البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَأُوْلَـٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرٗا} (124)

{ من يعمل سوءاً يجز به } قال الجمهور : اللفظ عام ، والكافر والمؤمن مجازيان بالسوء يعملانه .

فمجازاة الكافر النار ، والمؤمن بنكبات الدنيا .

فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لما نزلت قلت : يا رسول الله ما أشد هذه الآية جاءت قاصمة الظهر ، فقال صلى الله عليه وسلم : « إنما هي المصيبات في الدنيا » وقالت بمثل هذا التأويل عائشة رضي الله عنها .

وقال به : أبي بن كعب ، وسأله الربيع بن زياد عن معنى الآية وكأنه خافها فقال له : أي ما كنت أظنك إلا أفقه مما أرى ، ما يصيب الرجل خدش أو غيره إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر .

وخصص الحسن ، وابن زيد بالكفار يجازون على الصغائر والكبائر .

وقال الضحاك : يعني اليهود والنصارى والمجوس وكفار العرب ، ورأى هؤلاء أن الله تعالى وعد المؤمنين بتكفير السيئات .

وخصص السوء ابن عباس ، وابن جبير بالشرك .

وقيل : السوء عام في الكبائر .

{ ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً } روى ابن بكار عن ابن عامر ولا يجد بالرفع على القطع .

{ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة } مِن الأولى هي للتبعيض ، لأن كل واحد لا يتمكن من عمل كل الصالحات ، وإنما يعمل منها ما هو تكليفه وفي وسعه .

وكم مكلف لا يلزمه زكاة ولا حج ولا جهاد ، وسقطت عنه الصلاة في بعض الأحوال على بعض المذاهب .

وحكى الطبري عن قوم : أنّ من زائدة ، أي : ومن يعمل الصالحات .

وزيادة من في الشرط ضعيف ، ولا سيما وبعدها معرفة .

ومِن الثانية لتبيين الإبهام في : ومن يعمل .

وتقدم الكلام في أوفى قوله : { لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى } وهو مؤمن .

جملة حالية ، وقيد في عمل الإنسان لأنه لو عمل من الأعمال الصالحة ما عمل فلا ينفعه إلا إن كان مؤمناً .

قال الزمخشري : وإذا أبطل الله الأماني وأثبت أن الأمر كله معقود بالعمل الصالح وأن من أصلح عمله فهو الفائز ، ومن أساء عمله فهو الهالك ، تبين الأمر ووضح ، ووجب قطع الأماني وحسم المطامع ، والإقبال على العمل الصالح ، ولكنه نصح لا تعيه الآذان ، ولا تلقى إليه الأذهان انتهى .

والذي تدل عليه الآية أن الإيمان شرط في الانتفاع بالعمل ، لأنّ العمل شرط في صحة الإيمان .

{ ولا يظلمون نقيراً } ظاهره : أنه يعود إلى أقرب مذكور وهم المؤمنون ، ويكون حكم الكفار كذلك .

إذ ذكر أحد الفريقين يدل على الآخر ، أنّ كلاهما يجزى بعمله ، ولأنّ ظلم المسيء أنه يزاد في عقابه .

ومعلوم أنه تعالى لا يزيد في عقاب المجرم ، فكان ذكره مستغنى عنه .

والمحسن له ثواب ، وتوابع للثواب من فضل الله هي في حكم الثواب ، فجاز أن ينقص من الفضل .

فنفي الظلم دلالة على أنه لا يقع نقص في الفضل .

ويحتمل أن يعود الضمير في : ولا يظلمون إلى الفريقين ، عامل السوء ، وعامل الصالحات .

وقرأ : يدخلون مبنياً للمفعول هنا ، وفي مريم ، وأوّلي غافر بن كثير وأبو عمر وأبو بكر .

وقرأ كذلك ابن كثير وأبو بكرفي ثانية غافر .

وقرأ كذلك أبو عمرو في فاطر .

وقرأ الباقون مبنياً للفاعل .

/خ126