مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا} (124)

ثم قال تعالى : { ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا }

قال مسروق : لما نزل قوله { من يعمل سوءا يجز به } قال أهل الكتاب للمسلمين : نحن وأنتم سواء ، فنزلت هذه الآية إلى قوله { ومن أحسن دينا } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم { يدخلون الجنة } بضم الياء وفتح الخاء على ما لم يسم فاعله ، وكذلك في سورة مريم وفي حم المؤمن ، والباقون بفتح الياء وضم الخاء في هذه السورة جميعا على أن الدخول مضاف إليهم ، وكلاهما حسن ، والأول أحسن لأنه أفخم ، ويدل على مثيب أدخلهم الجنة ويوافق { ولا يظلمون } وأما القراءة الثانية فهي مطابقة لقوله تعالى : { ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم } ولقوله { ادخلوها بسلام } ، والله أعلم .

المسألة الثانية : قالوا : الفرق بين { من } الأولى والثانية أن الأولى للتبعيض ، والمراد من يعمل بعض الصالحات لأن أحدا لا يقدر على أن يعمل جميع الصالحات ، بل المراد أنه إذا عمل بعضها حال كونه مؤمنا استحق الثواب .

واعلم أن هذه الآية من أدل الدلائل على أن صاحب الكبيرة لا يبقى مخلدا في النار ، بل ينقل إلى الجنة ، وذلك لأنا بينا أن صاحب الكبيرة مؤمن ، وإذا ثبت هذا فنقول : إن صاحب الكبيرة إذا كان قد صلى وصام وحج وزكى وجب بحكم هذه الآية أن يدخل الجنة ، ولزم بحكم الآيات الدالة على وعيد الفساق أن يدخل النار ، فأما أن يدخل الجنة ثم ينقل إلى النار فذلك باطل بالإجماع ، أو يدخل النار ثم ينقل إلى الجنة فذلك هو الحق الذي لا محيد عنه ، والله أعلم .

المسألة الثالثة : النقير : نقرة في ظهر النواة منها تنبت النخلة ، والمعنى أنهم لا ينقصون قدر منبت النواة .

فإن قيل : كيف خص الله الصالحين بأنهم لا يظلمون مع أن غيرهم كذلك كما قال { وما ربك بظلام للعبيد } وقال { وما الله يريد ظلما للعالمين } .

والجواب من وجهين : الأول : أن يكون الراجع في قوله { ولا يظلمون } عائدا إلى عمال السوء وعمال الصالحات جميعا ، والثاني : أن كل ما لا ينقص عن الثواب كان بأن لا يزيد في العقاب أولى هذا هو الحكم فيما بين الخلق ، فذكر الله تعالى هذا الحكم على وفق تعارف الخلق .