ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناواهم من أهل الأديان بقوله : { ومن يعمل من الصالحات } وبقوله : { ومن أحسن ديناً } الآيتان . وقيل : الخطاب في : { أمانيكم } لعبدة الأوثان ، وأمانيهم أن لا يكون حشر ولا نشر ولا معاد ولا عقاب وإن اعترفوا به لكنهم يصفون أصنامهم بأنها شفعاؤهم عند الله . وقيل : الخطاب للمسلمين وأمانيهم أن يغفر لهم وإن ارتكبوا الكبائر ، وأما أماني أهل الكتاب فقولهم :{ لن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداً أو نصارى }[ البقرة :111 ]{ نحن أبناء الله وأحباؤه }[ المائدة :18 ]{ ولن تمسنا النار إلاّ أياماً معدودة }[ البقرة :80 ] واسم " ليس " مضمر فقيل : أي ليس وضع الدين على أمانيكم . وقيل : ليس الثواب الذي تقدم الوعد به في قوله : { سندخلهم } وعن الحسن ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب أي أثر فيه وصدقه العمل ، إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحن نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن به لأحسنوا العمل . ويؤيد هذا المعنى قوله بياناً للمذكور : { من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } فمن هنا استدلت المعتزلة بالآية على القطع بوعيد الفساق ونفي الشفاعة ، وأجيب بأنه مخصوص بالكفار لأنهم مخاطبون بالفروع عندنا . سلمنا أنه يعم المؤمن والكافر إلاّ أنه مخصوص في حق المؤمن بقوله : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } سلمنا لكن لم لا يجوز أن يكون جزاؤهم الآلام والأسقام والهموم والغموم الدنيوية ؟ روي أنه لما نزلت الآية قال أبو بكر : كيف الصلاح بعد هذه الآية ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " غفر الله لك يا أبا بكر ؛ ألست تمرض أليس يصيبك اللأواء ؟ فهو ما تجزون " . عن عائشة أن رجلاً قرأ هذه الآية فقال : أنجزى بكل ما نعمل لقد هلكنا . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم كلامه فقال : " يجزي المؤمن في الدنيا بمصيبة في جسده وبما يؤذيه " وعن أبي هريرة لما نزلت الآية بكينا وحزنا وقلنا : " يا رسول الله ما أبقت هذه الآية لنا شيئاً ، فقال صلى الله عليه وسلم : أبشروا فإنه لا يصيب أحداً منكم مصيبة في الدنيا إلاّ جعلها الله له كفارة حتى الشوكة التي تقع في قدمه " ، سلمنا أن الجزاء إنما يصل إليه في الآخرة لكنه روي عن ابن عباس " أنه لما نزلت الآية شقت على المسلمين وقالوا : يا رسول الله وأينا لم يعمل سوءاً فكيف الجزاء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إنه تعالى وعد على الطاعة عشر حسنات ، وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة ، فمن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات ، فويل لمن غلبت آحاده أعشاره " . وأيضاً المؤمن الذي أطاع الله سبعين سنة ثم شرب قطرة من الخمر فهو مؤمن قد عمل الصالحات فوجب القطع بأنه يدخل الجنة . قالوا : إن صاحب الكبيرة غير مؤمن ، وأجيب بنحو قوله :{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا }[ الحجرات :9 ] أما حديث نفي الشفاعة فإذا كانت شفاعة الملائكة والأنبياء بإذن الله صدق أنه لا ولي لأحد ولا نصيراً إلاّ الله . قال في الكشاف : " من " في قوله : { من الصالحات } للتبعيض أراد ومن يعمل بعض الصالحات لأن كلاّ لا يتمكن من كل الصالحات لاختلاف الأحوال ، وإنما يعمل منها ما هو في وسعه ، وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة ولا صلاة في بعض الأحوال . ومن في قوله : { من ذكر } لتبيين الإبهام في : { من يعمل } والضمير في : { لا يظلمون } عائد إلى عمال السوء وعمال الصالحات جميعاً ، أو يعود إلى الصالحين فقط . وذكره عند أحد الفريقين يغني عن ذكره عند الآخر والمسيء مستغن عن هذا القيد ، فمن المعلوم أن أرحم الراحمين لا يزيد في عقابه وأما نقصان الفضل في الثواب كان محتملاً فأزيل ذلك الوهم ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.