستغفار . . يذهبن الأعمال السيئات ، أى يذهبن المؤاخذة عليها ، ويذهبن الاتجاه إليها ببركة المواظبة على الأعمال الحسنة .
والمراد بالسيئات هنا صغار الذنوب ، لقوله - تعالى - { إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } ولقوله - تعالى - { الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم والفواحش إِلاَّ اللمم إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المغفرة . . . } ولأن كبائر الذنوب لا تكفرها إلا التوبة الصادقة .
وقوله { ذلك ذكرى لِلذَّاكِرِينَ } أى : ذلك الذى أمرناك به من وجوب إقامة الصلاة ، ومن الاستقامة على أمر الله . . فيه التذكرة النافعة ، لمن كان شأنه التذكر والاعتبار ، لا الإِعراض والعناد .
وهذه الآية الكريمة من الآيات التى قال عنها بعض المفسرين بأنها مدنية ، وقد ذكرنا فى التمهيد بين بدى السورة ، أن سورة هود ترجح أنها كلها مكية ، وليس فيها آيات مدنية .
ومما يؤيد أن هذه الآية مكية أنها مسوقة مع ما سبقها من آيات لتسلية النبى - صلى الله عليه وسلم - ولإِرشاده وأتباعه إلى ما يعينهم على الاستقامة ، وعدم الركون إلى الظالمين .
ولأن بعض الروايات التى وردت فى شأنها لم تذكر أنها نزلت فى المدينة ، بل ذكرت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تلاها على السائل ، ومن هذه الروايات ما رواه الإِمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذى والنسائى وابن جرير - وهذا لفظه - عن ابن مسعود قال : " جاء رجل إلى البنى - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إنى وجدت أمرة فى بستان ، ففعلت بها كل شئ غير أنى لم أجامعها ، فافعل بى ما شئت ، فلم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا ، فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه ، فأتبعه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بصره ثم قال : ردوه على فرده عليه فقرأ عليه : { وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل . . } الآية ، فقال معاذ - وفى رواية عمر - يا رسول الله ، أله وحده أم للناس كافة ؟ فقال : بل للناس كافة " والروايات التى ورد فيها فأنزل عليه هذه الآية ، فى الإِمكان أن تؤول أن المراد أنزل عليه شمول عموم الحسنات والسيئات لقضية السائل ، لجميع ما يماثلها من إصابة الذنوب سوى الكبائر .
والله - سبحانه - يرشد رسوله [ ص ] ومن معه من القلة المؤمنة إلى زاد الطريق :
( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل ) . .
ولقد علم الله أن هذا هو الزاد الذي يبقى حين يفنى كل زاد ، والذي يقيم البنية الروحية ، ويمسك القلوب على الحق الشاق التكاليف . ذلك أنه يصل هذه القلوب بربها الرحيم الودود ، القريب المجيب ، وينسم عليها نسمة الأنس في وحشتها وعزلتها في تلك الجاهلية النكدة الكنود !
والآية هنا تذكر طرفي النهار - وهما أوله وآخره ، وزلفا من الليل أي قريبا من الليل . وهذه تشمل أوقات الصلاة المفروضة دون تحديد عددها . والعدد محدد بالسنة ومواقيته كذلك .
والنص يعقب على الأمر بإقامة الصلاة - أي أدائها كاملة مستوفاة - بأن الحسنات يذهبن السيئات . وهو نص عام يشمل كل حسنة ، والصلاة من أعظم الحسنات ، فهي داخلة فيه بالأولوية . لا أن الصلاة هي الحسنة التي تذهب السيئة بهذا التحديد - كما ذهب بعض المفسرين - :
قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ } قال : يعني الصبح والمغرب وكذا قال الحسن ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
وقال الحسن - في رواية - وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم : هي الصبح والعصر .
وقال مجاهد : هي الصبح في أول النهار ، والظهر والعصر من آخره . وكذا قال محمد بن كعب القُرَظي ، والضحاك في رواية عنه .
وقوله : { وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ } قال ابن عباس ، ومجاهد ، والحسن ، وغيرهم : يعني صلاة العشاء .
وقال الحسن - في رواية ابن المبارك ، عن مبارك بن فَضَالة ، عنه : { وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ } يعني المغرب والعشاء قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هما زُلْفَتَا{[14939]} الليل : المغرب والعشاء " {[14940]} . وكذا قال مجاهد ، ومحمد بن كعب ، وقتادة ، والضحاك : إنها صلاة المغرب والعشاء .
وقد يحتمل أن تكون هذه الآية نزلت قبل فرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ؛ فإنه إنما كان يجب من الصلاة صلاتان : صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها . وفي أثناء الليل قيام عليه وعلى الأمة ، ثم نسخ في حق الأمة ، وثبت وجوبه عليه ، ثم نسخ عنه أيضًا ، في قول ، والله أعلم .
وقوله : { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } يقول : إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السالفة ، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال : كنت إذا سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه ، وإذا حدثني عنه أحد استحلفته ، فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر - وصدق أبو بكر - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من مسلم يذنب ذنبا ، فيتوضأ ويصلي ركعتين ، إلا غفر له " {[14941]} .
وفي الصحيحين عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان : أنه توضأ لهم كوضُوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : هكذا رأيتُ رسول الله يتوضأ ، وقال : " من توضأ نحو وضوئي هذا ، ثم صلى ركعتين لا يُحَدِّث فيهما نفسه ، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه " {[14942]} .
وروى الإمام أحمد ، وأبو جعفر بن جرير ، من حديث أبي عَقِيل زُهْرَة بن مَعْبَد : أنه سمع الحارث مولى عثمان يقول : جلس عثمان يوما وجلسنا معه ، فجاءه المؤذن فدعا عثمان بماء في إناء أظنه سيكون فيه قدر مُدّ ، فتوضأ ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال : " من توضأ وضوئي هذا ، ثم قام فصلى{[14943]} صلاة الظهر ، غُفِر له ما كان بينه وبين صلاة الصبح ، ثم صلى العصر غفر له ما بينه وبين صلاة الظهر ، ثم صلى المغرب غفر له ما بينه وبين صلاة العصر ، ثم صلى العشاء غفر له ما بينه وبين صلاة المغرب ، ثم لعله يبيت يتمرغ ليلته ، ثم إن قام فتوضأ وصلى الصبح غفر له ما بينها وبين صلاة العشاء ، وهن الحسنات يذهبن السيئات " {[14944]} .
وفي الصحيح{[14945]} عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أرأيتم لو أن بباب أحدكم نهرًا غَمْرًا يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، هل يُبقي من درنه شيئا ؟ " قالوا : لا يا رسول الله : قال : " وكذلك الصلوات الخمس ، يمحو الله بهن الذنوب والخطايا " {[14946]} .
وقال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو الطاهر{[14947]} وهارون بن سعيد قالا حدثنا ابن وَهْب ، عن أبي صخر : أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حَدَثه عن أبيه ، عن أبي هريرة ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مُكَفِّرَات ما بينهن إذا{[14948]} اجتنبت الكبائر " {[14949]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا الحَكَم بن نافع{[14950]} حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن ضَمْضَم بن زُرْعَة ، عن شُرَيْح بن عبيد ، أن أبا رُهْم السمعي كان يحدّث : أن أبا أيوب الأنصاري حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : " إن كل صلاة تحطّ ما بين يديها من خطيئة " {[14951]} وقال أبو جعفر بن جرير : حدثنا محمد بن عوف{[14952]} حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبي ، عن ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " جعلت الصلوات كفارات لما بينهن ؛ فإن الله قال : { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } {[14953]} .
وقال البخاري : حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا يزيد بن زُرَيع ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن ابن مسعود ؛ أن رجلا أصاب من امرأة قُبْلَة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأنزل الله : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } فقال الرجل : إلى هذا يا رسول الله ؟{[14954]} قال : " لجميع أمتي كلهم " .
هكذا رواه في كتاب الصلاة ، وأخرجه في التفسير عن مُسَدَّد ، عن يزيد بن زُرَيع ، بنحوه{[14955]} ورواه مسلم ، وأحمد ، وأهل السنن إلا أبا داود ، من طرق عن أبي عثمان النهدي ، واسمه عبد الرحمن بن مُلّ ، به{[14956]} .
وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير - وهذا لفظه -
من طُرُق : عن سِمَاك بن حرب : أنه سمع إبراهيم بن يزيد يُحدِّث عن علقمة والأسود ، عن ابن مسعود قال : جاء رجل إلى النبي{[14957]} صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني وجدت امرأة في بستان ، ففعلت بها كل شيء ، غير أني لم أجامعها ، قَبَّلتها ولزمتها ، ولم أفعل غير ذلك ، فافعل بي ما شئت . فلم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه ، لو ستر على نفسه . فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصرَه ثم قال : " ردوه عليّ " . فردّوه عليه ، فقرأ عليه : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } فقال معاذ - وفي رواية عمر - : يا رسول الله ، أله وحده ، أم للناس كافة ؟ فقال : " بل للناس كافة " {[14958]} وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن عبيد ، حدثنا أبان بن إسحاق ، عن الصباح بن محمد ، عن مُرّة الهَمْداني ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله قسم بينكم أخلاقكم{[14959]} كما قسم بينكم أرزاقكم ، وإن الله يعطي{[14960]} الدنيا من يحب ومن لا يحب ، ولا يعطي الدين{[14961]} إلا من أحب . فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ، والذي نفسي بيده ، لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه ، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه " . قال : قلنا : وما بوائقه يا نبي الله{[14962]} ؟ قال : " غشه وظلمه ، ولا يكسِبُ عبد مالا حراما فينفق منه فيبارك له فيه ، ولا يتصدق فيقبل منه ، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زادَه إلى النار ، إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن ، إن الخبيث لا يمحو الخبيث " {[14963]} .
وقال ابن جرير : حدثنا أبو السائب ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال : كان فلان ابن معتب رجلا من الأنصار ، فقال : يا رسول الله ، دخلت على امرأة فنِلْتُ منها ما ينال الرجل من أهله ، إلا أني لم أجامعها فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه ، حتى نزلت هذه الآية : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } {[14964]} فدعاه رسول الله ، فقرأها عليه{[14965]} .
وعن ابن عباس : أنه عمرو بن غَزِيَّة الأنصاري التمار . وقال مقاتل : هو أبو نفيل عامر بن قيس الأنصاري ، وذكر الخطيب البغدادي أنه أبو اليَسر : كعب بن عمرو .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس وعفان قالا حدثنا حماد - يعني : ابن سلمة - عن علي بن زيد - قال عفان : أنبأنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مٍهْران ، عن ابن عباس ؛ أن رجلا أتى عمر قال{[14966]} امرأة جاءت تبايعه ، فأدخلتها الدولج ، فأصبت منها ما دون الجماع ، فقال : ويحك . لعلها مُغِيبة في سبيل الله ؟ قال : أجل . قال : فائت أبا بكر فاسأله{[14967]} قال : فأتاه فسأله ، فقال : لعلها مُغيبة في سبيل الله ؟ فقال مثل قول عمر ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مثل ذلك ، قال : " فلعلها مُغيبة في سبيل الله " . ونزل القرآن : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } {[14968]} إلى آخر الآية ، فقال : يا رسول الله ، ألي خاصة أم للناس عامة ؟ فضرب - يعني : عمر - صدره{[14969]} بيده وقال : لا ولا نُعمَة عين ، بل للناس عامة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدق عمر " {[14970]} .
وروى الإمام أبو جعفر بن جرير من حديث قيس بن الربيع ، عن عثمان بن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي اليسر كعب بن عمرو الأنصاري قال : أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا ، فقلت : إن في البيت تمرا أطيب وأجود من هذا ، فدخلت ، فأهويت إليها فقبلتها ، فأتيت عمر فسألته ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرنّ أحدا . فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر فسألته ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرنّ أحدا . قال : فلم أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال : " أخَلَفتَ رجلا غازيا في سبيل الله في أهله بمثل هذا ؟ " حتى ظننت أني من أهل النار ، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ . فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ، فنزل جبريل ، فقال : " [ أين ]{[14971]} أبو اليسر ؟ " . فجئت ، فقرأ علي : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ } إلى { ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } فقال إنسان : يا رسول الله ، أله خاصة أم للناس عامة ؟ قال{[14972]} " لِلنَّاس عامة " {[14973]} .
وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني : حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا جرير ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ؛ أنه كان قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل فقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل أصاب من امرأة لا تحل له ، فلم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا قد أصاب منها ، غير أنه لم يجامعها ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " توضأ وضوءا حَسَنا ، ثم قم فصل " {[14974]} قال : فأنزل الله عز وجل هذه الآية ، يعني قوله : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ } فقال معاذ : أهي له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ قال : " بل للمسلمين عامة " .
ورواه ابن جرير من طرق ، عن عبد الملك بن عمير ، به{[14975]} .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة ؛ أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة وهو جالس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأذنه لحاجة ، فأذن له ، فذهب يطلبها فلم يجدها ، فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبي صلى الله عليه وسلم بالمطر ، فوجد المرأة جالسة على غدير ، فدفع في صدرها وجلس بين رجليها ، فصار ذكره مثل الهُدْبة ، فقام نادما حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع ، فقال له : " استغفر ربك ، وصلّ أربع ركعات " . قال : وتلا عليه : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ } الآية{[14976]} .
وقال ابن جرير : حدثني عبد الله بن أحمد بن شَبّويه ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، حدثني عمرو بن الحارث حدثني عبد الله بن سالم ، عن الزبيدي ، عن سليم بن عامر ؛ أنه سمع أبا أمامة يقول : إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أقم فيّ حد الله - مرة أو ثنْتِين - فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أقيمت الصلاة ، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال : " أين هذا الرجل القائل : أقم فيّ حد الله ؟ " قال : أنا ذا : قال : " أتممت الوضوء وصليت معنا آنفا ؟ " قال : نعم . قال : " فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك ، ولا تعد " . وأنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم{[14977]} : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } {[14978]} .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أنبأنا علي بن زيد ، عن أبي عثمان قال : كنت مع سلمان الفارسي تحت شجرة ، فأخذ منها غُصْنا يابسا فهزّه حتى تحاتَّ ورقة{[14979]} ، ثم قال : يا أبا عثمان ، ألا تسألني لم أفعل هذا ؟ فقلت : لم تفعله{[14980]} ؟ قال : هكذا فعل بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه تحت شجرة ، فأخذ منها يابسا فهزه حتى تحات ورقة ، فقال : " يا سلمان ، ألا تسألني : لم أفعل هذا ؟ " . قلت : ولم تفعله ؟ فقال : " إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ، ثم صلى الصلوات الخمس ، تحاتت خطاياه كما يتحات{[14981]} هذا الورق . وقال : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } {[14982]}-{[14983]}
وقال الإمام أحمد : حدثنا وَكِيع ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن معاذ ، رضي الله عنه ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : " يا معاذ ، أتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " {[14984]} .
وقال الإمام أحمد ، رضي الله عنه : حدثنا وَكِيع ، حدثنا سفيان ، عن حبيب ، عن ميمون بن أبي شبيب ، عن أبي ذر ؛ أن رسول{[14985]} الله صلى الله عليه وسلم قال : " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " {[14986]} .
وقال أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن شَمْر بن عطية ، عن أشياخه ، عن أبي ذر قال : قلت : يا رسول الله ، أوصني . قال : " إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها " . قال : قلت : يا رسول الله ، أمن الحسنات : لا إله إلا الله ؟ قال : " هي أفضل الحسنات " {[14987]} .
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا هذيل بن إبراهيم الجُمَّاني ، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الزهري ، من ولد سعد بن أبي وقاص ، عن الزهري ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما قال عَبْد : لا إله إلا الله ، في ساعة من ليل أو نهار ، إلا طَلَست ما في الصحيفة من السيئات ، حتى تسكن إلى مثلها من الحسنات " {[14988]} .
عثمان بن عبد الرحمن ، يقال له : الوقاصي . فيه ضعف .
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا بشر بن آدم وزيد بن أخرم قالا حدثنا الضحاك بن مَخْلَد ، حدثنا مستور بن عباد ، عن ثابت ، عن أنس ؛ أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما تركت من حاجة ولا داجة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ " . قال : بلى . قال : " فإن هذا يأتي على ذلك " {[14989]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَقِمِ الصّلاَةَ طَرَفَيِ النّهَارِ وَزُلَفاً مّنَ الْلّيْلِ إِنّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَىَ لِلذّاكِرِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : { وأقم الصلاة } ، يا محمد ، يعني : صلّ ، { طرفي النهار } ، يعني : الغداة والعشي .
واختلف أهل التأويل في التي عنيت بهذه الآية من صلوات العشي ، بعد إجماع جميعهم على أن التي عنيت من صلاة الغداة : الفجر .
فقال بعضهم : عنيت بذلك صلاة الظهر والعصر ، قالوا : وهما من صلاة العشي . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { أقِمِ الصّلاَةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : الفجر ، وصلاتي العشي ، يعني : الظهر والعصر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : صلاة الفجر ، وصلاة العشيّ .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أفلح بن سعيد ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : فطرفا النهار : الفجر والظهر والعصر .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : الفجر ، والظهر ، والعصر .
وقال آخرون : بل عُني بها : صلاة المغرب . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ يقول : صلاة الغداة وصلاة المغرب .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن عوف ، عن الحسن : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ قال : صلاة الغداة والمغرب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } : الصبح ، والمغرب .
وقال آخرون : عُني بها : صلاة العصر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ قال : صلاة الفجر والعصر .
قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن أفلح بن سعيد القُبائي ، عن محمد بن كعب : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } : ِ الفجر والعصر .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أبو رجاء ، عن الحسن ، في قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : صلاة الصبح وصلاة العصر .
حدثني الحسين بن عليّ الصدائي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن ، قال : قال الله لنبيه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : طرفى النهار : الغداة والعصر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، يعني : صلاة العصر والصبح .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } : الغداة والعصر .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن أفلح بن سعيد ، عن محمد بن كعب : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } : الفجر والعصر .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا قرة ، عن الحسن : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ } ، قال : الغداة والعصر .
وقال بعضهم : بل عنى بطرفى النهار : الظهر والعصر ، وبقوله : { زُلَفا مِنَ اللّيْل } : المغرب ، والعشاء ، والصبح .
وأولى هذه الأقول في ذلك عندي بالصواب قول من قال : هي صلاة المغرب ، كما ذكرنا عن ابن عباس .
وإنما قلنا : هو أولى بالصواب ، لإجماع الجميع على أن صلاة أحد الطرفين من ذلك صلاة الفجر ، وهي تصلى قبل طلوع الشمس ، فالواجب إذ كان ذلك من جميعهم إجماعا أن تكون صلاة الطرف الآخر المغرب ، لأنها تصلى بعد غروب الشمس ، ولو كان واجبا أن يكون مرادا بصلاة أحد الطرفين : قبل غروب الشمس ، وجب أن يكون مرادا بصلاة الطرف الآخر : بعد طلوعها ، وذلك ما لا نعلم قائلاً قاله إلا من قال : عنى بذلك : صلاة الظهر والعصر ، وذلك قول لا يُخِيلُ فساده ، لأنهما إلى أن يكونا جميعا من صلاة أحد الطرفين أقرب منهما إلى أن يكونا من صلاة طرفى النهار ، وذلك أن الظهر لا شكّ أنها تصلى بعد مضيّ نصف النهار في النصف الثاني منه ، فمحال أن تكون من طرف النهار الأوّل وهي في طرفه الآخر . فإذا كان لا قائل من أهل العلم يقول : عنى بصلاة طرف النهار الأوّل : صلاة بعد طلوع الشمس ، وجب أن يكون غير جائز أن يقال : عنى بصلاة طرف النهار الآخرة : صلاة قبل غروبها . وإذا كان ذلك صحّ ما قلنا في ذلك من القول ، وفسد ما خالفه .
وأما قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، فإنه يعني : ساعات من الليل ، وهي جمع زُلْفة ، والزلفة : الساعة والمنزلة والقربة . وقيل : إنما سميت المزدلفة وجُمَع من ذلك ، لأنها منزل بعد عرفة . وقيل : سميت بذلك لازدلاف آدم من عرفة إلى حوّاء وهي بها ومنه قول العجاج في صفة بعير :
ناجٍ طَوَاهُ الأيْنَ مِمّا وَجَفا *** طَيّ اللّيالي زُلَفا فَزُلَفَا
واختلفت القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والعراق : وَ{ زُلَفا } ، بضم الزاي وفتح اللام . وقرأه بعض أهل المدينة بضم الزاي واللام ، كأنه وجّهه إلى أنه واحد وأنه بمنزلة الحلم . وقرأه بعض المكيين : { وزُلْفا } ، بضم الزاي وتسكين اللام .
وأعجب القراءات في ذلك إليّ أن أقرأها : { وَزُلَفا } ، بضم الزاي وفتح اللام ، على معنى جمع زُلْفة ، كما تجمع غرفة : غُرَف ، وحُجْرة : حُجَر . وإنما اخترت قراءة ذلك كذلك ، لأن صلاة العشاء الآخرة إنما تصلى بعد مضيّ زلف من الليل ، وهي التي عنيت عندي بقوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، وبنحو الذي قلنا في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } قال جماعة من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : الساعات من الليل صلاة العتمة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : { زُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، يقول : صلاة العتمة .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى ، عن عوف ، عن الحسن : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : العشاء .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن عبيد الله بن أبي زيد ، قال : كان ابن عباس يعجبه التأخير بالعشاء ، ويقرأ : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : ساعة من الليل ، صلاة العتمة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : العتمة ، وما سمعت أحدا من فقهائنا ومشايخنا ، يقول العشاء ، ما يقولون إلا العتمة .
وقال قوم : الصلاة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامتها { زلفا من الليل } ، صلاة المغرب والعشاء . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم وابن وكيع ، واللفظ ليعقوب ، قالا : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أبو رجاء عن الحسن : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : هما زلفتان من الليل : صلاة المغرب ، وصلاة العشاء .
حدثنا ابن جميد وابن وكيع ، قالا : حدثنا جرير ، عن أشعث ، عن الحسن ، في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب ، والعشاء .
حدثني الحسن بن عليّ ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا مبارك ، عن الحسن : قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : { زلفا من الليل } : المغرب ، والعشاء ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هُما زُلْفَتا اللّيْلِ : المَغْرِبُ والعِشَاءُ » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب ، والعشاء .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن المبارك بن فضالة ، عن الحسن ، قال : قد بين الله مواقيت الصلاة في القرآن ، قال : { أقِمِ الصّلاةَ لِدُلُوكِ الشّمْسِ إلى غَسَق اللّيْلِ } ، قال : دلوكها : إذا زالت عن بطن السماء وكان لها في الأرض فيء ، وقال : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهار } ، ِ الغداة ، والعصر . { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، المغرب ، والعشاء . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هُمَا زُلْفَتا اللّيْلِ المَغْرِبُ والعِشَاءُ » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : يعني : صلاة المغرب ، وصلاة العشاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أفلح بن سعيد ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : { زُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، المغرب والعشاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حباب ، عن أفلح بن سعيد ، عن محمد بن كعب ، مثله .
حدثني الحارث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، المغرب والعشاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن عاصم بن سليمان ، عن الحسن ، قال : زلفتا الليل : المغرب ، والعشاء .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب والعشاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن عاصم ، عن الحسن : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب والعشاء .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبدة بن سليمان ، عن جويبر ، عن الضحاك : { وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، قال : المغرب والعشاء .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن عاصم ، عن الحسن : { زُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، صلاة المغرب والعشاء . وقوله : { إنّ الحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، يقول تعالى ذكره : إن الإنابة إلى طاعة الله والعمل بما يرضيه ، يذهب آثام معصية الله ويكفر الذنوب .
ثم اختلف أهل التأويل في الحسنات التي عنى الله في هذا الموضع اللاتي يذهبن السيئات ، فقال بعضهم : هنّ الصلوات الخمس المكتوبات . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، عن أبي محمد ابن الحضرمي ، قال : حدثنا كعب في هذا المسجد ، قال : والذي نفس كعب بيده إن الصلوات الخمس لهنّ الحسنات التي بذهبن السيئات ، كما يغسل الماء الدرن .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن أفلح ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول في قوله : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : هنّ الصلوات الخمس .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد : { إنّ الحَسَنَاتِ } ، الصلوات .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة جميعا ، عن عوف ، عن الحسن : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني زريق بن السخت ، قال : حدثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله تعالى : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن منصور ، عن الحسن ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
قال : حدثنا سويد ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن سعيد الجريري ، قال : ثني أبو عثمان ، عن سلمان ، قال : والذي نفسي بيده ، إن الحسنات التي يمحو الله بهنّ السيئات كما يغسل الماء الدرن : الصلوات الخمس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن عبد الله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا عبد الله ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مَزْيدة بن زيد ، عن مسروق : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : الصلوات الخمس .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي ، وعبد الله بن أبي زياد القطوني ، قالا : حدثنا عبد الله بن يزيد ، قال : أخبرنا حيوة ، قال : أخبرنا أبو عقيل زهرة بن معبد القرشي من بني تيم من رهط أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه ، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان رحمه الله يقول : جلس عثمان يوما وجلسنا معه ، فجاء المؤذّن فدعا عثمان بماء في إناء ، أظنه سيكون فيه قدْرُ مدّ ، فتوضأ ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا ، ثم قال : «مَنْ تَوَضّأَ وُضُوئي هَذَا ، ثم قامَ فَصَلّى صَلاَةَ الظّهْرِ ، غُفِرَ لَهُ ما كانَ بَيْنَهُ وبينَ صَلاةَ الصّبْحِ ، ثُمّ صَلّى العَصْرَ ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ الظّهْرِ ، ثم صَلّى المَغْرِبَ ، غُفرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ العَصْرِ ، ثُمّ صَلّى العِشَاءَ ، غُفِرَ لَهُ ما بَيْنَهُ وبينَ صَلاةِ المَغْرِبِ ، ثُمّ لَعَلّهُ يَبيتُ لَيْلَةً يَتَمَرّغُ ، ثُمّ إنْ قامَ فَتَوَضّأَ وَصَلّى الصّبْحَ ، غُفِرَ لَه ما بَيْنَها وبينَ صَلاةِ العِشاءِ ، وَهُنّ الحَسَناتُ يُذْهِبْنَ السّيّئاتِ » .
حدثني سعد بن عبد الله بن عبد الحكيم ، قال : حدثنا أبو زرعة ، قال : حدثنا حيوة ، قال : حدثنا أبو عقيل ، زُهرة بن معبد ، أنه سمع الحرث مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه ، قال : جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد ، فذكر نحوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه قال : «وَهُنّ الحَسنَاتُ ، إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات » .
حدثنا ابن البرقي ، قال : حدثنا ابن أبي مريم ، قال : أخبرنا نافع بن زيد ، ورشدين بن سعد ، قالا حدثنا زهرة بن معبد ، قال : سمعت الحرث مولى عثمان بن عفان ، يقول : جلس عثمان بن عفان يوما على المقاعد ، ثم ذكر نحو ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا أنه قال : «وَهُنّ الحَسنَاتُ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات » .
حدثنا محمد بن عوف ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا ضمضم بن زرعة ، عن شريح بن عبيد ، عن أبي مالك الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «جُعِلَتْ الصّلَوَاتُ كَفّارَاتِ لِمَا بَيْنَهُنّ ، فإنّ اللّهَ قالَ : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } » .
حدثنا ابن سيار القزار ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عليّ بن زيد ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : كنت مع سلمان تحت شجرة ، فأخذ غصنا من أغصانها يابسا ، فهزّه حتى تحاتّ ورقه ، ثم قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كنت معه تحت شجرة ، فأخذ غصنا من أغصانها يابسا ، فهزّه حتى تحاتَّ ورقه ، ثم قال : «ألاتَسْألُنِي لِمَ أفْعَلُ هَذَا يا سَلْمانُ ؟ » فقلت : ولم تفعله ؟ فقال : «إنّ المُسْلِمَ إذَا تَوَضّأَ فأحْسَنَ الُوضُوءَ ، ثُمّ صَلّى الصّلَوَاتِ الخَمْسَ ، تَحاتّتْ خَطاياهُ كمَا تَحاتّ هَذَا الوَرَقُ » . ثُمّ تَلا هَذِهِ الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } . . . إلى آخر الآية .
وقال آخرون : هو قوله : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا شريك ، عن منصور ، عن مجاهد : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، قال : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر .
وأولى التأويلين بالصواب في ذلك قول من قال في ذلك : هُنّ الصلوات الخمسُ ، لصحة الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترها عنه أنه قال : «مَثَلُ الصّلَوَاتِ الخَمْسِ مَثَلُ نَهْرٍ جارٍ على بابِ أحَدِكُمْ يَنْغَمِسُ فِيهِ كُلّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرّاتٍ ، فَمَاذَا يُبْقِينَ مِنْ دَرَنِهِ » ، وإن ذلك في سياق أمر الله بإقامة الصلوات ، والوعد على إقامتها الجزيل من الثواب عقيبها أولى من الوعد على ما لم يجر له ذكر من صالحات سائر الأعمال ، إذا خصّ بالقصد بذلك بعض دون بعض .
وقوله : { ذلكَ ذِكْرَى للذّاكِرِين } ، يقول تعالى : هذا الذي أوعدت عليه من الركون إلى الظلم وتهددت فيه ، والذي وعدت فيه من إقامة الصلوات اللواتي يذهبن السيئات تذكرة ذكرّت بها قوما يذكرون وعد الله ، فيرجون ثوابه ووعيده فيخافون عقابه ، لا من قد طبع على قلبه فلا يجيب داعيا ولا يسمع زاجرا . وذكر أن هذه الآية نزلت بسبب رجل نال من غير زوجته ولا ملك يمينه بعض ما يحرم عليه ، فتاب من ذنبه ذلك . ذكر الرواية بذلك :
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، قالا : قال عبد الله بن مسعود : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال إني عالجت امرأة في بعض أقطار المدينة ، فأصبت منها ما دون أن أمسها ، فأنا هذا ، فاقض فيّ ما شئت ، فقال عمر : لقد سترك الله ، لو سترت على نفسك . قال : ولم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئا . فقام الرجل ، فانطلق ، فأتبعه النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً ، فدعاه ، فلما آتاه قرأ عليه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فقال رجل من القوم : هذا له يا رسول الله خاصة ؟ قال : «بَلْ للنّاسِ كافّةً » .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، عن عبد الله ، قال : جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله إني لقيت امرأة في البستان ، فضممتها إليّ ، وباشرتها ، وقبلتها ، وفعلت بها كلّ شي غير أني لم أجامعها ، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقرأها عليه ، فقال عمر : يا رسول الله ، أله خاصة ، أم للناس كافة ؟ قال : لا ، بَلْ للنّاسِ كافّةً » ، ولفظ الحديث لابن وكيع .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن سماك بن حرب ، أنه سمع إبراهيم بن زيد ، يحدّث عن علقة والأسود ، عن ابن مسعود ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إني وجدت امرأة في بستان ، ففعلت بها كل شيء غير أني لم أجامعها ، قبلتها ، ولزمتها ، ولم أفعل غير ذلك ، فافعل بي ما شئت ، فلم يقل له رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، فذهب الرجل ، فقال عمر : لقد ستر الله عليه لو سترت على نفسه ، فأتبعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره ، فقال : «رُدّوهُ عَليّ » ، فردّوه ، فقرأ عليه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، قال : فقال معاذ بن جبل : أله وحده يا نبيّ الله ، أم للناس كافة ؟ فقال : «بَلْ للنّاسِ كافّةً » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن سماك ، عن إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، عن عبد الله ، قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أخذت امرأة في البستان ، فأصبت منها كل شيء ، غير أني لم أنكحها ، فاصنع بي ما شئت ، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما ذهب دعاه ، فقرأ عليه هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله العجلي ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك بن حرب ، قال : سمعت إبراهيم يحدّث عن خاله الأسود ، عن عبد الله : أن رجلاً لقي امرأة في بعض طرق المدينة ، فأصاب منها ما دون الجماع . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فنزلت : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فقال معاذ بن جبل : يا رسول الله ، لهذا خاصة ، أو لنا عامّة ؟ قال : «بَلْ لَكُمْ عَامّةً » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، قال : أنبأني سماك ، قال : سمعت إبراهيم يحدّث عن خاله ، عن ابن مسعود : أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لقيت امرأة في حش بالمدينة ، فأصبت منها ما دون الجماع . . . نحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم البغدادي ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن إبراهيم عن خاله ، عن ابن مسعود ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثني أبو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : جاء فلان بن معتب ، رجل من الأنصار ، فقال : يا رسول الله دخلت عليّ امرأة ، فنلت منها ما ينال الرجل من أهله ، إلا أني لم أواقعها ، فلم يدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يجيبه حتى نزلت هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ ، إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات . . . } ، الآية ، فدعاه ، فقرأها عليه .
حدثني يعقوب وابن وكيع ، قالا : حدثنا ابن علية ، وحدثنا حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، وحدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان جميعا ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، عن ابن مسعود : أن رجلاً أصاب من امرأة شيئا لا أدري ما بلغ ، غير أنه ما دون الزنا . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر ذلك له ، فنزلت : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } ، فقال الرجل : ألي هذه يا رسول الله ؟ قال : «لِمَن أخَذَ بِها مِن أُمّتِي ، أوْ لِمَنْ عَمِلَ بِها » .
حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : حدثنا قبيصة ، عن حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، قال : كنت مع سلمان ، فأخذ غصن شجرة يابسة ، فحتّه ، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «مَنْ تَوَضّأَ فأحْسَنَ الْوضُوءَ تَحاتّتْ خَطاياهُ كمَا يَتَحاتّ هَذَا الوَرَقُ » ، ثم قال : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، إلى آخر الآية .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أبو أسامة وحسين الجعفي ، عن زائدة ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ ، قال : أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ما ترى في رجل لقي امرأة لا يعرفها ، فليس يأتي الرجل من امرأته شيئا إلا قد أتاه منها غير أنه لم يجامعها ؟ فأنزل الله هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تَوَضّأْ ثُمّ صَلّ » ، قال معاذ : قلت يا رسول الله ، أله خاصة أم للؤمنين عامة ؟ قال : «بَلْ للْمُؤمنِينَ عامّةً » .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : أن رجلاً أصاب من امرأة ما دون الجماع ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن ذلك . فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أنزلت : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية ، فقال معاذ : يا رسول الله ، أله خاصة أم للناس عامة ؟ قال : «هِيَ للنّاسِ عامّةً » .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الملك بن عمير ، قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : أتى رجل النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه .
حدثني عبد الله بن أحمد بن شبويه ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : ثني عمرو بن الحرث ، قال : ثني عبد الله بن سالم ، عن الزّبيدي ، قال : حدثنا سليم بن عامر ، أنه سمع أبا أمامة يقول : إن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، أقم فيّ حدْ الله مرّة واثنتين . فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم أقيمت الصلاة ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة ، قال : «أيْنَ هَذَا القائِلُ : أقِمْ فِيّ حدّ اللّهِ ؟ » ، قال : أناذا ، قال : «هَلْ أتْمَمْتَ الُوضُوءَ وَصَلّيْتَ مَعَنا آنِفا ؟ » ، قالَ : نَعَمْ . قال : «فإنّكَ مِنْ خَطِيئَتِكَ كمَا وَلَدَتْكَ أُمّكَ ، فَلا تَعُدْ » . وأنزل الله حينئذ على رسوله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني جرير ، عن عبد الملك ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل : أنه كان جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل ، فقال : يا رسول الله ، رجل أصاب من امرأة ما لا يحلّ له ، لم يدع شيئا يصيبه الرجل من امرأته إلا أتاه إلا أنه لم يجامعها ؟ قال : «يَتَوَضّأُ وُضُوءا حَسَنا ثُمّ يُصَلّي » . فأنزل الله هذه الآية : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية ، فقال معاذ : هي له ، يا رسول الله خاصة ، أم للمسلمين عامّة ؟ قال : «بَلْ للمُسْلِمِينَ عامّةً » .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم ، عن عمرو بن دينار ، عن يحيى بن جعدة : أن رجلاً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة ، وهو جالس مع النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فاستأذنه لحاجة ، فأذن له ، فذهب يطلبها فلم يجدها . فأقبل الرجل يريد أن يبشر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمطر ، فوجد المرأة جالسة على غدير ، فدفع في صدرها ، وجلس بين رجليها ، فصار ذكره مثل الهُدْبَة ، فقام نادما حتى أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بما صنع ، فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : «اسْتَغْفِرْ رَبّكَ وَصَلّ أرْبَعَ رَكَعاتٍ » ، قال : وتلا عليه : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ . . . } ، الآية .
حدثني الحرث ، قال : حدثنا عبد العزيز ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن عثمان بن وهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي اليسر بن عمرو الأنصاري ، قال : أتتني امرأة تبتاع مني بدرهم تمرا ، فقلت : إن في البيت تمرا أجود من هذا ، فدخلت ، فأهويت إليها ، فقبلتها . فأتيت أبا بكر ، فسألته ، فقال : استر على نفسك ، وتُبْ ، واستغفر الله . فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «أخْلَفْتَ رَجُلاً غازيا فِي سَبِيلِ اللّهِ فِي أهْلِهِ بِمِثْلَ هَذَا ؟ » حتى ظننتُ أني من أهل النار ، حتى تمنيت أني أسلمت ساعتئذ ، قال : فأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ، فنزل جبرئيل ، فقال : «أيْنَ أبُو اليُسْرِ ؟ » ، فجِئت ، فقرأ عليّ : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } . . . ، إلى : { ذِكْرَى للذّاكِرِين } ، قال : إنسان : له يا رسول الله ، خاصة ، أم للناس عامة ؟ قال : «للنّاسِ عامّةً » .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحماني ، قال : حدثنا قيس بن الربيع ، عن عثمان بن موهب ، عن موسى بن طلحة ، عن أبي اليسر ، قال : لقيت امرأة ، فالتزمتها ، غير أني لم أنكحها ، فأتيت عمر بن الخطاب ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرنّ أحدا ، فلم أصبر حتى أتيت أبا بكر رضي الله عنه ، فسألته ، فقال : اتق الله ، واستر على نفسك ، ولا تخبرنّ أحدا ، قال : فلم أصبر حتى أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال له : «هل جَهّزْتَ غَازِيا ؟ » ، قلت : لا ، قال : «فهل خَلَفْتَ غَازِيا في أهْلِهِ ؟ » ، قلت : لا ، فقال لي حتى تمنيت أني كنت دخلت في الإسلام تلك الساعة . قال : فلما وليت دعاني ، فقرأ عليّ : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، فقال له أصحابه : ألهذا خاصة أم للناس عامة ؟ فقال : «بَلْ للنّاسِ عامّةً » .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : ثني سعيد ، عن قتادة : أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبيّ الله ، هلكت . فأنزل الله : { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن سليمان التيمي ، قال : ضرب رجل على كفل امرأة ، ثم أتى أبا بكر وعمرو رضي الله عنهما ، فكلما سأل رجلاً منهما عن كفارة ذلك ، قال : أمغزية هي ؟ قال : نعم ، قال : لا أدري . ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأله عن ذلك ، فقال : «أمَغْزِيَةٌ هِيَ ؟ » ، قال : نعم . قال : لا أدري . حتى أنزل الله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات } .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن قيس بن سعد ، عن عطاء ، في قول الله تعالى : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } أن امرأة دخلت على رجل يبيع الدقيق ، فقبلها ، فأسقط في يده . فأتى عمر ، فذكر ذلك له ، فقال : اتق الله ، ولا تكن امرأة غاز ، فقال الرجل : هي امرأة غاز . فذهب إلى أبي بكر ، فقال مثل ما قال عمر . فذهبوا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم جميعا ، فقال له : كذلك ، ثم سكت النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فلم يجبهم ، فأنزل الله : { أقِم الصّلاةَ طَرَفِي النّهارِ وَزُلَفا مِنَ اللّيْلِ } ، الصلوات المفروضات ، { إنّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السّيّئات ذَلِكَ ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني عطاء بن أبي رباح ، قال : أقبلت امرأة حتى جاءت إنسانا يبيع الدقيق لتبتاع منه ، فدخل بها البيت ، فلما خلا له ، قبّلها . قال : فسقط في يديه ، فانطلق إلى أبي بكر ، فذكر ذلك له ، فقال : أبصر لا تكوننّ امرأة رجل غازٍ ، فبينما هم على ذلك ، نزل في ذلك : { أقِمِ الصّلاة طَرفِي النّهار وزُلَفا مِن اللّيْلِ } ، قيل لعطاء : المكتوبة هي ؟ قال : نعم هي المكتوبة . فقال ابن جريج ، وقال عبد الله بن كثير : هي المكتوبات .
قال ابن جريج ، عن يزيد بن رومان : إن رجلاً من بني غَنم ، دخلت عليه امرأة ، فقبلها ، ووضع يده على دبرها . فجاء إلى أبي بكر رضي الله عنه ، ثم جاء إلى عمر رضي الله عنه ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : { أقِمِ الصّلاة } . . . ، إلى قوله : { ذلك ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } . فلم يزل الرجل الذي قبّل المرأة يذكر ، فذلك قوله : { ذِكْرَى للذّاكِرِينَ } .
وقوله تعالى : { أقم الصلاة } الآية ، لم يختلف أحد في أن { الصلاة } في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة ، واختلف في { طرفي النهار } وزلف الليل فقيل : الطرف الأول الصبح ، والثاني الظهر والعصر ، والزلف : المغرب والعشاء ، قاله مجاهد ومحمد بن كعب القرظي وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المغرب والعشاء :«هما زلفتا الليل »{[6528]} وقيل : الطرف الأول : الصبح ، والثاني : العصر ، قاله الحسن وقتادة والضحاك ، والزلف : المغرب والعشاء ، وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول - بل هي في غيرها ، وقيل الطرفان : الصبح والمغرب - قاله ابن عباس والحسن - أيضاً - والزلف : العشاء ، وليست في الآية الظهر والعصر . وقيل : الطرفان : الظهر والعصر ، والزلف : المغرب والعشاء والصبح .
قال القاضي أبو محمد : كأن هذا القائل راعى جهر القراءة ، والأول أحسن هذه الأقوال عندي ورجح الطبري أن الطرفين : الصبح والمغرب ، وأنه الظاهر ، إلا أن عموم الصلوات الخمس بالآية أولى .
وقرأ الجمهور «زلَفاً » بفتح اللام ، وقرأ طلحة بن مصرف وابن محيصن وعيسى وابن إسحاق وأبو جعفر «زلُفاً » بضم اللام كأنه اسم مفرد . وقرأ «زلْفاً » بسكون اللام مجاهد ، وقرأ أيضاً : «زلفى » على وزن - فعلى - وهي قراءة ابن محيصن . والزلف : الساعات القريب بعضها من بعض . ومنه قول العجاج : [ الرجز ]
سماوة الهلال حتى احقوقفا{[6529]}***
وقوله { إن الحسنات يذهبن السيئات } ، ذهب جمهور المتأولين من صحابة وتابعين إلى أن { الحسنات } يراد بها الصلوات الخمس - وإلى هذه الآية ذهب عثمان - رضي الله عنه - عند وضوئه على المقاعد{[6530]} وهو تأويل مالك ، وقال مجاهد : { الحسنات } : قول الرجل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر .
قال القاضي أبو محمد : وهذا كله إنما هو على جهة المثال في الحسنات ، ومن أجل أن الصلوات الخمس هي أعظم الأعمال ، والذي يظهر أن لفظ الآية لفظ عام في الحسنات خاص في السيئات بقوله عليه السلام : «ما اجتنبت الكبائر » .
وروي أن هذه الآية نزلت في رجل من الأنصار ، قيل : هو أبو اليسر بن عمرو ، وقيل : اسمه عباد ، خلا بامرأة فقبلها وتلذّذ بها فيما دون الجماع ، ثم جاء إلى عمر فشكا إليه ، فقال : قد ستر الله عليك فاستر على نفسك ، فقلق الرجل فجاء أبا بكر فشكا إليه ، فقال له مثل مقالة عمر ، فقلق الرجل فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى معه ، ثم أخبره وقال : اقض فيَّ ما شئت ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لعلها زوجة غاز في سبيل الله ، قال : نعم ، فوبخه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ما أدري ، فنزلت هذه الآية ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلاها عليه : فقال معاذ بن جبل : يا رسول الله خاصة ؟ قال : بل للناس عامة{[6531]} . وروي أن الآية كانت نزلت قبل ذلك واستعملها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الرجل وروي أن عمر قال ما حكي عن معاذ .
قال القاضي أبو محمد : وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «الجمعة إلى الجمعة ، والصلوات الخمس ، ورمضان إلى رمضان - كفارة لما بينها إن اجتنبت الكبائر »{[6532]} فاختلف أهل السنة في تأويل هذا الشرط في قوله : «إن اجتنبت الكبائر » ، فقال جمهورهم : هو شرط في معنى الوعد كله ، أي إن اجتنبت الكبائر كانت العبادات المذكورة كفارة للذنوب ، فإن لم تجتنب لم تكفر العبادات شيئاً من الصغائر . وقالت فرقة : معنى قوله إن اجتنبت : أي هي التي لا تحطها العبادات ، فإنما شرط ذلك ليصح بشرطه عموم قوله : ما بينهما ، وإن لم تحطها العبادات وحطت الصغائر .
قال القاضي أبو محمد : وبهذا أقول وهو الذي يقتضيه حديث خروج الخطايا مع قطر الماء وغيره{[6533]} ؛ وذلك كله بشرط التوبة من تلك الصغائر وعدم الإصرار عليها ، وهذا نص الحذاق الأصوليين . وعلى التأويل الأول تجيء هذه مخصوصة في مجتنبي الكبائر فقط .
وقوله ذلك إشارة إلى الصلوات ، ووصفها ب { ذكرى } ، أي هي سبب ذكر وموضع ذكرى ، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى الإخبار ب { إن الحسنات يذهبن السيئات } ، فتكون هذه الذكرى تحض على الحسنات ، ويحتمل أن تكن الإشارة إلى جميع ما تقدم من الأوامر والنواهي في هذه السورة ، وهو تفسير الطبري .
انتقل من خطاب المؤمنين إلى خطاب النّبيء صلى الله عليه وسلم وهذا الخطاب يتناول جميع الأمّة بقرينة أنّ المأمور به من الواجبات على جميع المسلمين ، لا سيما وقد ذكر معه ما يناسب الأوقات المعيّنة للصلوات الخمس ، وذلك ما اقتضاه حديث أبي اليُسْر الآتي .
وطرف الشيء : منتهاه من أوّله أو من آخره ، فالتثنية صريحة في أنّ المراد أوّل النّهار وآخره .
و { النّهار } : ما بين الفجر إلى غروب الشمس ، سمي نهاراً لأنّ الضياء ينهر فيه ، أي يبرز كما يبرز النهْر .
والأمر بالإقامة يؤذن بأنّه عمل واجب لأنّ الإقامة إيقاع العمل على ما يستحقه ، فتقتضي أنّ المراد بالصّلاة هنا الصلاة المفروضة ، فالطّرفان ظَرْفان لإقامة الصّلاة المفروضة ، فعلم أن المأمور إيقاع صلاة في أوّل النّهار وهي الصّبح وصلاة في آخره وهي العصر وقيل المغرب .
والزُلَف : جمع زُلْفة مثل غُرْفة وغُرَف ، وهي السّاعة القريبة من أختها ، فعلم أن المأمور إيقاع الصلاة في زلف من اللّيل ، ولمّا لم تعيّن الصلوات المأمور بإقامتها في هذه المدّة من الزمان كان ذلك مجملاً فبينته السنةُ والعملُ المتواتر بخمس صلوات هي الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وكان ذلك بيَاناً لآيات كثيرة في القرآن كانت مجملة في تعيين أوقات الصلوات مثل قوله تعالى : { أقم الصّلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إنّ قرآن الفجر كان مشهودا } [ الإسراء : 78 ]
والمقصود أن تكون الصّلاة أول أعمال المُسلم إذا أصبح وهي صلاة الصبح وآخر أعماله إذا أمسى وهي صلاة العشاء لتكون السيّئات الحاصلة فيما بيْن ذلك ممحوة بالحسنات الحافّة بها . وهذا مشير إلى حكمة كراهة الحديث بعد صلاة العشاء للحثّ على الصّلاة وخاصة ما كان منها في أوقات تعرض الغفلة عنها . وقد ثبت وجوبهما بأدلّة أخر وليس في هذه الآية ما يقتضي حصر الوجوب في المذكور فيها .
وجملة { إنّ الحسنات يذهبن السّيئات } مسوقة مساق التّعليل للأمر بإقامة الصّلوات ، وتأكيد الجملة بحرف { إنّ } للاهتمام وتحقيق الخبر . و { إنّ } فيه مفيدة معنى التّعليل والتفريع ، وهذا التعليل مؤذن بأنّ الله جعل الحسنات يذهبن السيّئات ، والتّعليل مشعر بعموم أصحاب الحسنات لأنّ الشأن أن تكون العلّة أعم من المعلول مع ما يقتضيه تعريف الجمع باللاّم من العموم .
وإذهاب السيّئات يشمل إذهاب وقوعها بأن يصير انسياق النّفس إلى ترك السيّئات سَهْلاً وهيّناً كقوله تعالى : { إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } [ العنكبوت : 45 ] ويكون هذا من خصائص الحسنات كلّها . ويشمل أيضاً محو إثمها إذا وقعت ، ويكون هذا من خصائص الحسنات كلّها فضلاً من الله على عباده الصالحين .
ومحمل السيّئات هنا على السيّئات الصغائر التي هي من اللّمم حملاً لمطلق هذه الآية على مقيد آية { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلاّ اللّمَم } [ النجم : 32 ] وقوله تعالى : { إن تجتنبوا كبائر ما تُنْهَوْنَ عنه نكَفّر عنكم سيئاتكم } [ النساء : 31 ] ، فيحصل من مجموع الآيات أنّ اجتناب الفواحش جعله الله سبباً لغفران الصغائر أوْ أنّ الإتيان بالحسنات يذهب أثر السيئات الصغائر ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : { إنْ تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم } في سورة [ النّساء : 31 ] .
روى البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : أنّ رجلاً أصاب من امرأة قبلةَ حرام فأتى النبي فذكرت ذلك فأنزلت عليه { وأقم الصّلاة طرفي النهار وزُلَفاً من الليل } . فقال الرجل : ألِي هذه ؟ قال : لمن عمل بِها من أمّتي .
وروى الترمذي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنّي عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسّها وها أنا ذا فَاقْض فيّ ما شئت ، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فانطلق الرجل فأتبعه رجلاً فدعاه فتلا عليه { وأقم الصلاة طرفي النهار } إلى آخر الآية ، فقال رجل من القوم : هذا له خاصة ؟ قال : لا ، بل للنّاس كافة . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وأخرج الترمذي حديثين آخرين : أحدهما عن معاذ بن جبل ، والآخر عن أبي اليَسر وهو صاحب القصة وضعّفهما .
والظاهر أن المرويّ في هذه الآية هو الذي حمل ابن عبّاس وقتادة على القول بأنّ هذه الآية مدنيّة دون بقية هذه السورة لأنه وقع عند البخاري والترمذي قوله : ( فأنزلت عليه ) فإن كان كذلك كما ذكره الرّاوي فهذه الآية ألحقت بهذه السورة في هذا المكان لمناسبة وقوع قوله : { فاستقم كما أمرت } [ هود : 112 ] قبلها وقولِه : { واصبر فإنّ الله لا يضيعُ أجرَ المحسنين } [ هود : 115 ] بعدَها .
وأمّا الذين رجّحوا أنّ السورة كلّها مكيّة فقالوا : إنّ الآية نزلت في الأمر بإقامة الصّلوات وإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بها الذي سأله عن القبلة الحرام وقد جاء تائباً ليعلمه بقوله : { إن الحسنات يذهبن السيّئات } ، فيؤوّل قولُ الراوي : فأنزلت عليه ، أنّه أنزل عليه شمول عموم الحسنات والسيئات لقضيّة السائل ولجميع ما يماثلها من إصابة الذنوب غير الفواحش .
ويؤيّد ذلك ما في رواية الترمذي عن علقمة والأسود عن ابن مسعود قوله : فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم { وأقم الصّلاة } ، ولم يقولا : فَأنْزل عليه .
وقوله : { ذلك ذكْرى للذّاكرين } أيْ تذْكرة للّذي شأنه أن يذكر ولم يكن شأنه الإعراض عن طلب الرشد والخير ، وهذا أفاد العموم نصّاً . وقوله : { ذلك } الإشارة إلى المذكور قبله من قوله : { فاستقم كما أمرت } [ هود : 112 ] .