قوله : ( لَّيْسَ بِأَمَانِيّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) الآية [ 123 ] .
قال مسروق : تفاخر النصارى والمسلمون ، فقال هؤلاء : نحن أفضل ، وقال هؤلاء : نحن أفضل منكم .
فأنزل الله عز وجل : ( لَّيْسَ بِأَمَانِيّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ )( {[13612]} ) الآية( {[13613]} ) .
ثم أفلح الله تعالى حجة المؤمنين فقال : ( وَمَنْ يَّعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ اَوُ انْثَى وَهُوَ مُومِنٌ فَأُوْلَائِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ )
ثم زاد في الفضل فقال : ( وَمَنْ اَحْسَنُ دِيناً مِمَّنَ اَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ ) الآية .
وقال قتادة : تفاخر المسلمون وأهل الكتاب ، فقال أهل الكتاب : نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، ونحن أحق بالله منكم ، وقال المسلمون : نبينا خاتم النبيين ، وكتابنا يقضي على الكتب التي كانت قبله ، فأنزل الله ( لَّيْسَ بِأَمَانِيّكُمْ ) الآية( {[13614]} ) .
أي : ليس ذلك الذي قلتم بأمانيكم ففي ليس اسمها في جميع هذه الأقوال( {[13615]} ) .
( مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً ) ابتداء شرط ، وجوابه خبره وهو : ( يُجْزَ بِهِ ) .
وقال الضحاك : تخاصم أهل الأديان : اليهود والنصارى والمسلمون فأنزل الله ( لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ) الآية( {[13616]} ) .
وقال مجاهد : عنى بذلك أهل الشرك من عبدة الأوثان ، قالوا : لن نبعث ولن نعذب( {[13617]} ) ، وقالت اليهود والنصارى ( لَنْ يَّدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً اَوْ نَصَارَى )( {[13618]} )( {[13619]} ) .
فأنزل الله ( لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ) يعني المشركين في قولهم : لن نبعث ولن نعذب( {[13620]} ) .
( وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ) يعني قولهم لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى ( مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) خلافاً لمن أدعى( {[13621]} ) الجميع .
والمعنى : ليس الكائن من أمركم بما تتمنون يا أهل الشرك ولا بما يتمنى أهل الكتاب ، وهم اليهود والنصارى بل ( مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) .
وقيل : التقدير : ليس ثواب الله بأمانيكم لأنه( {[13622]} ) قد جرى ذكر ذلك في قوله : ( وَالذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ ) الآية( {[13623]} ) ( وَلاَ يُظْلَمُونَ نَفِيراً ) أي : مقدار النقير وهو النقطة في ظهر النواة وهي منبت النخلة .
وقالت عائشة رضي الله عنها في قوله : ( مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) ذلك ما يصيبهم في الدنيا ، وقاله مجاهد وغيره( {[13624]} ) .
وقال الحسن : ( مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) الكافر وقرأ ( وَهَلْ يُجَازَى إِلاَّ الْكَفُورُ )( {[13625]} ) ، وقال في قوله ( لِيَجْزِيَ الذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا )( {[13626]} ) . " هِمُ الكُفَّارُ " ( {[13627]} ) ( وَيَجْزِيَ الذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى )( {[13628]} ) قال : كانت والله لهم ذنوب ، ولكنه غفرها لهم ، ولم يجازهم( {[13629]} ) بها( {[13630]} ) .
وقال ابن زيد : يعني المشركين يريد بالآية قال : وعد الله المؤمنين أن يكفر عنهم سيئاتهم( {[13631]} ) .
وقال الضحاك : ( {[13632]} ) ( مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) يعني بذلك اليهود والنصارى ، والمجوس وكفار العرب( {[13633]} ) .
قوله : ( وَلاَ يَجِدْ لَهُ( {[13634]} ) مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ) .
وروي أن هذه الآية لما نزلت قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : يا رسول الله : وإن لمجزون بأعمالنا ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما المؤمن فيجزى بها في الدنيا ، وأما الكافر فيجزى بها يوم القيامة " ( {[13635]} ) .
وقال الحسن وابن( {[13636]} ) أبي كثير( {[13637]} ) ( مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً يُجْزَى بِهِ ) أي يعمل شركاً يجز به بدلالة قوله : ( وَهَلْ يُجَازَى إِلاَّ الْكَفُورُ ) وتلاها الحسن مع هذه ( الآية( {[13638]} ) ) استشهاداً بها( {[13639]} ) .
وروى عن ابن عباس أنه قال : السوء هنا : الشرك ، ومعنى( {[13640]} ) من يشرك( {[13641]} ) : يجز به( {[13642]} ) .
وقال ابن جبير : ( مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) أي : من يشرك( {[13643]} ) .
قالت عائشة وأبي بن كعب : إن المعنى : من عمل سوءاً من مؤمن ، أو كافر جوزي به ، وهو اختيار الطبري( {[13644]} ) ، واحتج بما روى أبو هريرة قال : لما نزلت هذه الآية شقت على المسلمين منهم ما شاء الله أن تبلغ ، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قاربوا وسددوا ، ففي كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها ، أو الشوكة يشاكها( {[13645]} ) .
وروت عائشة عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : لما نزلت هذه الآية : يا رسول الله ( مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أوليس يصيبك كذا ( ويصيبك كذا( {[13646]} ) ) فهو كفارة " ( {[13647]} ) .
وقال ابن عمر : سمعت أبا بكر يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ يَّعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ ) في الدنيا( {[13648]} ) .
وروى عن ابن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال : يا نبي الله : كيف الصلاح بعد هذه الآية ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " غفر الله لك يا أبا بكر ، ألست تمرض ؟ ألست تحزن ؟ ألست تصيبك اللاواء( {[13649]} ) ؟ فهو ما تجزون به " ( {[13650]} ) .
وروي أن أبا بكر قال : لما نزلت هذه الآية ، جاءت قاصمة الظهر( {[13651]} ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما هي المضائق في الدنيا( {[13652]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.