التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا} (124)

ثم بين - سبحانه - حسن عاقبة المؤمنين فقال : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } .

أى : ومن يعمل من الأعمال الصالحات سواء أكان العامل ذكرا أم أمنثى ما دام متحليا بصفة الإِيمان ، فأولئك العاملون بالأعمال الصالحة يجخلون الجنة جزاء عملهم ؛ ولا ينقصون شيئا من ثواب أعمالهم ، ولو كان هذا الشئ نقيرا وهو النقطة التى تكون فى ظهر النواة ويضرب بها المثل فى القلة الحقارة .

و { مِنَ } فى قوله { مِنَ الصالحات } للتبعيض أى : بعض الأعمال الصالحات لأن الإِنسان لا يستطيع أن يعمل جميع الأعمال الصالحة ، وإنما كل إنسان يعمل على قدر طاقته وقدرته ولا يكلف نفسا إلا وسعها .

و { مِن } فى قوله { مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى } للبيان . أى بيان أن الأحكام الشرعية وما يترتب عليها من ثواب يشترك فيه الرجال والنساء إلا إذا قام دليل على أن أحد الصنفين مختص بحكم معين لا يشاركه فيه الصنف الآخر .

وفى ذلك إنصاف للمرأة من الظلم الذى كان واقعا عليها قبل شريعة الإِسلام العادلة .

والجملة الكريمة فى موضع نصب على الحال من ضمير { يَعْمَلْ } .

وقوله { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } قيد لإِخراج غير المؤمن لأن الكافر مهما قدم من أعمال صالحة فى الدنيا فإنها لن تنفعه فى الآخرة بسبب كفره بالدين الحق .

واسم الإِشارة وهو قوله { فأولئك } يعود إلى من فى قوله { وَمَن يَعْمَلْ } باعتبار معناها .

وقوله { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } بيان لفضل الله - تعالى - وعدله ، وأنه - سبحانه - { لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا} (124)

114

وفي النص تلك التسوية بين شقي النفس الواحدة ، في موقفهما من العمل والجزاء ؛ كما أن فيه شرط الإيمان لقبول العمل ، وهو الإيمان بالله :

( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى - وهو مؤمن - فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) . .

وهو نص صريح على وحدة القاعدة في معاملة شقي النفس الواحدة - من ذكر أو أنثى . كما هو نص صريح في اشتراط الإيمان لقبول العمل . وأنه لا قيمة عند الله لعمل لا يصدر عن الإيمان . ولا يصاحبه الإيمان . وذلك طبيعي ومنطقي . لأن الإيمان بالله هو الذي يجعل العمل الصالح يصدر عن تصور معين وقصد معلوم ؛ كما يجعله حركة طبيعية مطردة ، لا استجابة لهوى شخصي ، ولا فلتة عابرة لا تقوم على قاعدة . .

وهذه الألفاظ الصريحة تخالف ما ذهب إليه الاستاذ الإمام الشيخ محمد عبده رحمه الله في تفسير جزء " عم " عند قوله تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) . . إذ رأى النص لعمومه هذا يشمل المسلم وغير المسلم . بينما النصوص الصريحة الأخرى تنفي هذا تماما . وكذلك ما رآه الأستاذ الشيخ المراغي - رحمه الله . وقد أشرنا إلى هذه القصة في جزء عم [ الجزء الثلاثين من الظلال ] .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا} (124)

وقوله : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ]{[8389]} } لما ذكر الجزاء على السيئات ، وأنه لا بد أن يأخذ مستحقها من العبد إما في الدنيا - وهو الأجود له - وإما في الآخرة - والعياذ بالله من ذلك ، ونسأله العافية في الدنيا والآخرة ، والصفح والعفو والمسامحة - شرع في بيان إحسانه وكرمه ورحمته في قبول الأعمال الصالحة من عباده ذُكْرَانهم وإناثهم ، بشرط الإيمان ، وأنه سيدخلهم الجنة ولا يظلمهم من حسناتهم ولا مقدار النقير ، وهو : النقرة التي في ظهر نواة التمرة ، وقد تقدم الكلام على الفتيل ، وهو الخيط الذي في شق النواة ، وهذا النقير وهما في نواة التمرة ، وكذا القطمير وهو اللفافة التي على نواة التمرة ، الثلاثة في القرآن .


[8389]:زيادة من و، أ، وفي هـ "الآية".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا} (124)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلََئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : الذين قال لهم : { لَيْسَ بأمانِيّكُمْ وَلا أمانِيّ أهْلِ الكِتابِ } يقول الله لهم : إنما يدخل الجنة وينعم فيها في الاَخرة ، من يعمل من الصالحات من ذكوركم وإناثكم ، وذكور عبادي وإناثهم وهو مؤمن بي وبرسولي محمد ، مصدّق بوحدانيتي ، ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عندي ، لا أنتم أيها المشركون بي المكذّبون رسولي ، فلا تطمعوا أن تحلوا وأنتم كفار محلّ المؤمنين بي وتدخلوا مداخلهم في القيامة وأنتم مكذّبون برسولي . كما :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أوْ انْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ } قال : أبى أن يقبل الإيمان إلا بالعمل الصالح ، وأبى أن يقبل الإسلام إلا بالإحسان .

وأما قوله : { وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرا } فإنه يعني : ولا يظلم الله هؤلاء الذين يعملون الصالحات من ثواب عملهم مقدار النقرة التي تكون في ظهر النواة في القلة ، فيكف بما هو أعظم من ذلك وأكثر . وإنما يخبر بذلك جلّ ثناؤه عباده أنه لا يبخسهم من جزاء أعمالهم قليلاً ولا كثيرا ، ولكن يوفيهم ذلك كما وعدهم .

وبالذي قلنا في معنى النقير قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : { وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرا } قال : النقير : الذي يكون في ظهر النواة .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عامر ، قال : حدثنا قرة ، عن عطية ، قال : النقير : الذي في وسط النواة .

فإن قال لنا قائل : وما وجه دخول «مَنْ » في قوله : { وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ } ، ولم يقل : ومن يعمل الصالحات ؟ قيل : لدخولها وجهان : أحدهما أن يكون الله قد علم أن عباده المؤمنين لن يطيقوا أن يعملوا جميع الأعمال الصالحات ، فأوجب وعده لمن عمل ما أطاق منها ولم يحرمه من فضله بسبب ما عجزت عن عمله منها قواه . والاَخر منهما أن يكون تعالى ذكره أوجب وعده لمن اجتنب الكبائر وأدّى الفرائض ، وإن قصر في بعض الواجب له عليه ، تفضلاً منه على عباده المؤمنين ، إذ كان الفضل به أولى ، والصفح عن أهل الإيمان به أحرى . وقد تقوّل قوم من أهل العربية أنها أدخلت في هذا الموضع بمعنى الحذف ، ويتأوّله : ومن يعمل الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن . وذلك عندي غير جائز ، لأن دخولها المعنى ، فغير جائز أن يكون معناها الحذف .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا} (124)

وقوله تعالى : { ومن يعمل من الصالحات } دخلت { من } للتبغيض إذ ، { الصالحات } على الكمال مما لا يطيقه البشر ، ففي هذا رفق بالعباد ، لكن في هذا البعض الفرائض وما أمكن من المندوب إليه ، ثم قيد الأمر بالإيمان إذ لا ينفع عمل دونه ، وحكى الطبري عن قوم : أن { من } زائدة ، وضعفه كما هو ضعيف ، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي : «يَدخُلون الجنة » بفتح الياء وضم الخاء ، وكذلك حيث جاء من القرآن ، وروي مثل هذا عن عاصم ، وقرأ أبو عمرو في هذه الآية وفي ( مريم ) و( الملائكة ) وفي ( المؤمن ){[4300]} «يُدخَلون » بضم الياء وفتح الخاء ، وقرأ بفتح الياء من { سيدخلون جهنم داخرين }{[4301]} و«النقير » النكتة التي في ظهر نواة التمرة ومنه تنبت ، وروي عن عاصم «النقير » ما تنقره بأصبعك ، وهذا كله مثال للحقير اليسير .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : فهنا كمل الرد على أهل الأماني والإخبار بحقيقة الأمر .


[4300]:- أما في (مريم) ففي قوله تعالى في الآية (60): {إلا من تاب وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا}- وأما قوله: (والملائكة) فلعله يريد بها قوله تعالى في الآية (23) من سورة (الرعد): {والملائكة يدخلون عليهم من كل باب}. وأما في (المؤمن) ففي قوله تعالى في الآية (40): {فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب}.
[4301]:- من قوله تعالى في الآية (60) من سورة (غافر): {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}- وأراد ابن عطية بقوله: "وقرأ بفتح الياء من {سيدخلون جهنم داخرين}- أبا عمرو.