غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا} (124)

114

ثم أفلج الله حجة المسلمين على من ناواهم من أهل الأديان بقوله : { ومن يعمل من الصالحات } وبقوله : { ومن أحسن ديناً } الآيتان . وقيل : الخطاب في : { أمانيكم } لعبدة الأوثان ، وأمانيهم أن لا يكون حشر ولا نشر ولا معاد ولا عقاب وإن اعترفوا به لكنهم يصفون أصنامهم بأنها شفعاؤهم عند الله . وقيل : الخطاب للمسلمين وأمانيهم أن يغفر لهم وإن ارتكبوا الكبائر ، وأما أماني أهل الكتاب فقولهم :{ لن يدخل الجنة إلاّ من كان هوداً أو نصارى }[ البقرة :111 ]{ نحن أبناء الله وأحباؤه }[ المائدة :18 ]{ ولن تمسنا النار إلاّ أياماً معدودة }[ البقرة :80 ] واسم " ليس " مضمر فقيل : أي ليس وضع الدين على أمانيكم . وقيل : ليس الثواب الذي تقدم الوعد به في قوله : { سندخلهم } وعن الحسن ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب أي أثر فيه وصدقه العمل ، إن قوماً ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم وقالوا : نحن نحسن الظن بالله وكذبوا لو أحسنوا الظن به لأحسنوا العمل . ويؤيد هذا المعنى قوله بياناً للمذكور : { من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً } فمن هنا استدلت المعتزلة بالآية على القطع بوعيد الفساق ونفي الشفاعة ، وأجيب بأنه مخصوص بالكفار لأنهم مخاطبون بالفروع عندنا . سلمنا أنه يعم المؤمن والكافر إلاّ أنه مخصوص في حق المؤمن بقوله : { ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } سلمنا لكن لم لا يجوز أن يكون جزاؤهم الآلام والأسقام والهموم والغموم الدنيوية ؟ روي أنه لما نزلت الآية قال أبو بكر : كيف الصلاح بعد هذه الآية ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " غفر الله لك يا أبا بكر ؛ ألست تمرض أليس يصيبك اللأواء ؟ فهو ما تجزون " . عن عائشة أن رجلاً قرأ هذه الآية فقال : أنجزى بكل ما نعمل لقد هلكنا . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم كلامه فقال : " يجزي المؤمن في الدنيا بمصيبة في جسده وبما يؤذيه " وعن أبي هريرة لما نزلت الآية بكينا وحزنا وقلنا : " يا رسول الله ما أبقت هذه الآية لنا شيئاً ، فقال صلى الله عليه وسلم : أبشروا فإنه لا يصيب أحداً منكم مصيبة في الدنيا إلاّ جعلها الله له كفارة حتى الشوكة التي تقع في قدمه " ، سلمنا أن الجزاء إنما يصل إليه في الآخرة لكنه روي عن ابن عباس " أنه لما نزلت الآية شقت على المسلمين وقالوا : يا رسول الله وأينا لم يعمل سوءاً فكيف الجزاء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إنه تعالى وعد على الطاعة عشر حسنات ، وعلى المعصية الواحدة عقوبة واحدة ، فمن جوزي بالسيئة نقصت واحدة من عشرة وبقيت له تسع حسنات ، فويل لمن غلبت آحاده أعشاره " . وأيضاً المؤمن الذي أطاع الله سبعين سنة ثم شرب قطرة من الخمر فهو مؤمن قد عمل الصالحات فوجب القطع بأنه يدخل الجنة . قالوا : إن صاحب الكبيرة غير مؤمن ، وأجيب بنحو قوله :{ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا }[ الحجرات :9 ] أما حديث نفي الشفاعة فإذا كانت شفاعة الملائكة والأنبياء بإذن الله صدق أنه لا ولي لأحد ولا نصيراً إلاّ الله . قال في الكشاف : " من " في قوله : { من الصالحات } للتبعيض أراد ومن يعمل بعض الصالحات لأن كلاّ لا يتمكن من كل الصالحات لاختلاف الأحوال ، وإنما يعمل منها ما هو في وسعه ، وكم من مكلف لا حج عليه ولا جهاد ولا زكاة ولا صلاة في بعض الأحوال . ومن في قوله : { من ذكر } لتبيين الإبهام في : { من يعمل } والضمير في : { لا يظلمون } عائد إلى عمال السوء وعمال الصالحات جميعاً ، أو يعود إلى الصالحين فقط . وذكره عند أحد الفريقين يغني عن ذكره عند الآخر والمسيء مستغن عن هذا القيد ، فمن المعلوم أن أرحم الراحمين لا يزيد في عقابه وأما نقصان الفضل في الثواب كان محتملاً فأزيل ذلك الوهم ،

/خ126