قوله : { [ ومن يعمل ] من الصالحاتَ من ذكر } " " من " الأولَى : للتَّبعيضِ ؛ لأنَّ المكلَّف لا يطيق عَمَل كل الصَّالِحَات .
وقال الطَّبَرِي : " هي زائدةٌ عند قَوْم " وفيه ضعفٌ ، لعدم الشَّرْطَيْن ، و " مِنْ " الثانية للتبيين ، وأجاز أبو البقاء{[9848]} أن تكُونَ حالاً ، وفي صَاحِبها وجهان :
أحدهما : أنه الضَّميرُ المَرْفُوع ب " يَعْمَل " .
والثاني : أنه الصَّالحات ، أي : الصالحات كَائِنةً من ذكر أو أنثى ، وقد تقدَّم إيضاح هذا في قوله : { لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى } [ آل عمران : 195 ] والكلامُ على " أوْ " أيضاً ، وقوله : " وَهُوَ مُؤْمِنٌ " جملة حَالِيّة من فَاعِل " يَعْمَل " .
[ قوله " يدخلون " ] قرأ أبو عَمْرو ، وابن كَثير ، وأبُو بَكْر عن عَاصِم{[9849]} : " يُدْخَلون " هُنَا ، وفي مَرْيم ، وأوَّل غَافِر بضم حَرْف المُضَارَعة ، وفتح الخَاء مبنياً للمَفْعُول ، وانفردَ ابنُ كَثِيرٍ وأبو بكْرٍ بثانية غَافِر ، وأبو عمرو بالتي في فَاطِر ، والبَاقُون : بفتحِ حَرْفِ المُضَارعة ، وضمِّ الخَاءِ مبنياً للفاعِل ، وذلك للتفنُّنِ في البلاغَةِ . والأوّل أحْسن ؛ لأنَّهُ أفْخَم ، ولِكَوْنه مُوافقاً لقوله : { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } .
وأما القِرَاءة الثَّانية : فهي مُطَابِقَةٌ لقوله : { ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ } [ الزخرف : 70 ] ، ولقوله { ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ } [ الحجر : 46 ] .
والنقير : النَّقْرَة في ظَهْر النَّوَاة ، مِنْها تَنْبُت النَّخْلَة ، والمَعْنَى : أنَّهم لا يُنْقَصُون قدر مَنْبَت النَّوَاة .
فإن قِيلَ : لم خصَّ اللَّه الصالِحينَ بأنَّهم لا يُظْلَمُونَ ، مع أنَّ غيرهم كَذَلِك ؛ كما قال :
{ وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ } [ فصلت : 46 ] ، وقوله { وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِينَ } [ آل عمران : 108 ] .
الأول : أن يَكُون الرَّاجع في قوله : " ولا يُظْلَمُونَ " عائداً إلى عُمَّال السُّوءِ ، وعُمَّال{[9850]} الصَّالِحَات جَمِيعاً .
والثَّاني : أن من لا يُنْقِصُ من الثَّواب ، أولى بأن لا يَزِيدَ في العِقَابِ .
روى الأعْمَش ، عن أبي الضُّحَى{[9851]} عن مَسْرُوقٍ ، قال : لمَّا نَزَل { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } قال أهْل الكِتَاب : نَحْنُ وأنْتُم سَوَاءٌ ، فَنَزَلتْ : { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ } الآية ، ونزل أيْضاً : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ }
فصل : صاحب الكبيرة لا يخلد في النار
وهذه الآية من أدَلِّ الدَّلائِل على أن صَاحِبَ الكَبِيرَة لا يُخَلَّد [ في النَّارِ ]{[9852]} بل ينقل{[9853]} إلى الجَنَّة ؛ لأنَّا بينَّا أن صاحِبَ الكبِيرَة مؤمن ، وإذا ثَبَتَ ذَلِك ، وكان قد عَمِلَ الصَّالِحَات ، وجب أنْ يدْخُل الجَنَّة ، لهذه الآية ، ولزم بِحُكْم الآيَات الدَّالَّة على وَعِيد الفُسَّاق أن يَدْخُل النَّار ، فإمَّا{[9854]} أن يدْخُل النَّار{[9855]} ، ثم يَنْتَقِل إلى النَّارِ ، وذلك بَاطِلٌ بالإجْماع ، أو يَدْخُل النَّار ، ثم ينتقل إلى الجَنَّة ، وذلك هُو المَطْلُوب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.